زيارة "البشير" لـ"القاهرة"…هل تطوي الملفات الشائكة !
توقعات بإسهامها في تقوية العلاقات
تقرير – فاطمة مبارك
زيارة وزير الخارجية “على كرتي” إلى مصر في هذا التوقيت لها أكثر من دلالة، أهمها أن الحكومة أو على الأقل السلطة التنفيذية ربما أدركت أهمية التقارب الإستراتيجي بين بلدين متجاورين، إضافة إلى البعد الإقليمي في استقرار الأوضاع السياسية على خلفية مايشهده الإقليم من اضطرابات خاصة في ليبيا ودولة الجنوب ويمكن أن تؤثر على السودان. ولهذا السبب قررت الاتجاه بكلياتها نحو تحسين العلاقة مع مصر وتجاوز الإشكالات التي تظهر من وقت لآخر،أو هكذا يبدو المشهد الآن سواءً كان على صعيد ترميم العلاقة مع السعودية أو مصر التي وصف مساعد رئيس الجمهورية بروفيسور “غندور” العلاقة معها بالمصير المشترك أثناء مخاطبته منسوبي حزبه أيام المعايدة.
وعلى المستوى الرسمي أشارت الحكومة السودانية الى أن زيارة “كرتي” إلى “القاهرة” تأتي في إطار التباحث بين وزير الخارجية “على كرتي” ونظيره المصري “سامح شكري” حول العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها، بينما أشارت تقارير إعلامية من “القاهرة” إلى أن زيارة “كرتي” تأتي تمهيداً لزيارة يقوم بها الرئيس السوداني إلى “القاهرة” قريباً.
وبدوره كشف سفير السودان في “القاهرة” “عبد المحمود عبد الحليم” في حديثه لـ(المجهر) أمس عن أن زيارة الرئيس “عمر حسن البشير” إلى “القاهرة” ستتم يومي الـ(18- 19) من أكتوبر الحالي تلبية لدعوة الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”، موضحاً أن وزير الخارجية “علي كرتي” ونظيره المصري “سامح شكري” اتفقا أمس في ختام مباحثاتهما الثنائية في “القاهرة” على أن تبدأ زيارة الرئيس “البشير” إلى مصر (السبت المقبل)، وأكدا في ذات الوقت التزام بلديهما الكامل بوجوب تعزيز علاقات التعاون بين السودان ومصر في كافة المجالات على النحو الذي يمتن من الوشائج المشتركة بين الشعبين . وأكد سفير السودان في مصر أن زيارة الرئيس ستسهم في تقوية العلاقات الثنائية بين البلدين والدفع بها إلى آفاق أرحب .
وأشار “عبد المحمود” في حديثه لـ(المجهر) أمس إلى اتفاق الطرفين على عقد اجتماع وزاري في الخرطوم برئاسة وزيري الخارجية في البلدين ومشاركة الوزراء المعنيين، وذلك عقب زيارة الرئيس إلى “القاهرة” الأسبوع المقبل، مشيراً إلى رضا الجانبين السوداني والمصري إزاء مفاوضات سد النهضة التي استضافتها الخرطوم في وقت سابق والنتائج الايجابية التي حققتها. ونبه إلى أن الاجتماع الوزاري لوزراء الري في السودان وإثيوبيا ومصر سيلتئم في “القاهرة” يومي ( 20 -21) أكتوبر الحالي. ولفت السفير “عبد المحمود” إلى أن لقاء وزير الخارجية “علي كرتي” ونظيره المصري استعرض أيضاً الأوضاع الإقليمية خاصة في ليبيا من منطلق الجهود التي تبذلها دول الجوار الليبي.
زيارة الرئيس المرتقبة إلى الجارة مصر تؤكد عزم حكومة السودان في طي الملفات الإستراتيجية المهمة التي تربط السودان بمصر وتؤثر على أمنه خاصة بعد قدوم نظام “عبد الفتاح السيسي”.
ورغم حديث المسؤولين في البلدين عن تحسن العلاقة بين السودان ومصر وزيارة الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” إلى السودان قبل ذلك ومن بعده جاءت خطوة فتح المعابر التي كانت معطلة، إلا أن هناك أزمة مكتومة وملفات مهمة بالنسبة للعلاقة بين البلدين ظلت تمثل خميرة عكننة دون أن تحدث فيها أي تطورات تبشر بتجاوز العلاقة لمحطة التوترات وعدم الثقة، وأول هذه الملفات ملف الحركات السودانية المعارضة والمسلحة الذي سبق أن تحفظت عليه الحكومة السودانية، وبالمقابل يبدو أن مصر ماضية في الاحتفاظ بهذا الملف طالما أنه يؤثر على أمن واستقرار حكومة السودان. والدليل على ذلك أنها بدأت قبل فترة في إتاحة الفرصة لبعض المعارضين مثل الجبهة الوطنية العريضة التي يقودها “عبد المحمود حسنين”، وهناك حديث عن وجود منبر بمصر لقضية “أبيي”، كما أن رئيس حزب الأمة القومي “الصادق المهدي” الآن موجود بمصر ويطمع في عونها ومساعدتها لتقوية موقفه المعادي لنظام الخرطوم، كذلك “الصادق” الآن يتحدث في المنابر المصرية ويبعث برسائله لأعوانه ومسانديه ولايجد أي معاناة، في وقت تدرك فيه الحكومة المصرية أن “الصادق المهدي” مغضوب عليه من قبل الحكومة السودانية والمسؤولين في السودان كذلك ربما على علم بما يتم في مصر من قبل المعارضين. ولهذا السبب أصبحت تشدد الرقابة على الذاهبين إلى مصر. وتأكيداً لذلك منعت السلطات يوم (الأربعاء) الماضي حسب ما تناقلته الصحف مساعد الأمين العام لحزب الأمة القومي من الذهاب إلى مصر، رغم قوله إن زيارته بغرض علاج والده. كل هذا الحراك الذي يتم يؤكد أن الحكومة تعلم ماتريده القيادات المعارضة ومايمكن أن تجده من الحكومة المصرية التي لاتربطها مصالح إستراتيجية مع حكومة السودان. وفي هذا السياق سبق أن قال دكتور “أمين حسن عمر” في حوار أجرته معه (المجهر): (واضح جداً الكل مراقب أن هناك قيادات معارضة موجودة في القاهرة ليست بوصفها لاجئة لأنها ناشطة سياسياً حتى إذا منعت من المؤتمرات الصحفية أو التنظيمية، هناك نشاط سياسي وإعلامي كبير موالي لهذا الاتجاه في مصر وهذه التصرفات لا تخدم تحسين العلاقة بين البلدين)، مضيفاً أنهم يتحدثون عن علاقات تاريخية راسخة ومتداخلة ومهمة من الناحيتين الأمنية والإستراتيجية للبلدين، وهذا الشئ لا يماري أو يكابر فيه أحد ولكن الأمر لا يتعلق بالعبارات والألفاظ بقدر ما يتعلق بالأفعال والسياسات، وإذا حدثت أي انحرافات عن رعاية هذا التصور الإستراتيجي للعلاقة بين البلدين ينبغي أن يراجع. وقال حتى في زمن “مبارك” في وقت من الأوقات كان هناك تعامل مخصوص لهذه العلاقة رغم رعاية الأنشطة المعادية أنا أرى حتى هذا الموقف الذي كان فيه نظر مخصوص لهذه العلاقة الآن يتحلل، ودخلنا في مرحلة فيها كثير من السيولة وعدم الوضوح في العلاقة بين البلدية.الملف الآخر الذي يعتبر من الملفات المهمة في مسير ة العلاقة هو ملف حلايب خاصة بعد التصعيدات الأخيرة من قبل الحكومة المصرية وإدخالها للخدمات المهمة للمنطقة، وقابلت الحكومة السودانية هذا التصعيد عندما اعتمدت حلايب ضمن كشوفات الدوائر الانتخابية، هذا بجانب الملف الإقليمي تحديداً ما يدور في ليبيا واختلاف مصر والسودان حول هذا الملف.
زيارة الرئيس “البشير” إلى مصر قد تكون بغر ض إحداث تقارب بين القيادتين، لكن تنتظرها كثير من الملفات الشائكة والمسكوت عنها التي قد تخضع إلى تسويات وتنازلات داخلية بعيداً عن كاميرات الإعلام.