هل تطبق الإنقاذ منهج "السادات" في التنازلات الذكية؟
بقلم – عادل عبده
العقل السياسي الاحترافي في ظل التطورات الهائلة التي تحارب التعصب والشطط ويتعامل بالإحساس الأخلاقي الفخيم بمطلوبات السلام والعادلة الاجتماعية، صار يتقبل التنازلات الذكية على طاولة التفاوض بين الفريقين المتخاصمين دون أن يكون هنالك شعور بالضعف والخذلان من الطرف الذي يتراجع عن بعض أفكاره وتصوراته في سياق الوصول إلى صيغة تصالحية تكسر النرجسية والقوالب الجامدة.
وإذا كانت الرؤية التفاوضية أصلاً قائمة على الثوابت والمتحركات، فإن التنازل الذكي على الطاولة يكون دائماً على المتحركات، لأنها تمثل الحبل المطاط الذي يساعد على التفكير المنتج ويبعد الألغام ويفتح الطريق لإسدال الستار على الخصومات والقطيعة.
والتعصب الشديد على الطاولة يفضي إلى فشل التفاهمات والحوارات ويكرس الشقاق والحرائق على صعيد المجتمعات والشعوب. ومن هنا جاءت ركائز الانفتاح والمرونة من باب الانتقال إلى عالم التعافي والتصالح.
في أوج العصر الميلادي وجدت الكنيسة نفسها مجبرة على ترك محاولة فرض رؤيتها الدينية على الأفكار السياسية، حيث قدمت تنازلات دراماتيكية في ذلك العصر حتى تستطيع التعايش ضمن المجتمع الذي يقدر دورها في الجانب الروحي.
وأيضاً هنالك القصة الملحمية عن التنازلات الذكية التي تلوح في منهج الرئيس المصري الراحل “أنور السادات” خلال تفاوضه مع الجانب الإسرائيلي، فالشاهد أن هنالك واحدة من تلك المواقف الحية حول آخر المحادثات بين الجانبين المصري والإسرائيلي عن انسحاب الدولة العبرية الكامل من “سيناء”، فقد أصر “مناحيم بيغن” رئيس وزراء إسرائيل يومذاك على أن تكون قوة الدبابات المصرية بعد التحرير (80) دبابة، بينما تمسك المفاوض المصري بـ(380) دبابة، وهنا تعقدت الأمور وكادت المفاوضات أن تصل إلى طريق مسدود، حيث تدخل الرئيس الأمريكي الأسبق “كارتر” لإنقاذ الموقف، فقال للرئيس “السادات” على الهاتف بأنني سوف أتصل بالمستر “بيغن” وأطلب منه التراجع عن قراره، غير أن “السادات” فاجأ الرئيس “كارتر” بقبول مقترح “بيغن”، وهنا ذهل “كارتر” بذكاء “السادات” الذي أدرك بأن “بيغن” يريد نسف احتفاء المصريين بتحرير “سيناء”.
من وحي هذه الواقعة وصل “السادات” لهدفه الإستراتيجي عن طريق التنازل الذكي، فقد رجعت “سيناء” التي تساوي مساحة إسرائيل ثلاث مرات إلى حضن مصر!!، وفي المقابل يقوم منهج جماعة الإنقاذ في الحوارات السياسية مع الخصوم على التمترس وعدم التراجع عن أفكارهم.. هكذا كانت فلسفتهم على طاولة نيفاشا لولا تدخل القطبية الواحدة، وبذات المنوال تعاملوا مع اتفاق التراضي مع حزب (الأمة القومي)، وها هم الآن يرفضون (إعلان باريس) وينظرون بعين الريبة والهواجس إلى (اتفاق أديس أبابا)، وكم كان مدهشاً عندما اشترطوا تأييد الاتفاقية بعنصر المكان وتغيير الأسماء وتقسيم الطاولة، فالواضح أن (اتفاق أديس أبابا) عبارة عن مبادئ عامة تفتح الباب على مصراعيه حول معالجة جميع القضايا العالقة، فالأجدى للسلطة أن تتجاوز محطة التمسك بالأشياء الثانوية والولوج إلى جوهر القضية المركزية، فالتطرف عادة ينتهي إلى نتائج كارثية، والتنازلات الذكية في التفاوض من الدروس المستفادة في النجاحات التاريخية ما لم تلامس الثوابت.. ودائماً تلوح الندامة عندما تضيع الفرصة تلو الأخرى.. فهل تطبق الإنقاذ منهج الرئيس “السادات” في التنازلات الذكية؟
مهما يكن لا يمكن إيقاف محصلة (اتفاق أديس أبابا) بتلك الاشتراطات في ظل دوران الساعة المخيف.
حاشية:
أتوجه بالشكر والتقدير للأصدقاء والأحباب الذين زفوا التهنئة الخالصة لشخصي بمناسبة فوزي بجائزة أفضل مقال صحفي في إحتفائية مجلس الصحافة والمطبوعات لعام 2013م. فالصحفي دائماً بحاجة إلى جرعة تقدير ورافعة مودة، فقد وصلتني من الكثيرين على صعيد رموز وقيادات ودستوريي (الاتحادي الأصل) و(الاتحادي المسجل) ومعظم القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني رسائل وإشارات الامتنان والتقدير، ويطيب لي أن أتقدم بالتحية والتجلة لـ(مجلس الصحافة والمطبوعات) وشركة (زين) والوزير “أحمد بلال” صاحب الوجدان النظيف والزملاء بـ(المجهر السياسي) على رأسهم الأستاذ “الهندي عز الدين” والأستاذ “صلاح حبيب” والأستاذ “نجل الدين آدم” وبقية الكوكبة، وأيضاً الشكر لأصدقاء فطور الجمعة بمنزل الراحل المقيم “التيجاني محمد إبراهيم”، وكل من هاتفني وشدّ من أزري، إنني بهذا التكريم أقف على أرض ثابتة من خلال مذاق له طعم استثنائي.