كلمة "الترابي" في المؤتمر الرابع …هل تمهد طريق الوحدة
أثنى عليها “نافع” و”قطبي”
فاطمة مبارك
لم يمنع الحضور المحلي والإقليمي والدولي الكبير للمؤتمر الرابع لحزب المؤتمر الوطني والحديث الذي شارك به ممثلوهم أمس(الخميس)، الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي دكتور”الترابي” من خطف الأضواء وشد انتباه الحاضرين من خلال خطابه الذي ألقاه. مشاركة “الترابي” في حد ذاتها تعتبر حدثاً، حيث لم ترصد له مشاركات لحزب المؤتمر الوطني منذ مفاصلته في العام 1999، وحتى ظهوره بعد إطلاق دعوة الحوار اختصر على بعض المؤسسات المحسوبة على الشعب كالبرلمان أو المشاركات في مناشط لا صلة لها بحزب المؤتمر الوطني، كذلك قابلت عضوية المؤتمر الوطني حديث “الترابي” بتصفيق وتكبير أظهرت عاطفة مريديه وأنصاره وربما قرب حنين التوحد.
كلمة “الترابي” أمس(الخميس) كانت واضحة على عكس طبيعة كلماته المعتادة التي يحاول فيها إرسال رسائله عبر الإشارات واللبيب بالإشارة يفهم، لكنه أمس عمد إلى وضع النقاط فوق الحروف حول قضايا جوهرية بلغة يفهمها الجميع، مثل الحوار والوحدة بين المنظومات السياسية في السودان وحل مشاكل الأقاليم المأزومة، داعياً الأطر الإقليمية إلى الدخول في منظومات تكتلية كما تفعل دول العالم الأول.
حديث “الترابي” الذي قال فيه: (إذا أصابتنا غفلة عن ذكر الله الواحد الذي يوحد العباد، الآن الابتلاءات من حولنا وعظتنا حيث ما نظرنا في أفريقيا والعالم العربي، وابتلاءات في وطننا كذلك وما يحيط به من مكائد تذكرنا بضرورة الائتلاف، وكل ذلك دعانا إلى التحاور والتشاور لا التحارب والتكايد بل للتوحد. وجاءت فكرة هذا الحوار الذي اجتمع فيه كثيرون)، أعاد إلى الأذهان المبررات التي كان يقولها بعض قيادات المؤتمر الشعبي، هي أن ما حدث في دول الربيع العربي تحديداً مصر كان بمثابة انتباهة للإسلاميين في السودان للتوحد والاصطفاف في صف واحد. وكانت المسيرة التي شارك فيها نائب “الترابي” حينئذٍ “إبراهيم السنوسي” مع الحركة الإسلامية المنسوبة إلى المؤتمر الوطني بقيادة “الزبير”، أول مشاركة صريحة جمعت بين حزبي المؤتمر الشعبي والوطني، وبالمقابل كانت بداية لفتور العلاقات بين المؤتمر الشعبي وقوى الإجماع المعارض.
ماذا قال “الترابي”
ابتدر “الترابي” مخاطبته أمس للمؤتمرين بقوله: (التحايا الأذكى والأولى نصعد بها إلى الله رب العالمين الذي بوحدانيته يذكر عباده أنهم عباد لله في وحدة ومبتدأ، وفي منتهاهم إلى الله وبعد ذلك السلام على الرسول الذي لم يرسل إلى قوم خاصة دون قوم بل جاء برسالته إلى نفسه وعشيرته الأقربين، ثم إلى قومه الذين يعلمون ثم إلى الناس كافة. وهذه التحايا هي مهاد لأشواق وحدة البشر، التحية من بعد إلى إخواننا الضيوف الذين أتبصرهم الآن وأعرف وجوههم عبر ساحات الدنيا العربية والآسيوية والأفريقية، وإلى الإخوة الأعضاء الذين كذلك أعرف غالب الوجوه).
دعوة للتحاور والوحدة
المسير كله نحو الوحدة والحمد الله كنا بالطبع أشتاتاً من القوى بعضنا ينتسب بائتماره إلى الوطن ويسأل عن هموم سلطانه الأعلى الأثقل وطأة عليه، وبعضهم ينتسب إلى الشعب مؤتمراً كذلك يخاطب الدعوة وبعضها أحزاب ترجع إلى أصول هذا الوطن القديم وبعضها أحزاب واردة، لكنها تريد أن تنزرع في هذا الوطن والحمد الله، إذ أصابتنا غفلة عن ذكر الله الواحد الذي يوحد العباد الآن الابتلاءات من حولنا وعظتنا حيث ما نظرنا في أفريقيا والعالم العربي وابتلاءات في وطننا كذلك، وما يحيط به من مكائد تذكرنا بضرورة الائتلاف. وكل ذلك دعانا إلى التحاور والتشاور لا التحارب والتكايد بل للتوحد. وجاءت فكرة هذا الحوار الذي اجتمع فيه كثيرون ويرجى فيه آخرون يعتزلون حيناً ما وآخرون من خارج الوطن، كلنا إنشاء الله نصبح قطاراً واحداً وبعد ذلك تنفتح لنا الأبواب بالطبع كيفما كانت أحزابنا واتجاهاتنا. هذا الحوار نريد أن يتحرى فيه الشعب لكن أن لا يتفجر عنفاً في الحرية، وأن ينتظم كذلك الشعب ويأمن لكن لا يتجبر عليه ناظم، نريد كذلك لعامة الناس وقد أصابتهم وطأة بؤس أن يجدوا بشرى وفرجاً إنشاء الله وبعض الأقاليم التي تظلمت وتأزمت كثيراً، علينا أن نجتمع في منظومة واحدة وبلدنا لا تختصر على الحدود التي رسمها الاستعمار، ولكن لا تخرج فاتحة غازية، لكن تمد إلى جيراننا كل التوجهات شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، حتى نحدث أنظومات العالم الآن كلها تتعاظم أقطاراً وتتكبر عدداً ونحن نرجو للوحدة أن تنبسط في كل هذا الإطار الواسع، كذلك نريد أن ننتقل ونتحرك نحو هذا الهدف، حركة مأمونة من كل الناس مضمونة تسوقنا ونريد في هذه الدنيا أن تتفتح لنا البشريات وتتجلى في نهضة بلدنا وعزته ووحدته، ونريد في مقاصدنا الهادفة إلى الآخرة أن نكون يوم القيامة عباداً لله توحدنا مرضاة الله وأن لا نتفرق إلى مواقع أخرى يوم القيامة).
حضور “الترابي” ومخاطبته لمؤتمر حزب انشق منه بأسباب خلفت كثيراً من الرواسب والجراحات التي لم تندمل عند بعضهم حتى هذه اللحظة، يدل على رضا “الترابي” بخيار اختيار “البشير” رئيساً للحزب ومرشحاً للمؤتمر الوطني لرئاسة الجمهورية، وربما لا يكون بعيداً عن نصح الحزب باختياره على خلفية حديث الناس عن أن خروج “علي عثمان طه” وبعض مؤسسي الإنقاذ، كان بإيعاز من “الترابي” وعندما اتخذ “البشير” هذا القرار أصبحت هناك تفاهمات كبيرة بين الرئيس “البشير” ودكتور “الترابي”.
والصورة النادرة التي عانق فيها الرئيس “البشير” “الترابي” أمس التي التقطها الإعلام لا تحتاج إلى من يعلق على مستوى التقارب في وجهات النظر بين الرجلين، وكل هذه المؤشرات وغيرها جعلت بعض قيادات المؤتمر الوطني تتحدث عن أن دكتور “الترابي” هو من يقف خلف ترتيبات الحوار.
كذلك كان ملفتاً أن يجد خطاب “الترابي” الرضا والثناء من شخصيات كانت كثيراً ما تنتقده أمثال دكتور “نافع علي نافع” ودكتور “قطبي”، ما يعني أن هناك تحولاً في العلاقة بين “الترابي” والمؤتمر الوطني، وبين المؤتمر الشعبي والمؤتمر الوطني من ناحية أخرى، حيث قال “نافع” في إطار تعليقه على خطاب “الترابي”: (الخطاب ممتاز جداً وواضح جداً يدعو إلى الوحدة حول الوطن ونبذ الخلافات، وأن لا نظل حبيسين لمواقف حزبية ضيقة، وأن نتحد لمصلحة البلد ونعرض أنفسنا للناس ليختاروا فينا من يشاءوا)، وفيما قال
دكتور “قطبي”: (إن كلمة “الترابي” كانت مؤثرة جداً لأن “الترابي” أول مرة يخاطب جمهوراً في يوم من الأيام كان جمهور حزبه، بالتالي استقبلت الكلمة بعاطفة كبيرة من قبل الحضور، وكما ذكر هو تعرف على كثير من الضيوف الموجودين وكذلك الوجوه التي كان يخاطبها، كثير منها مألوفة بالنسبة لديه وهذا كان له أثر عاطفي كبير. والكلمات التي ألقاها في خطابه كانت فيها إشارات واضحة إلى إمكانية التواصل بين الشعبي والوطني والمبادئ التي تجمع بين الحزبين والمسؤوليات الوطنية الكبيرة التي تنتظر الحزبين. الخطاب كان واضحاً فيه تمهيد الطريق لمزيد من التعاون بين الحزبين، وأسس الوحدة القائمة وثوابتها الموجودة).
ومن جانبه أكد دكتور”الحاج آدم” أن خطاب “الترابي” يعبر عن جدية في موقف حزب المؤتمر الشعبي من الحوار، والدعوة المخلصة لكل الفعاليات السياسية للانخراط في مسيرته وإلى أمن واستقرار ورفاهية هذا البلد، فالإشارات كانت إيجابية ولم نتفاجأ بها لأننا نعرفه شيخ “حسن” فنحن تربينا معه). واعتبر “محمد الحسن الأمين” مجرد مشاركة “الترابي” في هذا المؤتمر فيها مؤشر لتوحيد القوى السياسية الوطنية المعارضة، وضرورة الاستمرار في مسيرة الحوار على هدى المبادئ المتفق عليها. وقال: (خطابه كانت كلمات قصيرة لمعاني كبيرة ومستقبل يتعاون فيه الجميع من أجل الوطن والعقيدة ومبادئ هذه الأمة).