الحكومة والجبهة الثورية… اتفاق المبادئ هل يجُبُّ ما قبله
قوى الإجماع ستجتمع عاجلاً لمناقشته
تقرير – فاطمة مبارك
اتفاق المبادئ العامة الذي وقع أول أمس بـ”أديس” بين آلية الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى بقيادة “ثابو أمبيكي” وممثلي لجنة (7+7) دكتور “غازي صلاح الدين” ووزير رئاسة مجلس الوزراء “أحمد سعد عمر” من جهة، ومع الآلية ورئيس الجبهة الثورية “مالك عقار” والسيد “الصادق المهدي” من جهة أخرى، أخضعه المراقبون إلى قراءات مختلفة فبعضهم اعتبره امتداد للحوار الوطني المطروح بالداخل، وقالوا إن الجبهة الثورية والحركات المسلحة جاءت إلى “أديس” بدعوة إقليمية ودولية لبحث مخرج للأزمة السودانية وفق ما تراه، خاصة بعد أن هوجمت عسكرياً خلال الشهور الماضية وعلى المستوى السياسي أصبحت الآلية تضم قوى سياسية، إلا أن هذه القوى المسلحة تريد طرح نفسها ككتلة واحدة وليس ككتل مجزأة تحمل أكثر من لافتة (كالجبهة الثورية ،وحركات دارفور إلخ)، لكن الحكومة وفقاً لحديث بعض المصادر مازالت ترغب في محاورة كل طرف حسب لافتته. وتوقع المصدر أن يستمر الحوار بين السلطة والمكونات المسلحة رغم أنه لم يخفِ خوفه من أن تتخذ الحكومة قراراً سالباً كما اعتاد الناس يهدم ما تم بناؤه. وفي السياق لم يستبعد كذلك أن تحدث تطورات في الأيام القادمة على خلفية أن المسلحين تقدموا بطلبات مشروعة وجدت الموافقة من قبل الحكومة. وأشار إلى أن عملية وقف إطلاق النار يمكن أن تكون ممكنة إذا اتفقت الأطراف، وكذلك إلغاء أحكام الإعدام الصادرة غيابياً بشأن بعض قيادات الجبهة الثورية في مقدمتهم رئيس الجبهة “مالك عقار” و”ياسر عرمان” بعد هذا الاتفاق. أما قضية المحكومين المسجونين والمدانين فاعتبرها محدثي من القضايا الشائكة إلا أنه ألمح إلى أن هناك نقاشاً حول إمكانية إطلاق (50%) منهم وإبقاء الآخرين حتى تكتمل عملية السلام.
الاتفاق الذي وقعه “غازي” و”أحمد سعد” بـ”أديس” بحسب رؤية المحللين لم يجب على بعض الأسئلة الجوهرية، في مقدمتها هل يجُبُّ هذا الاتفاق ما قبله من اتفاقات تمت بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال، طالما أن هناك مبادئ اتفاق وقعت مع الجبهة الثورية التي يعتبر قطاع الشمال جزءاً أساسياً فيها. وفي حال قررت الحكومة استمرار التفاوض مع قطاع الشمال عبر طاولته القديمة كيف سيعامل الاتفاق الجديد. الأمر الثاني الحكومة على لسان أمين أمانة الإعلام بالحزب وزير الدولة بالإعلام “ياسر يوسف” وصفت ما تم بالأمس بـ”أديس” بالمهم، في نفس الوقت أكدت عدم اعترافها بالجبهة الثورية، فهل هذا يعني تحسب الحكومة للنكوص عن أي تطورات لا تؤيدها خاصة أن محدثها قال أمس(السبت) سندرس ما تم التوقيع عليه داخل الحزب ومع الشركاء لنرى كم هو منسجم مع خارطة الطريق وكيف يمكننا ردم الهوة بين ما تم التوقيع عليه في “أديس” وخارطة الطريق التي تعتبر الأساس في إدارة الحوار بيننا والقوى السياسية. وليس مستبعداً أن يكون مقصوداً بالهوة إيجاد مخرج لمسألة الاتفاق الذي تم مع الجبهة والثورية، وهذا ما كان تسعى له قياداتها حتى تستطيع جمع كل الحركات المسلحة في طاولة واحدة لمناقشة القضايا بصورة قومية، وليس قضيتي المنطقتين فقط (جبال النوبة والنيل الأزرق( مثلما كان يريد قطاع الشمال وظلت ترفضه الحكومة. والسؤال هل هناك مخرج لهذه النقطة المختلف عليها أصلاً بين الحكومة وقطاع الشمال، لكن المدهش أن الصحف نقلت حديثاً لبروفيسور “غندور” مساعد رئيس الجمهورية أقسم فيه عن أن ما تم التوقيع عليه بـ”أديس” لم يخرج عن خارطة الطريق، ولا ندري إن كان هناك تضارباً في التصريحات أم اجتهادات شخصية .
