تقارير

لقاء "المهدي" بـ (الجبهة الثورية) في "باريس" .. تكتيك أم وساطة؟!

الخرطوم ـ سيف جامع
في زيارة غير معلنة، تمت بتمويه كامل، حط إمام الأنصار “الصادق المهدي” رحاله في  العاصمة الفرنسية “باريس”، بعد أن أعلن مسبقاً أنه مغادر البلاد إلى “القاهرة”.. إذ سرعان ما عدل “المهدي” وجهة سفره ليصل نهار أمس الأول إلى مطار “شارل ديغول” الدولي ويجد قيادات من الجبهة الثورية في استقباله.
وتأتي الزيارة – التي أربكت الحسابات في الواقع السياسي الراهن – وسط تكتم ودون إعلان مسبق، حيث أكدت قيادات مقربة لـ “المهدي” عدم معرفتها بالزيارة.
“الصادق” عقد أمس (الخميس) بـ”باريس” أول اجتماع مع الجبهة الثورية بحضور “عقار” و”عرمان” و”التوم هجو” و”عبد الواحد نور” و”جبريل إبراهيم”.. في تطور تزامن مع إعلان الحكومة السودانية إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في أبريل المقبل.
وكان “المهدي” قد نفض يده مؤخراً من الحوار الذي دعا له الرئيس “البشير” في خطاب الوثبة الوطنية الشاملة، وتأزم موقفه مع الحكومة بحبسه الأخير في التهم الموجهة إليه من قبل جهاز الأمن والمخابرات الوطني.
زيارة “المهدي” إلى “باريس” لفتت انتباه معظم القوى السياسية والمؤتمر الوطني، وأظهرت صور لقاء “المهدي” بقيادات الجبهة الثورية واستقباله بالأحضان مدى الترحيب الذي وجده الإمام، رغم التباعد والاختلاف الكبير بين طرق تفكير الطرفين، إذ تعتمد الجبهة الثورية العمل المسلح لإسقاط النظام، فيما ظل “المهدي” متمسكاً بالسلمية كنهج في التغيير.
ولعل المتابع للراهن السياسي لم يلاحظ أي تقارب في الفترة الماضية بين حزب الأمة والجبهة الثورية، وسبق أن نفى الحزب أي تأييد له للأخيرة، واعتبر وجود القيادي “نصر الدين الهادي” بالجبهة الثورية يمثل شخصه، وليس الحزب. كما أن طريقة مغادرة “المهدي” – التي باغت بها الأوساط السياسية والحكومة – تنم عن عمل مرتب وخطط له مسبقاً، حيث لم يعلن إمام الأنصار قبل مغادرته البلاد أنه مسافر إلى فرنسا، وإنما إلى “القاهرة”. وقالت ابنته “مريم” إنه وصل “باريس” ضمن جولة أوربية تشمل عدة دول.
لقاء “باريس” ربما يشكل نقطة تحول كبيرة في خارطة السياسة السودانية، وربما تنعكس عليها مخرجاته التي ينظر إليها من هم بالداخل سواء المعارضة أو الحكومة، بقلق وترقب شديدين.
 والسؤال الذي ينتظر الإجابة: إلى أين سينتهي اللقاء؟! ومن أين سيبدأ الجانبان العمل في الفترة المقبلة.
الجبهة الثورية قالت إن الاجتماع مع “المهدي” يعتبر بداية لسلسلة لقاءات بين القوى السياسية والمدنية، لبلورة رؤية موحدة حول التغيير والحوار الوطني.
وأكد الأمين العام للحركة الشعبية “ياسر عرمان”، أن الاجتماع ليس له علاقة بأجندة العمل المسلح، ولكنه يهدف لحل سلمي شامل وتحول ديمقراطي في السودان. وأضاف: (نحن على صلة بقوى الإجماع الوطني ومنظمات النساء والشباب، وسنقدم رؤية موحدة للشعب السوداني والمجتمع الإقليمي والدولي).
ولفت “عرمان” إلى أن الوقت قد حان ليدرك المؤتمر الوطني أن الحوار الحقيقي يجب أن يؤدي إلى إنهاء الحرب كأولوية، وإحداث تحول ديمقراطي عبر ترتيبات انتقالية جديدة.
لكن زعيم حزب الأمة يرفض بشدة تغيير النظام وإسقاطه عن طريق العنف المسلح، ويتحدث عن إمكانية إيجاد طريق ثالث عبر ما يطلق عليه الجهاد المدني. وأعلن عزمه الاتصال بالحركات المسلحة وإقناعها بإمكانية الوصول إلى حل شامل عبر الحوار.
وتتشكك بعض القوى السياسية المعارضة في موقف “الصادق المهدي” ولقائه بالجبهة الثورية، حيث اعتبره البعض بداية لفاصل جديد من المراوغة، خاصة عقب إعلان الحكومة قيام الانتخابات في أبريل، مما يعني أن الحكومة أصبحت لا تعول كثيراً على مشاركة حزب الأمة (القومي) في الحوار الوطني، مع وجود المؤتمر (الشعبي) وعدد من الأحزاب في الحوار.
لقاء “الصادق” بالجبهة الثورية – حسب ما ذكرته مصادر داخل حزب الأمة – كان ينبغي أن يتم قبل (10) أشهر بيوغندا، لكن ظروف ما أدت إلى تأجيله، وقد بدأ الترتيب للقاء في سرية تامة بواسطة  نائب رئيس حزب الأمة (القومي) “محمد عبد الله الدومة”، وراج حديث غير مؤكد أن السلطات بمطار الخرطوم احتجزت جواز السفر الخاص به أثناء استعداده للمغادرة إلى “باريس” عبر “أبو ظبي”.
ويقول القيادي بالمؤتمر الوطني د. “ربيع عبد العاطي”: إن لقاء “المهدي” بالجبهة الثورية إذا كان يريد به خيراً للوطن ولأجل التداول السلمي للسلطة نرحب به، أما إذا كان غير ذلك فهو غير مرحب به. ورأى “ربيع” أن “الصادق” إذا اتفق بالفعل مع الجبهة الثورية في نهجها المسلح، فإنه بذلك يكون قد عدل من سياساته وأدواته.
وأكد “ربيع” أن المؤتمر الوطني لا يخشى من لقاء “باريس”، مشيراً إلى أنهم لا يخشون إلا من الله، منوهاً إلى أن مسيرة الحوار الوطني لا يقف ضدها إلا الخاسرون. وقال “ربيع” إن “المهدي” ما زال مع الحوار الوطني.
وقدم “المهدي” – في أول اجتماع مع الجبهة الثورية أمس في فرنسا – ما أطلق عليه (ميثاق التنوع المتحد)، وأشار إلى أن النظام الحاكم في السودان فشل في كل ملفات العمل العام الوطني، لذلك صممت القوى الوطنية على العمل من أجل نظام جديد على أساس الميثاق المتحد. ونص الميثاق على اعتراف اتحاد القوى الوطنية الديمقراطية بالجبهة الثورية السودانية شريكاً ندياً لها، لإبرام اتفاقية سلام عادل شامل يحقق مشاركة الكافة في بناء المصير الوطني، ويحقق لمكونات الجبهة الثورية حقوقها في السلطة والثروة والمساواة في المواطنة.. وأن  تقوم الهوية السودانية على أساس أن السودانيين شعب أغلبية أهله مسلمون، يشاركهم في المواطنة مسيحيون وأتباع ديانات أفريقية تقليدية.. وفيه تنوع ثقافي وإثني كبير يضم عرباً وزنوجاً ونوبة.. ولغة الخطاب العام فيه عربية تعايشها لغات الثقافات والإثنيات المذكورة.. ويكفل للمجموعات الدينية والثقافية كافة الحقوق في حرية العقيدة والعبادة، والحقوق الثقافية ومنها حرية التعبير عن ثقافاتهم ولغاتهم وتواريخهم، وأن تعكس المناهج التعليمية ووسائط الإعلام القومية هذا التنوع بعدالة واتزان.
وفي أمر الدين والدولة اقترح الميثاق أن يكفل للمسلمين حق تحقيق مقاصد الإسلام، كما يكفل لكافة المجموعات الدينية الأخرى الحق في تطبيق مقاصد أديانهم، على أن يراعي الجميع حقوق المساواة في المواطنة، وأن يلتزموا بالعمل بالوسائل السلمية.
ونادى “الصادق المهدي” فى الوثيقة بالتزام نظام حكم فيدرالي ديمقراطي يكفل حقوق الإنسان والحرية والعدالة والمساواة والكرامة والسلام، بديمقراطية ملتزمة بالتوازن تصحبها مشاركة عادلة لكل مكونات الشعب السوداني في السلطة المركزية، وتكفل لها حقوق جهوية فيدرالية حقيقية تمكن أبناء الأقاليم من حكم أنفسهم ديمقراطياً.
ونصت الوثيقة على نظام اقتصادي للبلاد يوجهه مبدآن: الأول نظام السوق الحر الاجتماعي، أي الذي ينشد الحرية الاقتصادية المرتبطة بأهداف عدالة اجتماعية. والثاني الالتزام ببرنامج تمييز إيجابي يحقق التوازن والعدالة، وذلك لأن التنمية وتوزيع الخدمات الاجتماعية في السودان قاما على نهج غير متوازن.
كما أوصى بإعادة هيكلة مؤسسات الدولة النظامية والمدنية لإعادة قوميتها وخضوعها لمبادئ الديمقراطية التعددية، والمساواة في المواطنة التي تقتضي التمييز الإيجابي لتحقيق العدالة النوعية والجهوية واﻻثنية.
وقال “المهدي”: نلتزم بتكوين مفوضية قومية مؤهلة وذات يد طويلة لكشف الفساد، واسترداد أموال الشعب واستئصال الفساد وقفل دروبه.. والالتزام بعدم الإفلات من العقوبة.. وإذا تجاوب النظام مع خريطة الطريق لبناء الوطن نلتزم بعدالة انتقالية للحقيقة والإنصاف.. وإذا تعنت النظام حتى تسقطه الانتفاضة الشعبية، يسلم المطلوبون للعدالة.. والالتزام بتصحيح خلل التوازنات في علاقات السودان الإقليمية الأفريقية والعربية والإسلامية، باتباع سياسة دولية تخدم مصالح البلاد الوطنية بلا عداء ولا تبعية.
 وقال “الصادق المهدي”: (هذه المبادئ التى جاءت في الوثيقة تكون موجهة لحكومة قومية انتقالية تدير الشأن الوطني، إلى حين الاتفاق على دستور ثابت يجسد تلك المبادئ ويتفق على تفاصيله وطريقة إجازته عبر مؤتمر قومي دستوري.. والهدف الأساسي هو نظام جديد يحقق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي.. والقوى الوطنية المسلحة تحتفظ بإمكاناتها ومواقعها إلى حين إبرام الاتفاق بموجب هذا الميثاق، وتكون مع القوى السياسية والمدنية الأخرى آلية سياسية للتحالف من أجل الأهداف المشتركة، وتتفق كل القوى السياسية والمدنية والشخصيات القومية على هذا الميثاق كرافع مطلوب للخلاص الوطني، ويمكن أن تسمى (تجمع بناء الوطن) وتحشد كل القوى السياسية والمدنية لانتفاضة شعبية).
وأورد “المهدي” في الوثيقة أن الحوار مع نظام الحكم السوداني من أجل إقامة النظام الجديد المنشود من وسائل النضال، لكنه رجع وقال: إن الحوار الوطني في حضن النظام لا يجدي، مشيراً إلى أن استحقاقات الحوار الوطني المجدي هى أن يكون في مناخ يكفل الحريات العامة لأطرافه، وهذا لا يتوافر في حضن نظام يخالف نصوص دستوره ويخالف دستوره، بالحرص على استمرار قوانين مخالفة للباب الثاني من الدستور، وأن يكون منبر الحوار برئاسة غير حزبية، وأن تتوافر ضمانات قومية، وإقليمية، ودولية لتحقيق ما يتفق عليه لبناء الوطن، منوهاً إلى أنه بدون هذه الاستحقاقات فإن الحوار الوطني سيكون عقيماً.
من ناحيته اعتبر نائب رئيس حزب الأمة (القومي) “فضل الله برمة ناصر” لقاء “المهدي” بالجبهة الثورية في “باريس”، خطوة غير مسبوقة، وينبغي أن تجد التأييد من كافة القوى السياسية توطئة للوصول إلى السلام والوفاق مع حملة السلاح. وأكد أن حزب الأمة ظل يدعو إلى التراضي وتهيئة المناخ، مشيراً إلى أنه يجب الجلوس مع الحركات المسلحة ومراعاة الحل السياسي السلمي. وقال “برمة” إنهم في الحزب يباركون اللقاء ويتوقعون أن يكون خطوة إيجابية. وشدد على ضرورة إيجاد محور متوازن للسلام مع الحوار الوطني. وطالب نائب رئيس حزب الأمة (القومي) بتأييد خطوة “المهدي”، مشيراً إلى أن الناس سئمت الحرب والقتال.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية