تحقيقات

زوجات المغتربين .. العيش بين نارين!!

يغيب عنهن الأزواج عشرات السنين
سيدة: زوجي يفاخر بالمال والمنازل .. وأنا وأبنائي ندفع الثمن!!
خبيرة اجتماعية: السودانيون الشعب الوحيد الذي لا يحدد سقفاً للاغتراب!!
استشاري نفسي: الضغوط التي تتعرض لها الزوجة قد تسبب لها اضطرابات وقلقاً نفسياً
إمام مسجد: المرأة في خطر بسبب تغيير الأحوال وكثرة الشرور وأهل المعاصي
تحقيق – أسماء علي

“رقية” أم لثلاثة أطفال، أكبرهم في العاشرة من عمره.. وعندما هاجر زوجها كانت تحمل أصغرهم في أحشائها!!
قصة “رقية” – كالعشرات غيرها – بدأت عندما وافقت على هجرة زوجها لتحسين أوضاع الأسرة.. ثم بعد مضي عدد من الشهور انقطعت أخبار الزوج الذي كان يوافيهم بمستجدات بحثه عن الوظيفة.. ليترك زوجته في مهب الشكوك والهواجس: (هل أُحبط بسبب الفشل وقرر عدم العودة.. أم هرب من مسؤوليته وتركها تواجه العاصفة وحدها، أم جاءه قدر الله ورحل عن الدنيا)؟! وبعد أن طال الغياب تضجرت “رقية” من إحسان الأهل والجيران عليها هي وأطفالها، الذي بالكاد يكفي لإطعامهم، فقررت مواجهة الحياة، وما أقسى ذلك دون مؤهل تعليمي أو خبرات عملية، ومع ذلك توكلت على الله وبدأت المشوار.
حال “رقية ” يحكي حال الكثيرات من نساء السودان اللاتي يعانين من ويلات غياب الزوج أو الأب.. وتضاف إلى المعاناة حتى تلك الأسر التي يعود الأب فيها من الاغتراب إبان إجازته.ليقضي أياماً ثم يبدأ فاصلاً جديداً من الغياب.. ناسياً أن المال ليس كل شيء.. متجاهلاً بقية واجباته تجاه زوجته وأبنائه!!
(المجهر) جلست إلى بعض زوجات المهاجرين لتتعرف على معاناتهن عن قرب.. وخرجت بهذه الحصيلة:\

{ سعي وهرولة
(مهما أصف لكم حجم الأعباء التي تقع على عاتق زوجة المغترب فلن أوفيها حقها)، هكذا قالت “آمنة” ومضت متسائلة: إذا كانت الزوجة في وجود زوجها تعاني الأمرين، وتتكفل بكل احتياجات الأطفال والمنزل، فما بالكم بتلك التي غاب عنها زوجها.
واستطردت: صحيح أن المرأة أو الأم لها دورها في الحياة الزوجية، لكن في الآونة الأخيرة تفاقم هذا الدور لجملة أسباب منها سعي الرجل لتوفير لقمة العيش، سيما في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية، وهي ذات الأسباب التي دفعت بهم للهجرة خارج السودان وترك الجمل بما حمل للزوجة الأم والعاملة في آن، لذا فإن مسؤوليتها أصبحت جسيمة، وبدل أن تكتفي بالهرولة بين المدارس ومحلات الغاز والكهرباء والأسواق والبقالات، والهرولة خلف الأطفال في الشوارع، تقع عليها مسؤولية تقويمهم أخلاقياً، وما أعظمها من مسؤولية تحاسب بها لاحقاً أمام الزوج وأمام الله.
{ أين حقوقي؟!
وبلهجة مشوبة بالأسى تحدثت (س. ع) عن حياتها التي وصفتها بأنها بدون طعم رغم امتلاكها أفخم منزل وسيارة وأغلى أنواع المجوهرات، وطفقت تحكي قصتها بالقول: (تزوجت بطريقة تقليدية لا أشجع الفتيات عليها.. وهي أن يسعى أهل المغترب لتزويجه من فتاة بالسودان.. وبعد أن تمت مراسم الزواج – الذي كان حديث المنطقة – سافر زوجي بعد شهر واحد، ولم يعد إلا بعد بلوغ طفلي الأول عامه الأول، وقضى معنا أربعين يوماً ثم عاد أدراجه وغاب حتى أكمل طفلي (الثاني) عاماً ونصف العام.
وقالت (س): استمر هذا الحال حتى أنجبت خمسة أطفال، والآن بعد أكثر من (15) عاماً محصلة التقائي بزوجي لا تتجاوز السنتين!! فهل هذا عدل؟! هل اختزلت الحياة في جمع المال؟! وأين حقوقي كزوجة وقد حدد الشرع فترة الغياب؟! إن زوجي كل همه أن يجمع أكبر قدر من المال، ويمتلك أكبر عدد من المنازل والسيارات ليتفاخر بها أمام أهله وأصدقائه، وأنا وأطفالي ندفع ثمن هذه الأنانية!!
{ ضغوط وحرمان
الخبيرة الاجتماعية “ثريا إبراهيم” قالت: يفترض أن يكون الاغتراب آخر الخيارات بعد أن تتعسر الأسرة وتعدم ما تأكله، لأن بعد سفر الزوج تتحمل الزوجة مسؤولية مواجهة أعباء التربية والضغوط الاقتصادية، وتتمخض عن ذلك بعض السلبيات، مثل الحرمان الزوجي، وإذا لم تكن الزوجة ذات شخصية قوية فقد تصبح عرضة لأهواء الآخرين، وحتى إذا كانت قوية ومحترمة لا تسلم من المجتمع الذي يترصد كل سكناتها وحركاتها!!
وأضافت “ثريا”: كل ذلك بجانب الاضطرابات التي تحدث للأطفال بسبب بعد الوالد.. وعلى الزوجة التعامل معها بحكمة. ويجب أن يشكل الزوج حضوراً كل عام، وأن يتواصل مع الأسرة عبر الهاتف، وهذا لا يغنيهم عنه لكنه يهون عليهم الغياب قليلاً.
{ هجرة أم اغتراب؟!
وقالت الخبيرة الاجتماعية “ثريا إبراهيم”: إن الشعب السوداني هو الوحيد الذي لا يضع سقفاً للاغتراب، فكل شعوب العالم يحدد المغتربون فيها فترة معينة.. وغياب السودانيين قد يصل إلى خمسة والعشرين عاماً.. وهذه تسمى هجرة وليست اغتراباً، وفي حال اضطر الزوج لذلك فالأجدى أن يأخذ أهله معه.. فهذا يبعده عن الدخول في علاقات غير شرعية يفرزها الغياب الطويل، وعليه أن يوفق بين الأسرة والمال، وإذا لم تكن لديه القدرة على تحمل ذلك فالأفضل أن لا يتزوج لأن الزواج ترابط.
{ أرق وقلق
ويرى مدير (مستشفى عبد العال الإدريسي للأمراض النفسية) اللواء طبيب “عبد الغني الشيخ عبد الغني” أن الضغوط التي تتعرض لها الزوجة في غياب الزوج من ناحية اقتصادية وتربوية قد تسبب بعض الاضطرابات مثل الأرق والقلق النفسي وعدم القدرة على اتخاذ القرارات السليمة، ويعتمد ذلك على عدة عوامل أهمها قوة شخصية المرأة ودرجة تعليمها ومدى قدرتها على تحمل المسؤولية.
{ مدة الغياب
وعن المدة التي يمكن أن يغيبها الزوج عن أهل بيته في الشرع قال الشيخ “إبراهيم الصادق” (إمام مسجد): ليست للغياب مدة معلومة، ولم يحدد النبي عليه الصلاة والسلام غياب الرجل عن زوجته بمدة معلومة، وقد جاء عن عمر رضي الله عنه أنه حدد لبعض الجنود ستة أشهر، ثم يرجعون إلى نسائهم، وهذا من اجتهاده رضي الله عنه في ما يتعلق بالغزاة، فإذا غاب الرجل عن زوجته ستة أشهر في طلب الرزق، أو في طلب العلم، ثم رجع إليها وزارها ورجع إلى عمله، فهذا حسن إن شاء الله وفيه تأسٍّ بأمير المؤمنين رضي الله عنه وفيه عناية بالأهل.
واستدرك شيخ “إبراهيم” بقوله:لكن هذا لا يصلح في كل زمان، بل قد تكون الحاجة ماسة إلى أقل من هذه المدة، فالإنسان ينظر للأصلح ويتأمل، فقد تكون زوجته ليس عندها من يقوم بحالها، وقد يخشى عليها من الفتنة، فينبغي له ألا يغيب عنها ستة أشهر ولا خمسة أشهر، بل ينبغي له أن يلاحظها بين وقت وآخر، من شهر أو شهرين، أو نحو ذلك أو ينقلها معه إن استطاع.

{ تغير الزمان
وقال”إبراهيم”: إن الوقت تغير بتغير أهله، والمرأة في أغلب البلاد العربية في خطر بسبب تغير الأحوال، وكثرة الشرور وكثرة أهل المعاصي، والطامعين في النساء، إلا من رحم ربي، لذا ينبغي على المؤمن أن ينقل زوجته معه إذا غاب، أو فليقلل الغيبة، حتى يرجع إلى أهله ويتفقد أحوالهم، ويقضي وطره من أهله، ثم يرجع إلى حاجته التي يضطر إليها، والمقصود من هذا كله العناية بالأهل، والحرص على مراعاة أمورهم وشعورهم حتى لا تتخطفهم الشياطين، وحتى لا تقع الفتنة وتكون عاقبتها الطلاق والفرقة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية