حوارات

الصادق الهادى المهدى فى حوار متعدد الجوانب مع (المجهر)

حوار – أمل أبو القاسم
الدكتور “الصادق الهادي المهدي” إلى جانب كونه استشاري أمراض القلب والباطنية، ونطاساً بارعاً في مجاله، فقد شغل حتى العام 2006م كرسي وزارة الصحة الولائية، كما عمل مستشاراً لرئيس الجمهورية، وقبل كل ذلك هو سليل أسرة “المهدي” المعطونة والمسكونة بالتاريخ، فلا غرو أن يتشبع الرجل بالسياسة حد ترأسه لكيان سياسي بتكوين حزب (القيادة الجماعية) المنشق عن حزب الأمة القومي.. أيضاً هو رياضي مطبوع فقد احترف كرة القدم فترة من الزمان، وأديب قام بجمع مؤلف وثق لتاريخ المهدية وحروب والده في الجزيرة أبا. لذا كانت جلستنا معه عبارة عن هجين من المحاور التي لم تتقيد بزمن أو حدث بعينه، غصنا من خلال حوارنا معه في تاريخ الأسرة وملابسات ظروف وفاة والده.. خلافه مع السيد “الصادق” والنزاع حول الإمامة.. وقمنا بتوجيه عدستنا، ودققنا معه في القلب وأمراضه والأحاديث الشعبية المتداولة حوله. ثم عرجنا على واقع الصحة بصورة عامة.. وغيره كثير مما قطفناه من بستانه فكانت هذه الدردشة..

{ حدثنا عن الأسباب الأساسية للخلاف بين “نميري” والإمام الهادي بعد ثورة مايو مباشرة.. ولماذا تصاعد الخلاف حد ضرب الجزيرة أبا عسكرياً بالطائرات والأسلحة الثقيلة؟
– أصل الخلاف أن “النميري” جاء واستولى على الحكم بواجهة شيوعية حمراء، ومعظم الوزراء كانوا حمر. والأمام “الهادي” بحكم إرثه التاريخي وتوجهه الإسلامي اشترط عليهم ضمن الاتفاق الذي نوقش بينهم، إزالة الواجهة الشيوعية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة الجيش إلى الثكنات وعودة الحياة النيابية. لكن عندما حدثت المواجهة وقرروا اعتقال الإمام وجهوا له قوة بقيادة العميد “أبو الدهب” تصحبه سرية مشاة ومدرعات وصلت الجزيرة أبا واصطدمت بالأنصار، وتقريباً وقعت في أسرهم.
{ كيف كان موقف “النميري” حيال ذلك؟
– “نميري” قابل “أبو الدهب” وعندما وقعت القوة لوح بمنديل أبيض فخرج إليه من الأنصار المرحوم “خالد محمد إبراهيم” وهو من القيادات، فقال له “أبو الدهب” جئنا نقابل الأمام “الهادي” وكان في معيته الرائد “عثمان أمين” وادعيا أنهم من الضباط الأحرار وهم في طريقهم إلى الجنوب، فحملهم شروطاً وأطلق سراحهم لأنه لا يرغب في إراقة الدماء.
{ ماذا حدث بعد؟
– كان ذلك يوم الخميس 26 مارس 1970م، لكن ما حدث هو أنهم ردوا عليه الجمعة 27 مارس بقصف مكثف بالطائرات.
{ كم كان عمرك وقتها.. وهل تتذكر الحدث؟
– كنت في التاسعة من عمري وإلى الآن أتذكر ذلك وتمر الأحداث أمامي كشريط سينمائي، بل نزعت إلى تأليف كتاب حشدت فيه كل ذلك التاريخ.
{ حسناً… ما تداعيات هذا القصف المكثف؟
– عندما اشتد الضرب لثلاثة أيام اجتمع الأنصار بالإمام الهادي وأخبروه أنهم لن يتركوا الجزيرة أبا إلا على أرواحهم، لكن وحقناً للدماء قالوا له اخرج أنت كيما يتسنى لنا تسليمها، وفي الطريق تم اغتياله في الحدود الأثيوبية بالقرب من الكرمك وقتل معه ملازمه “سيف الدين الناجي” وخاله “محمد أحمد مصطفى”.
{ لكن ثمة غموضاً وأحاديث متضاربة يتناولها البعض عن ظروف وفاة الأمام “الهادي”.. هلا تفضلت علينا بإزالة الغموض وكشف ملابسات الاغتيال؟
– الغموض واللبس وقع لأسباب كثيرة، من أهمها أن “نميري” أعلن استشهاد الأمام عبر المذياع دون تسليم ذويه جثمانه ودون أن يحدد موقع قبره.. ثانياً، روجت قيادات الجبهة الوطنية “الصادق المهدي”، “الشريف حسين” وجبهة النساء خبر وجود الأمام “الهادي” في أثيوبيا تشجيعاً لأنصاره للهجرة إليها لتكوين معارضة مسلحة خارجية كانت الذراع العسكرية للجبهة الوطنية، وعليه لم يعلنوا استشهاد الأمام وادعوا كذب الحكومة.
{ هل نجحت مآربهم.. وما الهدف الأساسي من وراء ذلك؟
– الهدف كان تكوين جيش ومن ثم تدريبه، ونقلوا المعسكرات من أثيوبيا إلى ليبيا وقاموا بالغزو المسلح في يوليو 1976م، ومن هنا جاء نعت “نميري” لهم ووصفهم بـ(المرتزقة)، وبالتالي كان هناك غموض.
{  أنت وأسرتك سبقتم الأمام “الهادي” إلى أم درمان وكتبت لكم النجاة؟
– نعم أنا وإخواني (عقاب كتلة)، وأصلاً الأمام “عبد الرحمن” (عقاب كتلة) بنجاته من مذبحة الشكابة.
{ قلت إن الأمام “الهادي” توفي في الحدود الأثيوبية.. كيف اهتديتم إلى قبره؟
– عندما ضرب الأمام “الهادي” أصيب بجرح فقط لكنه كان ينزف بشدة، وعندما علمت السلطات في الخرطوم أنه ما زال حياً أصدرت أوامرها للدمازين بتعقبه والقضاء عليه، وفي الأثناء كان مرافقو الإمام يحاولون إسعافه بأخذه من الكرمك نحو الدمازين، فالتقى الطرفان في منطقة تسمى (خور أب دوم) ووجدوا الإمام قد استشهد هو والملازم، فقط بقي منهم الخال فنفذوا فيه حكم الأعدام، وقاموا بدفن الأخيرين في مقبرة واحدة والأمام في مقبرة أخرى، ثم عمدوا إلى تسوية الأرض.
{ ثم ماذا؟
– ومن حكمته أن كانت هناك طفلة ترعى الغنم وهالها مشهد السيارات الذي لم يعتادوها في ذاك الخلاء (الصي)، فتسلقت شجرة وشاهدت مقتل الخال ودفن الإمام وملازمه، وبعد أن ركبوا سياراتهم مغادرين نزلت الطفلة وهرولت نحو القرية وأخبرت والدها وهو (شيخ الحلة) بأنها رأت جماعة يقتلون إخوانهم. وظل الأمر مجهولاً إلى أن سخر الله الأستاذ الراحل “الطيب محمد الطيب” بذهابه إلى تلك المنطقة لتصوير حلقات لبرنامجه (صور شعبية) في جبال الأنقسنا، وحكى له (شيخ الحلة) تفاصيل الحادثة، فاحتفظ بالمعلومة وبعد زوال مايو أدلى بمعلومات للجنة التحقيق في ود نوباوي.
{ طبعاً الخبر بالنسبة لكم كان نقطة تحول وتفاؤل عظيمة.. كيف كانت استجابتكم؟
– بعد معرفتنا بالمعلومات تحركنا من فورنا وسافرنا أول أيام الديمقراطية الثالثة في العام 1986م بطائرة هيلكوبتر واستطعنا تحديد (الحلة) وكان بصحبتنا المدعي لحكومة السودان “محمد سعيد بدر”، والمتحري مقدم “صلاح الأمين”، وشقيقي “نصر الدين الهادي المهدي”، و”الطيب محمد الطيب” والنائب العام “عبد المحمود الحاج صالح” وآخرون.. وبعد التحليل نقلنا الرفاة ودفنت في القبة مع الإمام.
{ هل صحيح أن الرئيس المخلوع “حسني مبارك” كان مشاركاً في الحرب على الجزيرة أبا شخصياً بصفته طيار حرب آنذاك؟
– “حسني مبارك” وسلاح الطيران المصري.. بعد نكسة 1967م، القوات المصرية نقلت سلاح الطيران التابع لها إلى وادي سيدنا، و”عبد الناصر” كان مؤيداً لانقلاب مايو ومنزعجاً لثورة الأنصار، واستشير “حسني مبارك” في ضرب الجزيرة بالطيران، والطيارون الروس قادوا الطائرات الـ(ميج 21) بعد الضرب الخارجي (كدا ضربتها دولة عظمى)، وكذلك القذافي، لكن “حسني” هو من منحهم الاستشارة.
{ هل تحملون حقداً تجاه دولة مصر؟
– علاقات السودان بمصر أكبر من الأفراد، الحكام يذهبون ويأتون، ومصر والسودان شعب واحد.
{ معنى ذلك أن الجزيرة أبا استهدفت بتكتل ودعم خارجي؟
– معركة الجزيرة أبا لو وجدت الإعلام الحالي لانتبه لها العالم، والمجازر التي حدثت بها لا تقل عن ما يحدث الآن في غزة، فإذا كان عدد الشهداء بها خلال أسبوع واحد بلغ (1400) شهيد، فإن أبا استشهد فيها خلال ثلاثة أيام أكثر من (1000) شهيد.
{ إذن وبعد هذا التاريخ الحافل لـ(آل المهدي).. ما هي الأسباب الحقيقية للخلاف بينك وبين ابن عمك “الصادق المهدي” وانفصالك عن حزب الأمة القومي وتكوين حزب منفصل؟
– نحن خرجنا مع السيد “مبارك المهدي” لثورة الإصلاح والتجديد في يوليو 2002م لأننا كنا نفتكر أن قيادة حزب الأمة القومي تعاني من اضطراب في الرؤى السياسية، وأيضاً خلافات تنظيمية أخرى كعدم وجود الشورى والديمقراطية داخل الحزب، فضلاً عن أن أجهزة حزب الأمة شكلية لا تمارس ديمقراطية حقيقية، ونحن خرجنا في ثورة الإصلاح والتجديد لكن التجربة عاشت ما عاشت من الانقسامات.
{ ما أسباب هذه الانقسامات؟
– معظم أسبابها لنيل المكاسب الشخصية من خلال المشاركة في الحكومة، لذلك افتكر أن التجربة تحتاج إلى تقييم ودراسة موضوعية، لأن هناك إيجابيات وسلبيات من الصعب الحكم فيها بجرة قلم أو حوار صحفي.
{ هناك من يقول إن اشتراك حزبكم الجديد في حكومة المؤتمر الوطني الغرض منه الاستقواء به ضد حزب الأمة القومي ونكاية في الأمام “الصادق المهدي”؟
– لما؟ وهو ليس حزباً واحداً! بالعكس أنا أعتقد أن علاقة السيد “الصادق المهدي” مع المؤتمر الوطني قبل إعلان باريس كانت أقوى بكثير من علاقتنا به، وهناك أشياء ومدلولات تؤكد حديثي.
{ حسناً.. ما هو موقفك أو رأيك في إعلان باريس؟
– إعلان باريس وقبله تصريحات الدعم السريع، سببه التقارب بين “حسن الترابي” والمؤتمر الوطني وأفضى إلى نفور “الصادق المهدي” لحساسية المعلومة التاريخية.
{ والدك آخر إمام شهيد. الآن الإمامة متنازعة بين السيد “أحمد المهدي” و”الصادق”؟
– نميل إلى السيد “أحمد”، وقدمت مقترح تكوين مجلس إمامة يتكون من السيد “الصادق” و”ولي الدين الهادي” والسيد “أحمد المهدي”، على أن يرأسه الأخير ويكون هناك عدد مماثل من شيوخ الأنصار، لأن كليهما لن يتنازل للآخر.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية