حوارات

(المجهر) تحاور المواطن "أحمد عمارة" الذي لا يتحرّك إلا إذا شحن جسده بالكهرباء:

(أنا أشحن جسدي بالكهرباء وإذا نفدت أصاب بالشلل!! مؤتمر المخ والأعصاب كان نافذة اختراع جهازي المعالج بالكهرباء.. وأنا بفهم في المخ والأعصاب أكثر من (150) نائب أخصائي.. طرقت باب هذا الدستوري ويا ليتني لم أفعل.. وأي مسؤول إذا لم يجد ما يقدمه فليُسعد بالرد إذا لم يسعفه الحال.. ولو كنت مدير هذه المؤسسة لفصلت هذه الصحفية.. والصحافة ليست مهمتها نقل الخبر السياسي فقط.. ووزارة البحث العلمي ليست مهتمة بالبحث العلمي)..!!
هذا بعض ما قاله لنا “أحمد عمارة”.. المواطن الذي يتحرك بشحنات كهرباء، شأنه شأن أي جهاز إلكتروني.. وإذا لم يجد جرعة الكهرباء هذه يتحول إلى كسيح.. تتعطل حركته.. في أغرب حالة حيرت علماء المخ والأعصاب في السودان والعالم!!
“عمارة” الذي تعثر الكل في تشخيص مرضه العضال لـ (21) عاماً.. ولد معافى.. واستمر كذلك إلى ما بعد التخرج في جامعة السودان طبيباً بيطرياً.. ثم داهمه المرض.. وظل أسيراً له لمدة (21) سنة.. تداهمه حالة فقدان الجسد للكهرباء.. فتهتز أطرافه السفلى دونما توقف لساعات وساعات.. إلى أن يتحول إلى كسيح.. ولكنه عرف – عن طريق الصدفة – أن الكهرباء جزء أصيل من علاجه، فصار يلاحق (بولتينات) العربات والمواتر في مدينته “الفاشر” بولاية شمال دارفور.. لشحن جسده النحيل بالكهرباء..!!
إلا أن المؤتمر الدولي للمخ والأعصاب الذي أقيم في شهر فبراير الفائت بضاحية “سوبا”، كان فاتحة خير لـ “عمارة”.. وشُخصت فيه حالته – بصورة مبدئية – على أنها إصابة بخلل ما في كهرباء المخ المسؤولة عن الرجلين.. فصارت حالته مرجعاً لإجراء البحوث والتجارب في العالم.. وتم اختراع جهازين لمد جسده بالتيار الكهربائي!!
(المجهر) لاحقت الرجل عندما شاهدته يتحرك بـ (شاحن) متصل بجسده، وأجلسته في حوار مطول، ذكر فيه تفاصيل مثيرة عن رحلة المرض الغريب:

} دكتور “أحمد عمارة”.. احك لنا تاريخك مع المرض؟
– أنا ولدت شخصاً طبيعياً.. والى الآن أسباب المرض ما تزال مجهولة.. ولكن تجرى بعض الفحوصات حالياً خارج البلاد، وقد داهمني المرض مع التخرج وبداية حياتي العملية.. كان ذلك في العام (1993) ووقتها كان عمري (31) عاماً، وحالياً أنا عمري (51) عاماً، وقد بدأت رحلة المرض في الفاشر واستقرت بي في الخرطوم.
} صف لنا الأعراض التي شعرت بها لأول مرة؟
– الأعراض الظاهرة لهذا المرض بدأت بآلام في الساق، وتمرحلت إلى أن أصبحت أحس بأن ساقي (تقيلة)، ومن ثم تطورت الحالة إلى أن وصلت إلى رجفة متواصلة في النصف الأسفل من جسدي.. لا أستطيع معها الحركة أو القيام، وتأزمت الحالة في العام (2006) وكانت الرجفة تاتي ما بين (4) و(6) مرات في اليوم.
} وهل أثر ذلك في التركيز؟
– مرضي هذا من نوع غريب جداً، فأنا عندما تداهمني الحالة أصاب برجفة لا أستطيع معها القيام أو المشي، وإذا طالت أصبح كسيحاً وأزحف على الأرض، ولكني لا أفقد معها الوعي مطلقاً.
} ألم تجد طوال الـ (13) عاماً تشخيصا لحالتك؟
– أنا طرقت باب الأطباء ولم أجد تشخيصاً لحالتي، وبالتالي استحال علي الدواء.
} هل جربت الطب البديل كالتداوي بالاعشاب مثلاً؟
– أنا جربت كل الطرق.. (طب بلدي.. طب حديث.. دجل وشعوذة.. روحانيات) ولم أجد دواء، ولكني اكتشفت عن طريق الصدفة أن بعض الكحوليات عندما استنشقها لمدة طويلة لها تأثير في إيقاف الرجفة لنحو (10) دقائق تقريباً.. ولكن بعد مرور المدة ما تلبث أن تعود الرجفة مرة أخرى.. وهذا أشبه بتعبئة الوقود الذي يوصلك إلى مكان معين ثم يتنهي.
} هل سافرت خارج البلاد لعرض حالتك؟
– على الإطلاق لم أسافر، لكن مؤتمر المخ والأعصاب الأخير بالخرطوم أتاح لي الفرصة للتواصل مع العديد من الأطباء الأجانب.
} هل يئست من الأطباء؟
– بعد أن عرضت حالتي على أطباء كثر، لم أيأس مطلقاً، وظللت أتابع من طبيب إلى آخر، وأخيراً أنا أتابع الآن مع البروف “محمد نجيب”، وهو لم يتوصل إلى تشخيص دقيق لنوعية المرض، لكنه من خلال المؤتمر الدولي للمخ والأعصاب في شهر فبراير الفائت – الذي أقيم في سوبا – قام بتقديمي للمؤتمرين كحالة مرضية نادرة، وكنت الحالة الرئيسية في نقاش المؤتمر، وشخصت حالتي بعد نقاشات مستفيضة على أنها خلل ما في كهربة المخ.
} إذن المؤتمر كان بوابة لتشخيص حالتك؟
– لا بالعكس.. أنا كنت إضافة للمؤتمرين في علاج المرض.. أنا اكتشفت وحدي أن علاجي بالكهرباء.. وخلال المؤتمر تم وضعي كحالة نادرة وفريدة قيد الدراسة.. والآن تجري حولي بحوث للاستفادة منها في علاج مرضى آخرين.. فأنا حالياً ليس مطلوباً مني أن أعالج نفسي فقط، بل أن أحدد الجرعة وكميتها وفترات استخدامها ومدتها.. فأنا أصبحت طبيب نفسي.. ودراسة حالتي لم تقف عند محطة المؤتمر فقط.. أنا الآن ما زالت في طور الفحوصات والتجريب، وبعد انقضاء المؤتمر تم تكوين فريق طبي برئاسة البروف “محمد نجيب” لمتابعة الحالة. فالمؤتمر لم يقف عند مرضي فقط، بل سلط الضوء على حالات وأمراض عصبية غريبة ناتجة عن زواج الأقارب، وأضف إلي حالتي هنالك حالة أخرى لأسرة عندما يصل أبناؤها إلى سن الـ (18) يصابون بالشلل التام.. أصيب (5) من أفرادها فيما لا يزال السادس ينتظر ذات المصير.
} وكيف عرفت أن الكهرباء هي العلاج؟
– (استعدل) في جلسته، وقال: اكتشفت علاجي عن طريق الصدفة، عندما كنت متوجهاً إلى أقاربي بأم درمان.. وكنت في ذاك الوقت قد اسنتشقت قدراً كافياً من الكحوليات.. وأثناء قيادتي للعربة تعطلت فجأة، فانتابني خوف من أن تداهمني (الرجفة).. ونزلت وبدأت في إصلاح العربة، وأثناء ذلك بدأت الرجفة تداهمني ببطء.. وأثناء إصلاحي (البولتين) صعقتني كهرباء.. فلاحظت أن الرجفة وقفت!!
} ومن هنا بدأت مرحلة جديدة من العلاج بواسطة الكهرباء؟
– (أيوه).. أوقفت العلاج بالكحوليات فوراً وبدأت أطور في العلاج بالكهرباء (مرّة بلوتين عربية أو ركشة” أو موتر).
} إذن أنت لست شخصاً عادياً.. وإذا تعرضت لسعقة كهرباء لن تتأثر بها؟
– (أومأ برأسه) ثم وقال: أنا لست كالشخص العادي.. لكن عندما (تضربني الكهرباء بتنفضني).. لأن استهلاكي لها كثير وجسمي مشبع بالكهرباء.. والشخص العادي يمكن أن لا يحتمل.. لكن أنا أحتمل الكهرباء في أماكن محددة في جسدي.. في باطن القدمين والكفين وتحت اللسان.. عرفت كل ذلك من خلال المؤتمر.. فكان كل ذلك بداية لمرحلة جديدة.. والآن إذا ذهبتم إلى البروف “محمد نجيب” سوف يعرض لك صوراً قد تستغربون منها.
} أنت قلت سابقاً إنه يوجد خلل في كهرباء المخ.. فكيف يصاب جسدك السفلي دون العلوي بالرجفة؟
– حسب ما قرأت فإن أي جزء من جسد الإنسان له علاقة مباشر بالمخ.. بمعنى أن أي خلية في مخ الإنسان لديها مسؤولية محددة في الجسد من ناحية إصدار الأوامر والإشارات.. وإذا حدث عطب في خلية يتضرر الجزء المسؤولة عنه.. وعندما علمت بأن الكهرباء هي العلاج بدأت فى إجراء التجارب.. لأن الكهرباء التي اعتدت على التعرض لها من المواتر والعربات غير موزونة.. وقمت بمعاونة مهندس سوداني – أعطيته المواصفات – باختراع جهاز سعته (120) فولت، يربط في الخصر وتصل أسلاكه باطن الرجل.. وعندما أتعرض لجرعة من التيار الكهربائي أصاب باصطكاك في أسناني ولساني.. لذلك بعدها أحرص على تناول كمية من الثلج.. حتى لا أصاب بجروح في الحلق.. وهذا هو الجهاز – أشار إليه – (صندوق صغير مربوط على خصره وموصل بسلك كهربائي في باطن رجله) وقال ممازحاً: (ما تخافوا دي ما عبوة ناسفة)!!
} بمناسبة (العبوة الناسفة).. هل حدثت لك مواقف بسبب هذا الجهاز؟
– كثير جداً، أي نظامي عندما يلاحظ الجهاز بارزاً من تحت ملابسي يقوم بإيقافي وتفتيشي، ةفي مره اشتبه بي نظامي في المواصلات العامة، وأراد إنزالي بالقوة من الحافلة، فقلت له: لن أنزل فقد حصلت على المقعد بعد مشقة وتعب. وعندما ألح عليّ قلت له إذا أنت مشتبه في هذا الجهاز (قمت برفع القميص) فهو لتنظيم الكهرباء في جسدي.. ثم واصلت الشرح وأنا أكشف له عن التوصيلات.. إلاّ أن أوصلتها السلك الموجود أسفل قدمي.. حينها تأثر النظامي جداً وأخذ يعتذر ويتأسف.. ونزل من الحافلة رافضاً مواصلة المشوار معنا من شدة تأثره.
} هل قادتك هذه المواقف للتفكير في تطوير هذا الجهاز ليصبح حجمه أقل؟
– ممكن، والآن أنا في طور التجارب، ومستقبلاً يمكن ان يتطور الأمر ويصبح الجهاز ساعة ألبسها في اليد.
} وكيف عرفت أن جسدك يحتاج (120) فولت؟
– أجريت بعض الفحوصات لتحديد الطاقة التي يحتاجها الجسم، ومن ثم كان اختراع الجهاز.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية