السلطة العجوز تراجع برنامج الرئيس الانتخابي (2-4)
بعد (25) عاماً من الحكم
تقرير- فاطمة مبارك
بعد خمسة وعشرين عاماً من عمر (الإنقاذ) كان ملفتاً أن يعلن المؤتمر الوطني أنه بصدد مراجعة برنامج الرئيس الانتخابي، ويكشف عن جولة للولايات لإعداد برنامج يحكي عن ما فعله الوالي أو الحكومة خلال فترة الحكم باسم (عين على السودان).. مصدر الدهشة أن هذه الخطوة تأتي بعد أن بلغت (الإنقاذ) سن الشباب، وخبر الشعب مواطن النجاح والفشل. مراقبون كثر عندما طالعوا هذا الخبر قالوا المحتاج إلى المراجعة هو سياسات الحكومة التي فشلت طيلة السنوات الماضية في ترسيخ مبادئ الشورى والديمقراطية وتحقيق سلام حقيقي ووفاق بين القوى السياسية، وإقرار برنامج اقتصادي يخرج البلاد من ضائقتها المعيشية، بينما سأل آخرون عن جدوى مراجعة هذا البرنامج الانتخابي بحجة أن الانتخابات أصلاً لا تقوم على برنامج، والمشاركون فيها أيضاً لا يختارون المرشح على أساس البرنامج المطروح.. دكتور “خالد التجاني” عدّ حديث الحكومة أو المعارضة عن البرنامج الانتخابي بمثابة ترف غير موجود في السياسة السودانية، وقال لـ(المجهر): (لا أدري ما هي المبررات التي تجعل المؤتمر الوطني يقدم نفسه لدورة جديدة ابتداءً)، ومضى يقارن بين أوضاع السودان في العام 2010م والآن، مذكراً الناس بأن السودان حينما أجريت الانتخابات في 2010م كان موحداً والآن أصبح دولتين، ووصف ما تم بأنه كان جريمة في حق الوطن تتطلب تنحي الحزب الحاكم عن السلطة، إذ لا يمكن أن تأتي بعد (25) عاماً لخرق ما بررت به الانقلاب، وأكد أن السودان الآن لم يكن أكثر استقراراً من ذي قبل، فالحرب في دارفور ما زالت مستعرة وأنتجت حرباً جديدة في كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق ما جعل نفس الأسباب التي أدت إلى انفصال الجنوب موجودة، وعلى مستوى الحريات الحكومة تآمرت مع الحركة الشعبية وأعدت قوانين خارقة للدستور في وقت تتحدث فيه الحكومة الآن عن أنها تريد إجراء الانتخابات حتى لا يحدث فراغ دستوري، مما يشير إلى أن الدستور يخرق عندما تحتاج الحكومة لذلك وتصر على الالتزام به عندما يكون الموضوع في صالح النظام، وعدّ سقف الحريات الآن أقل من ذي قبل، عازياً ذلك إلى ذهاب الحركة الشعبية التي قال إنها كانت قوة حقيقية مشاركة في الحكم، لكن الآن هناك مجموعة أحزاب لا صوت لها، وخلص إلى أن الحكومة تمضي في اتجاه إجراء انتخابات أحادية (ولا أرى أسباباً موضوعية تجعل المواطن يصوت لها).
دكتور “حمد الحاوي” فهم ما أعلنه الحزب حول نيته مراجعة برنامج الرئيس الانتخابي في سياق أن هناك انتقادات أصبحت تواجه الحزب وانشقاقات داخله دفعته لهذا الإعلان، حتى يقول إن لديه جديداً ويستطيع أن يبدع ويبتكر، وقال: (ليس بالضرورة أن يكون هناك جديد، لكن لابد أن يقول ذلك)، مضيفاً إن العبرة في التنفيذ.. ووفقاً لـ”الحاوي” كان ينبغي أن يطرح لنا الحزب رؤيته حول كيفية معالجة الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، بجانب تصوره لوقف الحروب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق بدلاً عن ذلك.
وبالرجوع إلى برنامج الرئيس “البشير” الانتخابي في العام 2010م على صعيد المحور السياسي، كان يتحدث عن بناء نظام سياسي ديمقراطي مستقر يتمتع فيه السودانيون بالحرية والحقوق الأساسية، بما يعزز الممارسة الراشدة والمسؤولية على أساس أن الدين وصالح الأعراف والتقاليد أساس الحكم الدستوري في السودان وأن المواطنة أساس الحقوق والواجبات دون تمييز لنوع أو فئة، استكمال مراحل السلام الشامل والدائم والالتزام بالاتفاقات والمواثيق الموقعة كافة، كفالة الحريات وتعزيز قيم الشورى والديمقراطية ورعاية حقوق الإنسان مع إرساء دعائم المؤسسية وترسيخ أسس الحكم الاتحادي، بالإضافة إلى توسيع المشاركة السياسية في صنع وتنفيذ القرار، وتعزيز الوحدة الوطنية واحترام خيارات مواطن جنوب السودان في الوحدة والانفصال.
وفي محور العلاقات الخارجية تضمن البرنامج خلق وتمتين علاقات قوية ومتوازنة مع المجتمع الدولي والإقليمي، وقيادة دور ريادي يعزز مكانة السودان الإقليمية والدولية كأبرز موجهات لعلاقات خارجية في المرحلة القادمة، وذلك من خلال بناء إستراتيجية للعلاقات الخارجية ورعاية حقوق السودان الخارجية، مع تطوير الشراكات الإقليمية والدولية وتطبيع العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خدمة لمصالح السودان، بجانب مناصرة المستضعفين من شعوب العالم، بالإضافة إلى تجسير وتدعيم الجوار السوداني والعلاقات العربية والأفريقية بما يحقق المصالح المتبادلة والخبرات، والاستثمار بين السودان وتلك الدول.
وكان البرنامج الانتخابي قد أفرد محوراً لدارفور يتضمن تشجيع العودة الطوعية بتوفير البيئة الملائمة والأمن، مع الالتزام بتنفيذ اتفاقية (أبوجا) والاتفاقيات الأخرى الموقعة لصالح قضية دارفور، والاستمرار في الحوار البناء والجاد مع الحركات المسلحة وصولاً لسلام واستقرار دائم، بجانب الاستمرار في سياسة التنمية وتطوير وترقية البنيات التحتية وإكمال طريق الإنقاذ الغربي، وتعزيز قيم التصالح والتسامح بين القبائل ورتق النسيج الاجتماعي، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات مع دول الجوار مما يحقق الأمن والاستقرار لدارفور.
وبالعودة إلى البرنامج السياسي للمؤتمر الوطني نجد أن هناك محاولات تمت في العام الماضي على مستوى الحزب، بدأت بتغيير الأشخاص والسياسات، تمثلت في وثيقة الإصلاح التي دفع بها المؤتمر الوطني، وحينها قال القيادي بالحزب الحاكم “قطبي المهدي” إن الوثيقة سيكون لها تأثير في اختيار الرئيس المقبل، وهذه الخطوة جاءت بعد التباينات التي برزت داخل التنظيم وأدت إلى ظهور مجموعات غاضبة على بعض سياسات الحزب من ناحية، وبعدها عن ما سموه مبادئ الحركة الإسلامية التي ضمنتها الثورة في بيانها الأول، مثلما كان الحال بالنسبة لمجموعة (السائحون) أو الذين قالوا رأيهم بصوت عالٍ في الإعلام حول أن الدستور لا يتيح للرئيس الترشح لدورة ثانية مثل دكتور “غازي صلاح الدين “ومجموعته التي اختارت الانفصال وتكوين حركة جديدة أطلقوا عليها (الإصلاح الآن).
الوثيقة على المستوى الداخلي يبدو أنها استجابت لجزء مهم من مطالب العضوية، وظهر ذلك عندما تراجعت بعض القيادات التي كانت محسوبة على “غازي” من فكرة الانضمام لحركته، وقالت إنها حركة إسلامية وليست مؤتمراً وطنياً وستنظر للحركة باعتبارها مسؤولة عن تغيير السياسات، وستستمر تناصح من داخلها.. وكان من بين هؤلاء العميد معاش “محمد إبراهيم عبد الجليل” المعروف بـ(ود إبراهيم).. ثم أعقبت هذه الوثيقة دعوة عامة للقوى السياسية والمسلحة والمدنية للدخول في حوار يفضي إلى وفاق سياسي في السودان، وكان الرئيس قد طرح وقتها أربعة قضايا عدّها محاور أساسية للحوار شملت السلام والهوية والاقتصاد (الضائقة المعيشية)، وكان هناك شبه إقرار بفشل الحزب الحاكم في تحقيق الوفاق المطلوب مع القوى السياسية، بجانب فشله في انتهاج سياسة اقتصادية تخرج البلاد من أزمتها، فضلاً عن موضوع الهوية الذي يشير إلى أن السلطة استصحبت معها في مراجعاتها موضوع انفصال الجنوب وما يدور في دارفور وجنوب كردفان باعتبار أن موضوع الهوية يحرك هذا الصراع.
ويبدو أن موضوع مراجعة برنامج الرئيس الانتخابي مرتبط بالحزب والتحولات الجديدة في الساحة أكثر من ارتباطه بشخص الرئيس القادم الذي سيحدده المؤتمر العام، لأن برنامج الرئيس العسكري قد يختلف من برنامج الرئيس المدني حال تم اختيار رئيس خارج المؤسسة العسكرية.. لكن دعونا نسأل: هل ستعود خطوة المراجعة هذه بفائدة على حزب السلطة العجوز؟!