تحقيقات

قصة (ضرتين) صديقتين.. تناصفتا الزوج والأمومة بالعدل

عندما هاتفناها لتحديد موعد استمهلتنا ريثما تحضر أختها، أو كما قالت: (نحن جاهزين واستأذنا زوجنا بس انتظري لحدي ما أختي تجي من شندي).. أتدرون من هي هذه الأخت؟؟!! إنها (ضرتها) كما تقول عاميتنا، أي الزوجة الثانية، لكن حميمية العلاقة التي جمعت بينهما ولفتت انتباه جميع من يتعرف إليهما عن قرب دفعت بـ(المجهر) للتقصي حول هذه العلاقة سيما أنها من المفترض بين (عدوتين) أو (متسابقتين) تجريان في ماراثون الحياة الزوجية لتحقيق قصب السبق والفوز بقلب الزوج والاستحواذ عليه. لكن النتيجة ألقمتنا حجراً وأسقط في يدنا مما وقفنا عليه.
} بركة ساكنة
التؤدة التي تسير بها وتيرة حياة “مريم” و”بدرية” زوجتي المخرج الإذاعي المعروف “صلاح الدين حواية الله” مثيرة للدهشة كون أن البيوت حتى ولو لم تك بها (ضرات) لا تخلو من كدر، لكن صفو هذا المنزل الدافئ لم يستوقفنا وحدنا بل حتى صاحب المنزل شكا مداعباً أنه محروم من التنافس عليه من كليهما.
(المجهر) عبثاً حاولت أن تلقي بحجر تحرك به ساكن بركة هاتين السيدتين وتحريض واستفزاز مشاعرهما ومكنوناتهما، لكنها ارتدت على عقبيها مما سمعت منهما بقيادة ربانهما.
عن بداية هذا الجمع والتآلف المحفوف بالأبناء والحميمية المفرطة التي تسود بيت الأستاذ “صلاح الدين حواية الله” الذي ساهم فيها بحد كبير حسبما حكت زوجتيه، وحديثه وهو يعود بنا القهقرى إلى ما قبل الزواج وكيف التقى كليهما وملابسات الزيجة الثانية، وما حدث بينهما وامتداد العلاقة إلى الآن.
} قصة الزيجة الأولى
قال “حواية الله”: (زوجتي الأولى مريم التقيتها في رابطة أصدقاء المكفوفين في الثمانينيات، وكانت ضمن اللجنة وتعمل في كلية المعلمات وأنا بالإذاعة، وعن طريق صديقتها تعارفنا كأصدقاء بعيداً عن فكرة الزواج وبمرور الوقت ائتلفنا وتم زواجنا في يناير 1986م.. أقمنا في الثورة وقضينا أياماً حلوة لكننا لم نرزق بطفل، عندها لم يتركنا الأهل والناس في حال سبيلنا “وبدت النقة والزمن داك أنت لو راضي بوضعك الحواليك ما بريحوك” حتى انصعت لرغبتهم).
واستطرد “صلاح” يحكي وبطرافة قال: (مريم سألتني صحي اتزوجت؟ طوالي نكرت وأنا فعلاً كنت تزوجت وبزوغ أمشي للتانية بالنهار وبرجع المساء البيت عادي، لكن لاحقاً وجدت نفسي مشتتاً وأهلها يتطلعون لرحيلنا من منزلهم واستقلال ابنتهم بمنزل وحدها.. وللحق “بدرية” زولة مسالمة لم تزعجني في موضوع نقلها لمنزل آخر ولم تشترط عليّ أمراً).
} حذر وترقب ووعيد
هذا الحديث لأول مرة تسمعه الاثنتان.. هكذا قال “حواية الله”، ومضى في حكيه: (ولما لم تكن إمكانياتي تسمح لي باستئجار منزلين فضلت أن تسكن الاثنتان مع بعضهما ودون أن أطلع “مريم” على الحقيقة قررت أن أفاجئها بإدخال الثانية لمنزلها دون إخطارها “والبحصل يحصل”، ثم قررت أمراً آخر هو طلاقهما الاثنتين في حال نشب أي نقاش أو مشكلة بينهما.. وتحسباً جهزت المأذون وأطلعت جاري على التفاصيل وما أنتويه ووقفت بعيداً أرقب النتيجة.. وبعد فترة دخلت المنزل متوجساً لكنهما ألقمتاني حجراً وما شاهدته منهما لا أستطيع وصفه).
واستطرد “حواية الله”: (دخلت وجدت “مريم” راقدة و”بدرية” جنبها يتونسوا “والونسة الياها ليوم الليلة”.. وتساءلت: يا ربي أنا في حلم ولا علم؟! ومن وقتها حسيت إنو حياتي تغيرت واستقريت.. صحيح أنا متزوج اثنتين لكن كأنهما امرأة واحدة، فالحلة واحدة واللبس واحد حتى أنهما أصبحتا مضرب مثل).
} خوف من العين
سألنا “مريم” عن موقفها حيال تلك الزيجة غير المعلنة ومباغتتها بـ(ضرة) في قعر دارها لكنها فاجأتنا بقولها: (أنا كنت عارفة وساكتة وبتعامل معاه عادي وكل ما اسألوا يقول لي مافي كلام زي ده. وأول مرة التقي بـ”بدرية” يوم وجدتها بمنزلي فرحبت بها وكنت أعاني من الصداع فجلست إلى جانبي وكنا ندردش كأننا نعرف بعض من مدة طويلة).. وهنا قاطعتها “بدرية”: (حقيقة أنا لما هي جات اترهبت جداً للموقف لكنها استقبلتني بطريقة لطيفة وما قصرت معاي، ونحن إطلاقاً ما شعرنا إنو نحن ضرات إلى الآن).
وهنا تدخل “صلاح”: (من كتر التصاقهن وحميميتهن ما بحبذ يمشن مع بعض بخاف عليهن من العين).
} أسباب التآلف
وعن سبب هذا التآلف قالت زوجتاه إن الزوج هو الذي يحدد شكل العلاقة بين الطرفين.. للحقيقة “صلاح” المعاملة عنده بالمثل، واتفقتا بأنه رجل حنون وعطوف ومسؤول. وعن ذلك قال “صلاح”: (نحن “أي الأسرة جميعها” بنسبة 80% حلوين مع بعضنا، وبالنسبة للزوجات ففي حال حدث أي نقاش بيني وإحداهن أتركها وأمشي للأخرى وإذا بها تناقشني مدافعة عن رفيقتها بذات المحاور. يعني متفقات عليّ حتى في المشاكل).
إما إذا حدث نقاش بينهما غالباً لا يكون محتداً، إنما مجرد جدال لا يتجاوز لحظات حدوثه وتعود الاثنتان كما كانتا.
ربما تكون الالتزامات المنزلية واحدة من أسباب المشاكل، لكننا نتقاسم خدمة المنزل والمطبخ بالتساوي فكل أسبوع على واحدة، وإذا حدث وتغيبت إحدانا لأي سبب فإن الأخرى وبصدر رحب تتكفل بسد خانتها، وفي رمضان تلتزم “بدرية” بالأكل و”مريم” العصائر.
} قصة الزيجة الثانية
عدنا مجدداً إلى كيفية زواج “صلاح” من الثانية “بدرية” فتقاسما الحكي.. قال “صلاح” إن ذلك تم عن طريق ابن عمها الذي كان صديقاً للوالد واختيرت له وهي لم تمانع وكانت وقتها تعمل في الإذاعة ولاحقاً عن طريق “مريم” التحقت بوزارة المالية. وتم الزواج بالجزيرة دون أن يسافر العريس “صلاح” كتمويه منه حتى لا ترتاب زوجته الأولى، وعادت وسكنت مع أهلها إلى أن انتقلت إلى (العشة) المشتركة التي (تضلل عليهم) الآن. ولما تلمس أهلها المعاملة الكريمة والبشاشة من قبل “مريم” التي تطالعهم بها قال لها والدها: (ما عافي منك يا بتي كان غلطي على المرأة دي”.
لم يشأ الله لـ”مريم” أن تنجب لكنها تناصفت مع أختها كما تصفها أمومة وتربية أبنائها الذين لا ينفكون عن مناداتها بـ(ماما مريم) وهم حفظهم الله: (أحمد، ريماز، رؤى، محمد، عماد ومحاسن).
} أمومة مشتركة
ورغم وقع حب الأبناء عليهما بالتساوي، إلا أن علاقة خاصة ومحبة غير نشأت بين “أحمد” و”مريم”، علاقة تحدث عنها الجميع، حد تهنئة “أحمد” من قبل معارفه وأصدقائه بأن لديه “أمين” يعني (والدتين) لشدة التصاقه بـ”مريم” والتصاقها به وبأصحابه. ولعل سبب هذا الحب كما قال طرفا العلاقة إن “أحمد” ولد بعد فترة انتظار طويلة، فضلاً عن أن من اختارت الاسم هي “مريم”.
ومن القصص التي رويت لنا عن هذا الارتباط الوثيق، (الجرسة) التي تبدت على “أحمد” عند سفر والدته “مريم” فترة أربعة أشهر إلى القاهرة والبكاء والعويل الذي شهدت به صالة المغادرة، وقالت “بدرية” إن ابنها طيلة هذه الأشهر لم يبارح منزل “مريم” وهو لا ينفك يتغطى بثوبها ويمرغ أنفه به طوال الليل والنهار. وفي المقابل عندما سافر “أحمد” إلى مدينة بورتسودان ذات مرة، كانت “مريم” وكلما رأت الوسادة الخاصة به التي أحضرتها له خصيصاً من القاهرة تحضنها وتبكي بشدة، حتى أن بقية أشقائه كانوا يثيرونها بها، كلما رأوها حملوا الوسادة وألقوها أمامها فتجهش بالبكاء.
} بنوة قوية
لخص “أحمد” من مواليد العام 1992م هذه العلاقة بقوله: (من فتحت عيوني لقيتها قدامي وهي الأدتني الاسم وتكفلت برعايتي، وحتى السكن بكون في الجزء بتاعها وتكفلت بلبسي وتعليمي والفضل يرجع ليها في كثير من الأشياء).. ولشد تعلقها وخوفها عليه قال: (لا يغمض لها جفن إلا بعد عودتي المنزل، وأجد أن كل من بالمنزل يغطون في النوم عداها).
وأمن بقية أشقاء “أحمد” على قوله وزادوا بأنه ليس “أحمد” وحده من توليه رعاية وتقلق لتأخره، فهي لا يهدأ لها بال إلا بعد حضور كل أفراد الأسرة وتظل مشغولة عليهم حتى يكتمل شملهم. وليس ذلك فحسب، بل إنها تستمع لرغبات وطلبات كل أبنائها حتى وإن لم تكن موجهة إليها ومن ثم تفاجئهم لاحقاً بتلبيتها.
} من العلاقات المتفردة
إنها فعلاً أسرة، وواحدة من العلاقات المتفردة التي تجمع بين (ضرتين) حرمتا زوجهما من حمية التنافس والغيرة عليه. ومنحتا أبناءهما أمومة متدفقة من مصدرين، وفي الوقت ذاته عوض الله تعالى إحداهما حرمان البنوة بأن جعل لها أبناء ينادونها بـ(ماما) ويحبونها بمقدار لا يقل عن من أنجبتهم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية