«حاج مضوي».. آخر العمالقة في رموز الاتحاديين
كان حجم اللوعة والجزعة مهولاً وفظيعاً يفوق الشعور والإدراك عندما رحل الرمز الاتحادي العريق “الحاج مضوي محمد أحمد” قبل (5) سنوات في المستشفى الأمريكي بدولة “تايلند”، فقد هوى نيزك عظيم من علوٍ بعيد وكانت القلوب والفرائص قد اكتست بالحزن العميق والفداحة البالغة على صعيد الأهل والأصدقاء والأحباب وأطياف الاتحاديين ومقامات السياسة والمجتمع المختلفة.
“حاج مضوي” أحد ركائز جيل الآمال الكبيرة والعزائم الأكيدة الذين أسسوا التقاليد الراسخة والقيم الأصيلة في حزب الوسط الكبير، فقد كان لصيقاً بالزعيم “إسماعيل الأزهري” ومولانا السيد “علي الميرغني” والعقد الفريد المكون من “يحيى الفضلي” و”خضر حمد” و”الشريف حسين الهندي” و”محمد أحمد المرضي” و”عبد الماجد أبو حسبو” و”مبارك زروق” و”حسن عوض الله” و”حماد توفيق” وبقية الكوكبة الفذة.
دور “الحاج مضوي” في دروب الاتحاديين ورزنامة التاريخ المعاصر منقوشة على جدار الحقيقة ومطبوعة في ذاكرة الأحداث، فقد كان مقاتلاً لا ينثني وزعيماً لا يبيع قضيته، وكان “الحاج مضوي” صاحب موعد مع القدر منذ الأزل ليكون منافحاً على طريق الديمقراطية، وقيماً على أبواب التحدي والمنازلة في وجه القهر والتسلط وحارساً أميناً على قضية الوطن المركزية.
شيء نادر يحركه لمحاربة الشمولية مهما طالت أيامها لا يتحاشاها مهما كبرت شرورها ولا يطمئن إليها مهما بدلت شعاراتها، فقد كانت مساهماته النضالية واضحة على مستوى الانقلابات العسكرية الثلاثة التي مرت على البلاد.
شجاعة ودهاء “الحاج مضوي” تنتصب على ذاكرة التاريخ في أحداث (2) يوليو 76 المناهضة للنظام المايوي، فقد لعب دوراً محورياً في تلك العملية العسكرية الخطيرة حيث استقبل “الحاج مضوي” في مزرعته الممتدة المقاتلين بوصفهم عمالاً زراعيين فضلاً عن قيامه بكتابة أرقام مزيفة على اللواري التي حملت السلاح والمقاتلين في سياق تضليل الأمن المايوي، وقد كان شاهداً على ذلك القيادي “فتح الرحمن البدوي” ونجله “أسامة حاج مضوي” فيما كان للرجل دور مشهود في منافحة الإنقاذ حين تولى رئاسة مكتب (92) بالاتحادي الذي كان مرتبطاً يومذاك بمولانا “محمد عثمان الميرغني” بالخارج!!
في دنيا الاقتصاد والتجارة بنى “الحاج مضوي” إمبراطورية مالية كبيرة بالجهد والعرق والشفافية وقد أدخل مفهوم التأمين في البلاد وصار من أكبر تجار الإسبيرات في السوق وصاحب أكبر المزارع المتميزة لكنه تضرر كثيراً في أعماله التجارية من انعكاسات السياسة.
كان “الحاج مضوي” يطبق المنهج الديمقراطي وتقديس الرأي الآخر داخل بيته فقد ترك لأبنائه وبناته حرية الخيار السياسي الذي يناسب قناعاته وكان يحاور العديد من أبنائه على رأسهم “عمر” و”أسامة” و”خالد” و”أزهري” وحتى كريمته الدكتور “سارة”، ولا يفرض عليهم آراء وتصورات لا تعبر عن مواقفهم وقد اشتهر “الحاج مضوي” بأنه كان يكرم ضيوفه قبل أن يجلسوا على الآرائك تشد من أزره زوجته البارة المرحومة الحاجة “زينب محمد عمر” حفيدة الشيخ “أرباب العقائد”.
رحم الله “الحاج مضوي” وأسكنه في مقعد صدق مع الأبرار والشهداء وجعل البركة في ذريته، فقد كان الرجل يمثل آخر العمالقة في رموز الاتحاديين ولا يختلف اثنان بأن الفقيد “الحاج مضوي” كان يعيش ويتنفس بمزاج اتحادي!! فقد كان يحب الأزهري والألوان الأزرق والأخضر والأصفر بعد الله سبحانه وتعالى!!