على صعيد حزب الأمة توقع كذلك مقربون من طاولة الحوار أن يعود الحزب للطاولة على ضوء ما تم داخلياً على المستوى السياسي من قبل الحزب الحاكم. وقطع الطريق أمام تحركات “الصادق المهدي” الدبلوماسية تمثل في إغلاق الخرطوم لمراكز الإيرانيين الثقافية، والإعلان عن زيارة “البشير” قريباً للقاهرة، ما يعني أن النظام عمل على مساومة بعض القضايا مع مصر والسعودية وصعب من مهمة الإمام الدبلوماسية التي كان يراهن عليها، ولهذا السبب قيل إن الأيام القادمة قد تشهد الساحة عودة لحزب الأمة (القومي) لطاولة الحوار، وأن الفريق “صديق” الذي عرف بعلاقته المتميزة بالنظام سيعلن تلك العودة مع بعض الشروط تحفظ وجه ماء حزبه .
على مستوى القوى السياسية في أول تعليق على اتفاق المبادئ العامة الذي وقع بـ”أديس” أول أمس قال عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي “صديق يوسف”، إنه كان ينوي الوصول إلى هذا الحوار لكن منع من السفر بواسطة الأجهزة المعنية. وكشف “صديق” لـ(المجهر) عن أن حزبه قرر إيفاده يوم (الخميس) الماضي لطرح وجهة نظر الحزب الشيوعي حول الحوار الوطني للجبهة الثورية، والتحاور حولها ولوضع رؤية حزبه مع رؤية الجبهة الثورية. وأكد أنهم كقوى تمثل التجمع المعارض سيجتمعون لمناقشة هذا الاتفاق الذي تم بأديس بين الجبهة الثورية “أمبيكي” من جهة، وبين “أمبيكي” ولجنة (7+7). وبدا واضحاً أن الحزب الشيوعي وجد نفسه وحيداً لذلك قرر اللحاق بالجبهة الثورية للوصول معها لرؤية مشتركة، والحكومة تعلم ذلك ولهذا السبب منعت موفد الحزب في إطار التكتيكات السياسية حتى تكرس لعزلة الشيوعي، فيما اعتبر القيادي بحزب البعث رئيس لجنة الإعلام في قوى التحالف “محمد ضياء الدين”، أن اتفاق المبادئ تجاهل ما اجتمعت عليه القوى السياسية حول الحوار الوطني ومطلوباته، خاصة فيما يتعلق بمستهدفات ونتائج الحوار. وأشار إلى أن ما تم بأديس يؤسس إلى بداية جديدة من الصفر ويمثل مبادرة تتجاوز مبادرات الحزب الحاكم المتعثرة. وقال من واقع ما حدث فإن مبادرة الحزب الحاكم لم تعد غير طرف من الأطراف ومشروع من المشاريع التي تعمل الوساطة الأفريقية لبلورتها في مبادرة جديدة للحوار الوطني، تنقله من إطار الوطنية إلى إطار المبادرة الإقليمية المدعومة دولياً ويلعب “أمبيكي” دور الوسيط الذي يحدد الأجندة والأطراف المشاركة والمنبر وضبط مخرجات الحوار، داعماً هذا القول بتصريح الأمين العام للأمم المتحدة الذي قال فيه (المجتمع الدولي لن يسمح بالتراجع أو عرقلة المسار الجديد.) وأعلن “ضياء” أن قوى الإجماع الوطني ستعقد اجتماعاً عاجلاً لمناقشة التطورات الجارية حول قضية الحوار بالداخل، ويبدو أن الحكومة تحسبت لموضوع الحوار الخارجي وما يشير لذلك حديث “غندور” أمس بالنيل الأزرق، حينما قال إن الحكومة ماضية في الحوار الوطني ولا بديل للخرطوم لانعقاده.
يذكر أن عضوية الجبهة الثورية و”الصادق المهدي” أتوا إلى “أديس” الأسبوع الماضي بدعوة من الوساطة والتقوا “أمبيكي” والمبعوث الأمريكي بغرض طرح رؤيتهم للحوار الوطني، والمجتمع الإقليمي والدولي قد يكون جاداً في تسوية قضايا السودان لكن على طريقته، لكن يبقى السؤال هل ستقبل الحكومة بالجبهة الثورية ككتلة واحدة مقابل التخلي عن التفاوض مع قطاع الشمال حول المنطقتين، أم ستقنع الوساطة الأفريقية قطاع الشمال برؤية الحكومة.