(طوابير ) من نوع آخر ..
} ثقافة (الطابور) هي الحاكمة في المجتمعات الأوروبية.. الطابور في المدرسة، في المطاعم، الشوارع، المترو والمطارات، وحتى في عبور المشاة داخل الأحياء السكنية!
} ما يدهشني حقاً أن هؤلاء (الألمان) علّموا كلابهم هذا النظام، فالكلب تجده يمشي تابعاً سيده أو سيدته في خط مستقيم على مسار المشاة دون أدنى محاولة لاقتحام طريق السيارات أو الهجوم على ساق عابر وترويع آخر!!
} الأطفال هنا أيضاً يتحركون في (طابور سير) طبيعي ومنظم لا (لولوة) فيه ولا شغب ولا مسابقات باتجاهات مختلفة كما يفعل صغارنا، فيصرخ آباؤهم وأمهاتهم: (يا ولد.. تعال هنا.. يا بت زحي من العربات.. الكلب بعضيك.. يا…)!!
} كل شيء في مكانه هنا.. وكل فرد، كبيراً كان أم صغيراً، تربى بصرامة على نسق محدّد من السلوك الإنساني، لا خروج عنه.
} والرجل العجوز مر بجوارنا يتبعه كلبه، ثم ألقى برباط الكلب على الأرض تحت شجرة جوارنا دون أن يوثقه على جذعها، تركه حراً طليقاً ودخل مطعماً قبالة المكان. ولدهشتنا لم يغادر الكلب مكانه، ولم ينبح.. ظل هادئاً، مؤدباً إلى أن جاء صاحبه وواصلا المسيرة الظافرة المنتصرة!!
} وعندما يبلغ مواطن موظف (الكاونتر) في أي موقع خدمة، فإن الذي يليه يلتزم بالوقوف وراءه نحو (متر) لا يزاحمه، ولا يضايق الموظف أو (الكاشير) وإذا فعل فإن أحداً لن يجيبه، وسيرمقه الواقفون على الطابور بنظرة استنكار حادة كافية لتوبيخه وردعه عن هذا السلوك البربري!! وقد يلتزم البعض بذات النظام في مطارات عواصمنا العربية أو عند نوافذ الخدمات في “دبي” أو “البحرين” وأحياناً نادرة في “الخرطوم” وغيرها من بقاع الشرق الأوسط، ولكنك تشعر بالفرق بين (قشرية) الثقافة في دول (الاستلاب)، وتأصلها في أوروبا وصبر أهلها عليها.
} وقد انتشرت في السودان رياض الأطفال والمدارس الأجنبية أو ما تسمى (إنترناشونال)، ولكنها لم تستجلب من الغرب (حسناته) لتغرسها في نفوس وعقول أبنائنا وبناتنا، فاكتفت بتعليمهم (الإنجليزية)، وأهملت (العربية) والتربية (الدينية) تشبهاً بالغرب الملحد!!
} بينما لم تعلمهم أدب التعامل مع الآخرين، واستخدام الطريق والمحافظة على نظافة المكان الذي نعيش، أو ندرس، أو نلعب فيه. لم يتعلموا في المدارس (العالمية) أن رمي بقايا السندوتشات وقوارير المياه الغازية والأكياس الفارغة على قارعة الطريق جوار البيت أو المدرسة، دون وضعها في المكان المخصص للنفايات، هو سلوك مشين وغير حضاري يعاقب عليه القانون في بلاد الفرنجة.
} لم يلقنوهم كلمات وتعابير حضرية من شاكلة (لو سمحت، معذرة، سامحني..) لمخاطبة الآخر في مكان عام.
} لم يعلموهم إحسان التعامل مع الملك العام من الشارع إلى وسائل المواصلات، مواقع العمل والدراسة، المساجد، الحدائق وأماكن التسلية والترفيه.
} كيف تكون مدارس عالمية إذن.. فقط بإسقاط (العربي) و(الدين)؟!!
} نحتاج أن نأخذ من هؤلاء (الكفار) حسناتهم، ونترك لهم سيئاتهم.
} سبت أخضر من “برلين”.