رأي

بعد ومسافة

                 كرري تحدث عن رجالٍ كالأسود الضارية ..
مصطفى أبوالعزائم
    وكرري المعنية، هي ذاتُ كرري “ست الاسم” شمال مدينة أم درمان، حيث الجبل الأشم الذي شهد البطولة والرجولة والقوة والبسالة والفداء، ذات الجبل الذي شهد كيف تروي الدماء الطاهرة الأرض فداءً للدين والوطن صبيحة اليوم الثاني من سبتمبر عام 1898م، في مواجهة بين جيش الدولة المهدية والجيش الغازي الذي يقوده اللورد “كتشنر”، وثبت الرجال المقاتلون للموت فحصد منهم في ساعتين أكثر من ثمانية عشر ألف قتيل من خلال أفواه المدافع المكسيم التي استخدمها الجيش الغازي بكثافة في مواجهة تسليح بدائي إذ لم يحمل المقاتلون السودانيون سوى السيوف والرماح وقليل جداً من البنادق القديمة.
     مساء (الخميس) الماضي ندخل كرري ( زايرين ما غايرين) وندخل في سباق رهيب مع كُتلٍ ضخمة من الغبار المتحرك في السماء من الشرق إلى الغرب قبيل مغيب الشمس بوقتٍ قصير، فيسبقنا الغبار، بل وينزل بيننا يمشي في الطرقات ويسد علينا منافذ الضوء القليلة ونقف عند تقاطع شارع الأبراج مع شارع وادي سيدنا ينتظر بعضنا بعضاً حتى لا يتوه أحدنا عن بقية الركب، فقد اقترب موعد آذان المغرب وهناك من ينتظرنا من أهل كرري لنكون معهم لحظة الأذان وساعة الإفطار، وقد تقدمني الأخ الكريم وابن الأخ الكريم الأستاذ “محجوب أبو القاسم” من أمانة الشباب الاتحادية في المؤتمر الوطني واحد قادة المستقبل، والذي كان قد قدم لي الدعوة لمشاركتهم بعض نشاطات أمانتي الشباب الاتحادية والولاية في شهر رمضان المعظم، والمتمثلة في تهيئة ونظافة  المساجد بالخرطوم وبقية الولايات وصيانتها استعداداً لاستقبال الشهر الكريم، ثم مشروع (تآخت في الله أرواحنا) والذي يقوم على فكرة الإفطار مع الأسر المتعففة، وأسر الشهداء وعدد خمسة من القيادات في كل محلية بالولاية باستصحاب القيادات المركزية في تلك الإفطارات بحيث يحقق المشروع هدفاً عظيماً يتمثل في تلاحم القيادات مع القاعدة والوصول لها والاستماع لما يشغلها مباشرة دون وسيط، مع حث عضوية الشباب وتحريكها داخل الأحياء لإعداد إفطار الأسر المستهدفة بما يعكس روح التراحم والتلاحم بين كل أفراد المجتمع، ويتم استهداف خمس عشرة أسرة في كل محلية من محليات السودان العديدة، مع تقديم دعومات مالية رمزية لأسر الشهداء والأسر المتعففة، وتسيير قوافل دعوية للولايات طوال أيام الشهر المبارك.
     برنامج (الخميس) ذاك لا يُنْسى .. ليس بسبب ارتباطه بالغبار فحسب، وليس لأنه أول يوم بالنسبة لصاحبكم يفطر فيه خارج منزل الأسرة رغم اعتذارات كثيرة عن إفطارات خارجية لأسباب خاصة، لكنه سيظل يوماً لا يُنْسى لما ذكرت وأشرت من قبل إضافة إلى أنه كان فرصة قد لا تتكرر إلا في هذا الشهر المبارك لنلتقي بعدد من رموز محليتنا – كرري – ومنهم من لم نلتقِ منذ فترة بعيدة، وكان المستهدف بالزيارة الأخ الكريم والقائد الشعبي المتميز والقاضي الأهلي العادل الشيخ الأستاذ “محمد عبد الماجد عبد الرازق”، وهو نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني بمحلية كرري، وقد بلغنا منزله قبيل أذان المغرب بلحظات، فوجدنا العشرات في انتظارنا حتى ليحار المرء أيهم صاحب الدار، وكان من أمانة الشباب الاتحادية غير الأستاذ “محجوب أبو القاسم”، ممثل الأمانة الأستاذ “أحمد حامد” والأستاذ “عدنان فتح الرحمن” نائب أمين الشباب بولاية الخرطوم وعدد كبير من الأبناء من شباب محلية كرري، غير أهل الدار وأصدقاء المكرم الشيخ الأستاذ “محمد عبد الماجد”، الذي استحق التكريم بكل جدارة وكان هناك تمثيل لنواب الدائرة في المجلسين التشريعي والوطني وآخرين في مختلف المواقع مما أكسب التكريم بعداً شعبياً وأهلياً يعبِّر عن تقدير هذا المجتمع لأبنائه الذين لم يبخلوا عليه بجهد أو وقت أو مال أو علم ومعرفة .
   جزا الله شبابنا خيراً ومجتمعنا كله لأنهم  يعرفون جهود المخلصين ويعترفون بها ونسأل الله أن يوفق أبناءنا شباب اليوم قادة الوطن في مقبل أيامه، ونتمنى أن تتواصل مبادراتهم حتى نوقف نزيف الدم ونمنع الاحتراب بين أبناء الوطن الواحد الذي يقبلنا جميعنا بكل ألواننا وعناصرنا وإثنياتنا وأدياننا ومثل ما قال آباؤنا من قبل : ” البلد بلدنا ونحنا سيادها .. تشهد كرري والشكابة” وقد سجلت كرري البلد مغرب (الخميس) الماضي، شهادة جديدة بذلك ليلة تكريم الشيخ الأستاذ المجاهد “محمد عبد الماجد عبد الرازق” .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية