محليات نائمة..!!
تابعت بالأمس وعبر إحدى الإذاعات السودانية المنتشرة مؤخراً برنامجاً كان غالب ضيوفه – كالعادة – هم المستمعون عبر الهاتف، ودارت معظم الأحاديث والشكاوى والتضجرات حول الخريف وآثاره، وغياب المحليات التام عن فعل شيء قبل الموسم المعروف في خارطة الطقس.. والحق أن المواطنين تحدثوا بالأرقام وبتفاصيل مدهشة وأدانوا بالكامل المحليات وحبسوها في حبس الإهمال والتسيب. تحدث مواطن من سوق ليبيا، وأعتقد أنه تاجر من تجار السوق الشهير، قال إن بالسوق حوالي ستة آلاف محل أو أكثر تدفع كلها أو أغلبها العوائد سنوياً ولا تعود من الدفعية درجة من التحسين على طرقات السوق بعمل وفائدة، وإنهم في موسم الأمطار يعلقون بين الطين والمياه الراكدة.
وتحدث آخر عن منطقة (الكلالكة) فأورد حكايات أليمة.. وتداخل ثالث من (شرق النيل) فأطلق رصاصة الرحمة.. ومما سمعت ومما ألمس كمواطن أن المستوى المسمى في الحكم (المحليات) إنما هي سلطات يبدو أنها تعمل بلا هادٍ من خطط وبرامج، ويشعر المرء أنها مجرد جهاز للتحصيل والجبايات، فعلى مستوى الخدمات لا توجد لها نجاحات تورد وعلى مستوى النشاط السياسى فالمحصلة صفر وعلى مستوى الأمن فالمسألة (صفرين)!!
الحقيقة أن الاستقرار النسبي في الأمن بفضل جهود الشرطة وكثافة انتشارها إنما يحدث بالجهود المركزية والولائية لقياداتها العسكرية، ولأن مؤسسة الشرطة أصلاً كيان منظم منتظم، وليس لأن المحليات شريكة في الاستقرار الأمني في أسفل الهرم الإداري بالدولة، مستوى الحكم المحلي وجهاز المحليات التنفيذي من المهم للغاية أن يكون جهازاً تنفيذياً خالصاً وصارماً ونشطاً وفعالاً، لكنه كذلك يجب أن يكون مفيداً وليس عالة ومستدراً للعنات، لأنه الأقرب للقواعد، ولأنه المحطة الأولى لخدمة المواطنين الذين يتعاملون مع الجزء الظاهر والمباشر لهم من السلطة واسمه (المحلية) فإن صلحت صلح الأمر بين من هم في مقام أعلى.
إن واحدة من أخطر الثغرات التي ستؤتى منها البلاد وستدق عنقها الجسم المسمى (المحليات) المتروكة مثل (العمل الرديء) لا يسألها أحد ما تفعل وما تصنع.. جيوش جرارة من الموظفين والمتحصلين والقرارات العشوائية والظهور فقط في الأسواق لتحصيل المخالفات، وبعدها يختفي جهاز الدولة المسمى المحليات إلى حين (كشة) أخرى وحملة دفع جديدة، وهذا المستوى من الحكم لا يعرف شيئاً من المنجز إلا القليل، لكنه يعرف أكثر من هذا إشاعة الاستياء بين الناس.. هذا بخلاف حالة الترهل التي تجعل منه عبئاً ثقيلاً على ميزانيات الولايات بالصرف على جيوش من الموظفين والشغيلة الذين وظيفة بعضهم المطاردة!
حديثنا ليس تجنياً، أو تحاملاً غير مبرر، ولكنها وقائع تؤكدها وتعززها شواهد في كل صباح ويوم وكل موسم حين يضطر الولاة في أزمات السيول والأمطار والمصاب للنزول بأنفسهم والأشراف على الأمور، لأن المحليات (نائمة).. واللهم لا عيش إلا عيش الآخرة.