تقارير

مرارة السكر في موسم الحصاد

حديث السبت
يوسف عبد المنان

هل تحسم شورى الحركة الإسلامية اليوم ترشيح “البشير”؟؟
“غندور” وأوراق اللعبة السياسية بين الحوار الوطني ومفاوضات قطاع الشمال
ضبابية وغموض كثيف يكتنف مسارات التسوية للنزاع السوداني من منابر دولية معلنة في الدوحة للتفاوض بين الحكومة ومتمردي دارفور، ومسار آخر تحتضنه أديس أبابا خصص للتفاوض بين الحكومة ومتمردي قطاع الشمال لحل النزاع في المنطقتين، ومسار ثالث (افترعه) الرئيس “عمر البشير” في فبراير من العام الحالي وهو مسار الحوار الوطني.. وما بين المسارات الثلاثة تقاطعات وتناقضات، أي منها كفيل بنسف المسار الآخر.. وقد أعلن البروفيسور “إبراهيم غندور” نائب رئيس المؤتمر الوطني عن عقد جولة من التفاوض في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر الجاري بعد تلقيه دعوة من الوسيط “أمبيكي”!! في الوقت الذي ذهب فيه الوسيط “أمبيكي” إلى مجلس الأمن والسلم الأفريقي وقدم تقريراً عن الحوار الوطني وموافقة الأطراف الرئيسية- الحكومة وحاملو السلاح- على دور للاتحاد الأفريقي كمشرف للحوار الوطني، الشيء الذي عدته نخب وقيادات داخل المؤتمر الوطني وخارجه بمثابة (سرقة) لمسار الخرطوم التفاوضي وتدويل للحل الذي لاحت بوادره.. في وقت يسعى فيه الإمام السيد “الصادق” لغضبه الشديد وحنقه على الحكومة والمؤتمر الوطني لمحاصرة الحوار الوطني بالقوى الدولية والإقليمية ونزع المبادرة والمبادأة من الرئيس “البشير” ووضعها تحت يد الوسيط “أمبيكي” ويجد هذا التيار الذي يقوده الإمام “الصادق” دعماً وتشجيعاً من القوى التي تحمل السلاح والمعارضة التي تهدمت جدر الثقة بينها والمؤتمر الوطني.. ولكن تياراً في المعارضة يرفض مبدأ (تدويل) الحوار الوطني، ويطالب (بإبعاد) “أمبيكي” عن هذا الملف. وقد جهر د. “علي الحاج محمد” نائب الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي برفضه لهذا المسلك، وأبدى دهشته من موافقة الحكومة على التخلي عن مسار الخرطوم ودمجه في مسارات أخرى.
ولكن ماذا يعني إعلان الوسيط “أمبيكي” عن عقد جولة جديدة من التفاوض بين الحكومة وقطاع الشمال؟؟ هل تعثرت مساعي دمج كل المسارات في مسار الحوار الوطني؟؟ وقد أعلنت (الحركة الشعبية- شمال) أكثر من مرة عن تمسكها بالتفاوض حول قضايا السودان الكلية!! ودعمت بشدة إشراف السيد “أمبيكي” على الحوار الوطني لكنها لم تتخذ موقفاً داعماً ومؤيداً للحوار الوطني، بل وضعت كثيراً من الشروط والقيود والمطالب التي تعدّها الحركة الشعبية وبعض القوى المعارضة كاستحقاقات واجبة لتهيئة المناخ لنجاح التفاوض من خلال مشروع الحوار الوطني.
