مبادرتها تهدف إلى هز شباك المعارضة.. هيئة علماء السودان اللعب في كل الخانات
رفضت التباري في الميادين الخارجية
الخرطوم – الهادي محمد الأمين
طالبت هيئة علماء السودان بتعديل دستور العام 2005م (المعدل) باستحداث دستور جديد تشارك فيه القوى السياسية والمكونات الاجتماعية كافة، وطرح حكومة قومية موسعة وفتح أبواب الحوار مع الحركات المسلحة. وقال رئيس الهيئة البروفيسور “محمد عثمان صالح” في مؤتمر صحفي عقدته الهيئة ظهر أمس الثلاثاء بوكالة السودان للأنباء (سونا) حول رؤية الهيئة للحوار المجتمعي، قال إن المرحلة الحالية تتطلب توحيد الأحزاب السياسية في حزبين كبيرين أو ثلاثة- على الأكثر- مثل ما عليه الحال في بقية الدول الأخرى، مضيفاً إن الأفضل تجميع الوطني مع الشعبي ومنبر السلام العادل وحركة الإصلاح الآن في حزب واحد يستوعب الحركة الإسلامية وتوحيد أجنحة حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي، وأعاب كثرة القوى السياسية التي وصلت قرابة الـ(97) حزباً، وقال إنه أمر يعيق عملية الحوار ويساهم في تعقيد قضايا البلاد، داعياً الحركات المسلحة إلى إلقاء السلاح ونبذ العنف والتخلي عن خيار العمل المسلح والدخول في العملية السلمية، مطالباً الحكومة بالتزامات وضمانات قوية لصالح حملة السلاح في حالة قبولهم الانخراط في العملية السلمية، بجانب تفريغ السجون من المعتقلين وتهيئة المناخ لإدارة حوار عقلاني مفتوح بين جميع الأطراف لا يستثني أحداً.. وأبان (صالح) في حالة التوافق على دستور انتقالي جديد ونجاح عملية الحوار الوطني من الممكن الاتفاق على تأجيل الانتخابات القادمة وتمديد الجدول الزمني المقرر لها في أبريل المقبل إلى أجل جديد يحدد فيما بعد إرساءً لمبدأ التداول السلمي للسلطة بعيداً عن الانقلابات العسكرية، واستدرك قائلاً: (وإلا فإن قيام الانتخابات يبقى استحقاقاً دستورياً لا مفر منه في حالة تأخر عملية الحوار أو تعثرها حتى لا يحدث فراغ دستوري وسياسي بالبلاد لقطع الطريق أمام شبح التدويل والتدخلات الخارجية التي تعمل على تنفيذ أجندة ضد مصالح السودان)- طبقاً لـ”صالح”.
{ حجز مقاعد أمامية
وقال إن قيام الانتخابات لن يكون خصماً على الحوار، وإحراز تقدم أو نجاح للحوار ينبغي ألا يربط بقيام الانتخابات، ويمكن أن يتحقق حتى في الدورة القادمة بعد نهاية فترة الحكم الحالي لتأتي دورة جديدة بدستور جديد وتوافق سياسي تجمع عليه القوى السياسية كافة، مرجحاً خيار الحوار من الداخل على غيره من الخيارات الأخرى سواء في المنابر الإقليمية أو المحافل الدولية برعاية أممية أو أجنبية، وقال: (نقدم مقترحاً لإدارة حوار داخلي مع المعارضة لإرساء نظام دستوري وفقاً لموجهات خيار أهل السودان ممثلاً في الخيار الإسلامي). وأكدت الهيئة رفضها للتباري في الميادين الخارجية، فالشاهد أن مبادرة الهيئة- التي وصفها البعض بأنها جاءت متأخرة لحد بعيد- لا يمكن عزلها أو فصلها عن تحركاتها في الاتجاهات كافة في الفترة الأخيرة، وبدا واضحاً أن الهيئة شرعت في ترتيب أوراقها لقيادة خط جديد وبإيقاع متسارع ترمي فيه بفتاواها ومواقفها ورؤيتها الشرعية تجاه الأحداث الجارية التي تفرض نفسها على الساحة السودانية، بهدف المشاركة في رسم وتشكيل خارطة الواقع وحجز مقاعد متقدمة في صفوف الفعل السياسي المباشر، وتحضير نفسها لتكون واحدة من أدوات وآليات الصراع السياسي مع اقتراب موعد المعركة الانتخابية التي تتزايد فيها ومعها حالة التجاذب والاستقطاب السياسي الحاد وتسخين شتاء الخرطوم. وألمح البروفيسور “محمد عثمان صالح” قائلاً: (يجب أن نكون سلطان العلماء لا علماء السلطان) في إشارة منهم إلى المشاركة في تحديد شكل ونظام الحكم القادم عبر آليات قال إنها تستند إلى الحراك المجتمعي وإرادة الشعب، مؤكداً أن السيادة في الحكم لله والسلطة للشعب.
{ خطوط دفاع
مبادرات الهيئة لملاحقة الأحداث ومواكبة التطورات تشكل اتجاهاً داعماً لخط الحزب الحاكم رغم محاولة الهيئة تبرئة نفسها من موالاة السلطان، وقال الأمين العام “إبرهيم الكاروري” خلال مخاطبته المؤتمر الصحفي المشهود إن الهيئة كيان شعبي معني بالتواصل مع المجتمع وغير مقيد بنظرة حكومية ولتأكيد هذه الفرضية، طالب “الكاروري” بكشف وضرب بؤر الفساد وردع المفسدين ورد المظالم إلى أهلها والشروع فوراً في مراجعة مشروعات ديوان الزكاة ومحاربة البطالة وتوظيف الخريجين وفقاً لشروط الكفاءة والأهلية، وليس من خلال الانتماء السياسي والولاء الحزبي وإصلاح السجون لتكون مؤسسات إصلاحية وليست عقابية، غير أن حراك الهيئة ومبادراتها وطرح رؤى ومعالجات للقضايا كافة التي تطرأ على الساحة السودانية ارتبط ارتباطاً مباشراً وتزامن مع ارتفاع درجة حرارة الجو السياسي خلال المرحلة الماضية منذ (إبرام إعلان باريس) بين زعيم حزب الأمة “الصادق المهدي” و”مالك عقار” قائد الجبهة الثورية حيث حاولت الهيئة التمدد وملء الفراغات لتشكل حضوراً فاعلاً في المسرح السياسي من جهة، ولتكون خط دفاع داعماً للمؤتمر الوطني لتجيير جهودها لصالح العملية الانتخابات المقبلة، ليصب رصيد هذا الحراك في خانة الحزب الحاكم كأداة من أدوات وآليات العملية السياسية، فخلال أسبوع واحد أصدرت الهيئة جملة من البيانات كان آخرها التشكيك في صحة أرقام تقرير منظمة الصحة العالمية بارتفاع حالة الانتحار في السودان بنسبة (17%) ومجيئه في المرتبة الأولى على مستوى الدول العربية وقال البروفيسور “محمد عثمان صالح” إن التقرير مشكوك فيه ولا يخلو من الغرض السياسي، وقبل ثلاثة أيام خيّرت الهيئة الحكومة بين التفاوض مع الحركات المسلحة والجبهة الثورية أو المضي في خيار الحسم العسكري دون التردد بين الخيارين، وقبل ذلك حذرت من التدافع نحو مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك – تويتر وواتساب). وقالت الهيئة إن هذه المواقع بالإضافة إلى الصحافة الجامحة سبب شيوع المفاسد في البلاد، وأشارت إلى أنها تحمل السم أكثر من الدسم، ووصلت الهيئة إلى مرحلة تدخلت فيها لرفض قيام مونديال نهائيات الأمم الأفريقية في العام 2015م قيامه بالسودان على خلفية تقدم الدول المضيفة (المغرب) للنهائيات تحوطاً من اتساع رقعة انتشار وباء (إيبولا) القاتل.
{ تذمر النجوم
بيد أن هذه المبادرة الداعمة للحظ الحكومي تواجهها تحفظات وملاحظات بدرت مؤخراًً من جانب علماء ودعاة عبروا عن عدم رضاهم من مسار الهيئة ومواقفها، ومن ضمن هؤلاء عدد من شيوخ الطرق الصوفية والبيوتات الدينية، وتحسر الشيخ “محمد المنتصر إزيرق” أحد أقطاب الصوفية من غياب أو تغييب أهل السلسلة والطريق من مؤسسات الفتوى، وقال إن هيئة علماء السودان ومجمع الفقه الإسلامي سيطر عليهما التيار السلفي، وبدت هاتان المؤسستان تعبران عن الجماعات السلفية ولا تمثلان واجهة سودانية في الإفتاء الشرعي، لكون أهل السودان أغلبهم (في الأصول أشاعرة وفي القراع مالكية وفي السلوك صوفية)، وأعاب “محمد المنتصر إزيرق” على الهيئة احتفاءها بالسلفيين على حساب رموز رواد الخلاوي والمسايد والقوم من طبقات الطرق الصوفية، وقال إن مجمع الفقه الإسلامي يعدّ واجهة البلاد العلمية فلا بد من شموله على ممثلي الأطياف الدينية كافة خاصة الصوفية، وتحقيق مبدأ المحاصصة فيه بالتساوي أو حسب الأوزان والأحجام.
انتقادات “الإزيرق” لم تكن وحدها، فدعاة الرابطة الشرعية ورابطة علماء المسلمين تجاوزوا هيئة علماء السودان وأسسوا كيانات أخرى موازية بذات المهام والواجبات والأدوار بالنأي عن الهيئة التي عدّوها حكومية وليست مستقلة وتحابي السلطان، وفي المقابل فإن ابتدار علماء ودعاة لتأسيس هيئة ضرار في وجود هيئة علماء السودان القائمة أمر أثار حفيظة الهيئة برئاسة البروفيسور “محمد عثمان صالح” التي حاولت ضم السلفيين إلى كيانها فاجتذبت الشيخ “عبد الحي يوسف” ونصبته في موقع الرجل الثاني بالهيئة كنائب للرئيس، والشيخ “محمد الأمين إسماعيل” في دائرة الفتوى، وكلا الشيخين ممثلين كذلك في مجمع الفقه الإسلامي، وشكل هذا الثنائي رأس الرمح في حملة انتخابات 2010م لترجيح كفة مرشحي المؤتمر الوطني في الدوائر الجغرافية على المستوى الاتحادي والولائي واليوم، ومع اقتراب الانتخابات العامة المقرر قيامها في إبريل من العام 2015م تنشط هيئة علماء السودان وتطرح مبادرتها ورؤيتها حول الحوار الوطني والمجتمعي كضربة بداية لدخول الميدان السياسي من أوسع أبوابه لحشد الدعاة والعلماء وأئمة المساجد وقادة الجماعات الدينية ليكونوا رصيداً جماهيرياً وشعبياً في صناديق الاقتراع لحسم المعركة الانتخابية لصالح المؤتمر الوطني، وتوظيفهم سياسياً للاستفادة من تأثيرهم في الساحة السياسية وتشكيل الرأي العام السوداني ليكونوا ورقة انتخابية رابحة في مقابل التضييق على الأحزاب والقوى السياسية الأخرى، خاصة المعارضة للحكومة التي تعدّهم أجهزة الحكم والسلطة عملاء لليهود على خلفية تأكيد الرئيس “البشير” أن مهندس اتفاقية باريس رجل صهيوني استطاع الجمع بين “مالك عقار” و”الصادق المهدي”.
وحديث عضو هيئة علماء السودان– إمام وخطيب– الجامع الكبير بالخرطوم “كمال رزق” في خطبة الجمعة الماضية أن الصهيونية والعلمانية والماسونية أخطر من الشيعة، ومن قبل طالبت هيئة علماء السودان في ندوة عقدتها بدارها بحظر ومنع نشاط الأحزاب اليسارية والشيوعية والجمهورية بحجة أنها تشكل خطورة على المجتمع السوداني، وهو أمر أكده الأمين العام للهيئة “إبراهيم الكاروري” في المؤتمر الصحفي، ظهر أمس (الثلاثاء)، بـ(سونا)، وقال إن الهيئة معنية بشكل مباشر بحماية وسلامة أمن المجتمع ليبقى الدعاة هم خط الدفاع والهجوم في تشكيلة الفريق الحكومي لصناعة الأهداف وهز شباك مرمي المعارضة في مونديال 2015م.