قهر الحرب
رغم الموت وأزيز الرصاص والنزوح والآلام التي تسكن النفوس قبل الأجساد.. يبقى الإنسان كادحاً في سبيل البقاء والحرية والحفاظ على النوع.. ورغم بشاعة الحرب في جبال النوبة وآثارها على إنسانها الذي كتب عليه الشقاء والعنت.. إلا أنَّ كادقلي لا تزال تتمسك بالأمل في البقاء.. تغنى في الأمسيات الخريفية بلسان “زيدان إبراهيم” (لو أحب عمري كله برضو شاعر ما كفاني).. وتشجع أسود الجبال رغم ما تعرضت له من إهمال ونزيف دماء بانتقال جيل كامل من اللاعبين لأندية أخرى من “وليد” “نيمار” الهلال إلى “مرتضى كبير” المريخ و”يوسف مكاني” الموردة.. و”حمزة آدم” مريخ الفاشر.. و”أحمد أبكر” المريخ العاصمي وآخرين لكن الأسود لم تستسلم بعد.. وفي الأمسيات تفيض أستديوهات التصوير بالعرسان من أحياء المدينة التي يقاوم سكانها التهجير القسري الذي فرض عليهم بسبب الحرب.. شباب وشابات يخرجون في الأمسيات لحدائق (حبيبي مفلس) يقاومون إحباطات الواقع بالأماني القادمة.. وطلاب وطالبات المدارس يخرجون في الصباحات الندية لرسم خطى المسقبل (اللسة سنينو بعاد)!!
وقدامى المحاربين الذين بفضلهم بقيت كادقلي صامدة حتى اليوم يواجهون موقفاً مريباً بعد أن كرمهم رئيس الجمهورية بجرارات زراعية تقديراً لعطائهم ومجاهداتهم من أجل السودان.. ولكنهم تفاجأوا بالبنك الزراعي يطالبهم بسداد أقساط الجرارات الزراعية التي ظلت لعام كامل تستخدم كآليات عسكرية لصد التمرد عن المنطقة، فأين لهم بالمال لسداد أقساط اكتشفوها لاحقاً وذهبت تعهدات والي الخرطوم ووزير الداخلية بحل القضية أدراج رياح الصيف!!
وسط العتمة والظلام تلوح بوارق الضوء في آخر النفق. على صعيد الزراعة ثمة تجارب جديرة بالوقوف عندها.. وحينما استدعى والي جنوب كردفان الدكتور “سعيد حبيب الله” وهو برلماني سابق ولكنه عالم زراعي يحاضر في كبرى الجامعات السعودية وأسندت إليه مهام المدير العام لوزارة الزراعة الولائية استنكر البعض قبوله بمنصب أقل من خبراته وإمكانياته.. ولكن للدكتور “سعيد حبيب الله” قضية ارتضى من أجلها العودة لكادقلي لتطبيق حزم تقنية لتطوير الزراعة والاستفادة من مدخلات الزراعة التي (وفرها) مشروع النهضة الزراعية.. وجدنا في محلية القوز تجارب حديثة في الحرث العميق بالأراضي (القردود) وتسريب الأرض وتطبيق تقنيات مشروعات حصاد المياه.. جاء الدكتور “سعيد” بشباب من خريجي كليات الزراعة مثل “عبد القادر سعيد يس” و”محمد المجذوب” و”مطر فرح” هؤلاء تجدهم في الحقول وسط المزارعين يرشدونهم لطرق الزراعة الحديثة واستخدام المبيدات والتقاوى المحسنة والحرث العميق في المناطق الرملية والقردود.. وذلك من أجل الارتقاء بالإنتاج رأسياً بعد أن ظل السياسيون يباهون دوماً بالمساحات المزروعة في كل عام بآلاف الأفدنة.. غير أنَّ عالماً مثل الدكتور “سعيد حبيب الله” يسعى لتطوير الزراعة في جنوب كردفان المنكوبة بالحرب.. وبذات القدر فإنَّ قطاع الثروة الحيوانية يشهد اهتماماً غير مسبوق من وزير مثابر على أداء واجبه جاء من قلب الحركة الشعبية “عمر شيخ الدين” ولكنه أثبت كفاءة وقدرة على العطاء حتى بات في مرتبة الوزير الأول بالولاية بشهادة الوالي “آدم الفكي” إذا كان مخطط إعادة إشعال الحرب يهدف لضرب الزراعة والرعي والتعليم ووقف أي نبض في الحياة، فإنَّ هناك عزائم لرجال يعملون في صمت من أجل قهر الحرب بالتنمية والعطاء، وهناك إنسان يقاوم اليأس والإحباط بالتمسك بأسباب الحياة!!