ومفاوضات أديس أبابا التي أعلن عنها نهاية أكتوبر الجاري لا ينتظر منها المضي خطوة واحدة للحل الدائم والموضوعي، فالحركة الشعبية (شمال) تواجه نفسها بتناقضات ما بين تطلعات وطموحات المقاتلين من القوى الرئيسية التي تحمل السلاح ممثلة في جبال النوبة والنيل الأزرق وما بين تطلعات وأشواق قيادة قطاع الشمال التي تتكون من جنرالات بعضهم بلا جيش وآخر ركب قطار التمرد واحتفظ ببطاقة انتمائه لأحزاب أخرى في جيبه الخلفي!! فالذين يحملون السلاح من أبناء جبال النوبة قضيتهم في تسوية عادلة تمنح المنطقة حقوقها في التنمية وحقها في التعبير ثقافياً عن نفسها ومشاركة في السلطة مركزياً وولائياً، وإقرار اتفاق لمعالجة الاختلالات التنموية التي تعاني منها المنطقة، ومسح دموع الأحزان التي خلفتها مرارات الصراع خاصة ما بعد (الكتمة) المعروفة بحرب 6/6/2011م وحتى اليوم.. ولكن قيادات قطاع الشمال من غير إقليم جبال النوبة لها تطلعات في إعادة هيكلة السلطة المركزية وتفكيك الإنقاذ لنفسها من خلال التفاوض.
وعلى جبهة المؤتمر الوطني الذي يفاوض عملياً نيابة عن شركائه في حكومته، حيث لم يشأ المؤتمر الوطني إشراك أي من أحزاب حكومته في المفاوضات حتى الأقرب إليه نفسياً ووجدانياً مثل الحزب الاتحادي الديمقراطي (جناح الدقير) الذي له أتباع ومريدون خاصة في شرق جبال النوبة والاتحادي الديمقراطي الأصل.. ودائماً ما يكرس المؤتمر الوطني القضية في حيز قبائل النوبة ولا يشرك غيرهم في قضية المنطقة، وتعج وفود التفاوض بأحزاب النوبة، ولا ينفتح الأفق للأحزاب الأخرى التي هي نفسها غير حريصة على أن يكون لها دور، وتفضل المشي في ظل المؤتمر الوطني والتدثر بعباءة في فصول البرد والصيف، ولو أقبل المؤتمر الوطني على المفاوضات مع الحركة الشعبية قطاع الشمال بقرار مركزي متفقا عليه لإقرار التسوية النهائية، واقتنعت المرجعية القيادية العليا للحزب بأن الوسيلة المثلى لوقف الحرب هي التفاوض وتقديم تنازلات حقيقية لانتهت مأساة حقيقية تعيشها تلك المنطقة ولحافظت قيادة البلاد على وحدة تراب أرضها.
ولكن عثرات الطريق وضبابية الموقف الراهن وتعدد المسارات ما بين أديس والدوحة ومسار الحوار الوطني، تجعل من المفاوضات التي أعلنها “أمبيكي” وأعلن بروفيسور “غندور” الإقبال عليها نهاية أكتوبر الجاري جلسة علاقات عامة لا أكثر للتلاقي وتبادل الابتسامات ثم التراشق الإعلامي والاتهامات التي لا تحل قضية!!
{ تعديل النظام الرئاسي
إذا كانت البلاد مقبلة على حقبة سياسية جديدة بتوافق القوى الحزبية والقوى التي تحمل السلاح على دورة ديمقراطية جديدة، فإن النظام الرئاسي الحالي بات تعديله مطلوباً بشدة لضروريات عملية وسياسية، حيث إن مركزة السلطات والصلاحيات في يد رئيس الجمهورية وحده قد أضعفت الأجهزة الرقابية والمحاسبية كالبرلمان كسلطة رقابية وتشريعية، وأضعفت أيضاً دور الصحافة في مراقبة الأجهزة التنفيذية.. وألقت التجربة الحالية على الرئيس كثيراً من الأعباء والمشغوليات جعلته مرهقاً ومستهلكاً في المتابعة اليومية لأداء الوزارات والسفارات والمسؤوليات الأمنية والسيادية والعلاقات الخارجية، عطفاً على مسؤوليات الرئيس الحزبية والسياسية.. لذلك بدأت تيارات وأصوات داخل المؤتمر الوطني ضعيفة وواهنة تتحدث همساً دون إفصاح عن ضرورة تعديل الدستور الحالي باستحداث منصب رئيس مجلس وزراء يكون مسؤولاً أمام الرئيس عن الأداء التنفيذي اليومي، ومساءلاً لدى البرلمان عن أداء الوزراء والخدمة العامة، ويمكن أن يفصل الدستور ما بين الوزارات السيادية والأمينة والعسكرية وبين الوزارات الخدمية بالنص على مسؤوليات الرئيس المباشرة عن وزارات الدفاع والداخلية وجهاز الأمن والمخابرات تعييناً ومحاسبة، على أن تصبح بقية الوزارات مسؤولية رئيس مجلس الوزراء الذي يملك البرلمان سلطة طرح صوت الثقة عنه ومطالبة رئيس الجمهورية بتعيين بديل له.. ويتم بموجب التعديل الدستوري إطلاق يد البرلمان في محاسبة الوزراء من الاستدعاء وتقديم البيانات والمحاسبة على القصور في الأداء والتوصية لرئيس مجلس الوزراء بإعفاء الوزير الذي (يقتنع) البرلمان بالقصور في أدائه أو إخفاقه في واجبه أو ارتكابه لجرائم في حق الدولة والمواطنين.. حيث يحول النظام الرئاسي دستوراً وقانوناً دون محاسبة الوزراء، ولا يملك البرلمان سلطة طرح صوت الثقة عن أعضاء الجهاز التنفيذي الذين يحتمون برئيس الجمهورية.. واستحداث منصب رئيس لمجلس الوزراء لابد من أن يتبعه تعديل آخر في صلاحيات الرئيس بتعيين الولاة خلال الفترة ما قبل الاتفاق على دستور وطني جديد متفق عليه من أغلب القوى السياسية وتلك التي تحمل السلاح.. واستحداث المنصب أيضاً يفتح الباب واسعاً لتعيين وزراء من أصحاب الكفاءات النادرة دون النظر إلى انتمائهم الحزبي، وما نجح النظام المايوي لمدة (16) عاماً من الحكم إلا لاعتماد الرئيس “جعفر نميري” على أهل الكفاءات والقدرات بغض النظر عن انتمائهم السياسي لتنظيم الاتحاد الاشتراكي أو غيره.. وقد شبع السودان من الوزراء الحزبيين، والفترة القادمة لها مطلوبات واستحقاقات في اختيار الكفاءات لإدارة شأن البلاد.
لكن تعديل الدستور واستحداث منصب رئيس مجلس وزراء سيواجه بالرفض من قبل المستفيدين من الوضع الدستوري الراهن.. ولهؤلاء حجة ضعيفة هي تعارض النظام الرئاسي مع وجود رأس تنفيذي ورأس سيادي.. لكن النظام الرئاسي الحالي ليس صنماً تعبده الجماهير بقدر ما هو نظام تم إقراره باجتهاد سياسي له إيجابيات وسلبيات، وقد آن الأوان لمراجعته ودعم إيجابياته وتجنب سلبياته!!
{ هل تصحح الحركة الإسلامية كراسة الوطني
عندما يقدم البروفيسور “إبراهيم غندور” مساعد رئيس الجمهورية ونائب رئيس المؤتمر الوطني للشؤون السياسية والتنظيمية تقريراً عن أداء حزب المؤتمر الوطني اليوم (السبت) لاجتماع هيئة شورى الحركة الإسلامية، الذي بدأ أعماله أمس (الجمعة) ويرفع أعماله اليوم، فإن البروفيسور “غندور” مطالب أمام عصب ولحم الإنقاذ وصفوة قادتها المخلصين أن يقول كلمته بكل الوضوح والصراحة، ويقدم رؤية الحزب حول الترشيحات لمنصب رئيس الحزب، وبالتالي المرشح لمنصب رئيس الجمهورية للانتخابات المقرر لها أبريل 2015م القادم.. ثم يقدم البروفيسور “غندور” تقريراً عن الحوار الوطني.. أين بلغ؟ وما هي العثرات التي تواجهه؟ ويمثل انعقاد مؤتمر شورى الحركة الإسلامية في دورته العادية.. وتعد قضية الرئاسة من أهم الملفات التي ينتظر أن تقول الحركة الإسلامية كلمتها حولها، وهي كلمة قد تبدو غير مؤثرة على زخم المؤتمر الوطني، لكن إعلان دعم الحركة الإسلامية اليوم لترشيح المشير “عمر البشير” يقطع الطريق أمام آخرين يتطلعون تحت ذرائع شتى للمنصب، ولن تقف الحركة الإسلامية مكتوفة الأيدي، وقد أصبح كل شيء على الطاولة وفي فضاء الجرح والتعديل.. الوضع داخل شورى الحركة الإسلامية يبدو متوافقاً مع شورى المؤتمر الوطني التي تنعقد يومي (الثلاثاء) و(الأربعاء) لتقديم ترشيحاتها للمؤتمر العام.. ولما كانت اللائحة تقتضي تقديم خمسة مرشحين ليختار رئيس المؤتمر، فإن “البشير” يظل متقدماً على الآخرين خاصة وقد وجد ترشيحه دعماً من الشيخ “علي عثمان محمد طه” الذي يمثل ثقلاً وسط الحركة الإسلامية، حيث يعدّه الاسلاميون خليفة الدكتور “حسن الترابي” التنظيمي والسياسي.
وفي مناخ التكهنات والتوقعات فإن خيار “البشير” يمثل الخيار الغالب وسط شورى الحركة الإسلامية رغم أن اللوائح ودستور الحركة الإسلامية لا يمنحها حق الجرح والتعديل والتدخل في الخيارات السياسية للحزب، إلا أن شورى الحركة الإسلامية ستصدر اليوم في نهاية دورتها الحالية مقرراتها وتوصياتها، ولن تجد حرجاً في دعم ترشيح المشير “البشير” إذا كان ذلك يمثل رؤية غالبية عضويتها!!
{ مرارة السكر
الصراع حول السكر في السودان قد يحيله إلى مرارة شديدة، خاصة وقد تبقت أيام معدودة لبدء موسم الإنتاج 2014-2015م ولا يزال الوضع في شركة (سكر كنانة) أكبر الشركات المنتجة للسكر في إفريقيا يكتنفه الغموض الشديد، وبات الصراع بين أعضاء مجلس إدارة (سكر كنانة) ووزير الصناعة المهندس “السميح الصديق” هو المسيطر على الساحة بدلاً عن الاهتمام بتحضيرات الموسم الزراعي من توفير مدخلات الصناعة وتلبية احتياجات المصنع، واستيراد الإسبيرات والزيوت وصيانة الماكينات.. ولكن (كنانة) التي كانت مثالاً للاستثمار العربي السوداني الناجح أصبحت ساحة لصراعات لا تنتهي، حتى بلغ الضيق بحكومة السودان أن أبدت استعدادها لبيع أسهمها في المصنع لمن يطلبها من المستثمرين العرب والشركاء في المصنع.. كل ذلك بسبب الإجراءات التي اتخذتها حكومة السودان بإعفاء رئيس مجلس الإدارة دون مشورة الشركاء العرب، والتقليل من شأنهم والإصرار على مراجعة أداء الشركة من خلال المراجع العام لحكومة السودان.. وكل هذه الخطوات كان يمكن إنفاذها إذا احترمت الحكومة الشركاء في المشروع ولم تتعمد تغييبهم.. وتحمل المهندس “السميح الصديق” وزير الصناعة (وجه القباحة) ووزر غيره حينما نسبت كل الأخطاء التي حدثت في ملف (كنانة) إلى وزير الصناعة الذي بلغته توجيهات عليا من الدولة باتخاذ هذه الخطوات (كتعليمات) واجبة التنفيذ من الجهات التي اختارته لهذا المنصب.. ولا يملك وزير الصناعة حق فصل مدير (كنانة) السابق ومنعه من الدخول بالشرطة، لكن “السميح” كان (مسيراً) في تنفيذ سياسات الدولة، وإن شاءت اليوم تعديلها والنكوص عنها والتفاوض مع الشركاء العرب فهي حرة فيما تفعل.. ولكن موسم حصاد القصب قد اقترب، والأوضاع في (كنانة) تسودها الضبابية، وتخيم على سمائها الغيوم ونذر المواجهات ودخان الصراعات بدلاً عن دخان القصب في العتامير!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية