ردع الفاسدين
نشرت إحدى الزميلات خبراً عن امتلاك مدير المساحة التابعة لوزارة التخطيط العمراني ولاية الخرطوم، على (7) قطع أراضٍ تجارية وسكنية مسجلة باسمه في مواقع إستراتيجية.
الآن فقد عرفنا لماذا الأراضي في الخرطوم يرتفع سعرها كل يوم رغم توفر المساحات الكبيرة، لأن كل الأراضي امتلكها من بيدهم القلم وتصرفوا فيها بالبيع أو الإيجار دون وازع من ضمير، وتركوا المساكين الغلابى يبحثون عن غرفة من الطين ولا يجدونها. لقد كانت الحكومة في الماضي توزع القطع السكنية على ذوي الدخل المحدود، وأصبحت الآن تنافسهم في هذا الأمر. فارتفعت أسعار الأراضي إلى أرقام فلكية ولم يتركوا أي مساحة خالية دون أن يضيفوها لممتلكاتهم، لأن أسعار الأراضي مستقرة لعشرات السنين وأن الحكومة كانت توزع هذه الأراضي لصغار الموظفين، فتم توزيع مئات القطع في الامتداد والقوز والرميلة واللاماب وكلها لمواطنين (غلابى)، فأسهمت الحكومة بذلك في استقرار سعر الأراضي ولم تحدث أي أزمة في أي وقت في استقرار سعر الأراضي. كانت المنطقة جنوب حي الديوم الشرقية منطقة خلوية وقامت الحكومة بحفر جدول عريض في البداية، ثم قامت بمد الشبكة المائية إلى كل القطع. ومنذ ذلك وزعت هذه القطع لصغار الموظفين والعمال وبعد شهور وزعت قطع أكبر في حي الصحافة جنوب الامتداد. هكذا كانت الحكومة تفكر ولم يكن ذلك مصادفة، فهي كانت تعلم أن الإنسان لا يشغله شيء في الحياة سوى العثور على منزل. ولكن ماذا يحدث الآن كبار الموظفين يعرفون مواقع القطع فيحجزونها ويمنعون أي شخص من التصرف فيها، يبيعها الموظف بأعلى الأسعار ويمتلك منزلاً راقياً أو عدة منازل ولا يعرف أن هذا المنزل جاء من مال حرام أو هو لا يبالي. فإذا حدثت له كارثة ينسبها إلى الصدفة وهي في الحقيقة عقاب إلهي. فقد أخذ أموال المساكين وحرمهم من السكن. ولم يتوقف الأمر عند قطع الأراضي السكنية بل كما علمنا أن كبار المسؤولين ومعهم خُدامهم من السماسرة هجموا على الأراضي الزراعية، ويسعون بكل جهدهم لتحويل مزرعة ألبان حلة كوكو من موقعها الإستراتيجي على النيل إلى قطع سكنية إلى الأغنياء ورجال الأعمال فقط، الذين يدفعون بالدولار ولا عزاء للمساكين وللفقراء. وهذه المزرعة لا تكلف الدولة أي شيء، فالمزرعة بها العلف والبرسيم وأبقارها تشرب من النيل مباشرة، ولكنهم لا يهتمون بذلك فالمهم عندهم أنها استثمار جيد.
الجديد في الأمر أنهم هجموا على المواقع التجارية ولم يعد تكفيهم المواقع السكنية، وهذه المواقع الدفع فيها بالدولار. أي أن الواحد جاء من قريته فقيراً مدقعاً وفي خلال شهور يتحول إلى ملياردير، لمجرد أنه حصل على وظيفة تمكنه من التحكم في الأراضي ويذهب المساكين إلى الجحيم. في هذه الحالة لابد من تدخل السلطة. ولا نريد أن نقول للسلطة إن فساد المسؤول لا يعالج إلا بالردع وعقوبة صارمة. وفي أمريكا مثلاً، أي خطأ لمسؤول كبير استفاد منه مالياً عقوبته السجن لمدة عشرين عاماً مهما كان هذا المسؤول، بل التشهير به في الصحف وأجهزة الإعلام وبعضهم اضطر للانتحار حتى لا تتسع فضيحتهم.. وفي الصين عقوبة المسؤول المرتشي هي الإعدام رمياً بالرصاص في ميدان عام وذلك بعد أن تقرأ التهم الموجهة إليه ويقر بخطئه. ولن أطالب بتوقيع العقوبة الصينية على الفاسدين في السودان ولكننا نود أن نسأل هذا المسؤول الذي امتلك عشرات القطع، هل كان يستطيع ذلك ولو لم يكن مسؤولاً عن الأراضي؟ وهل كان يجرؤ على هذا العمل ولو لم تكن العقوبة سهلة ميسرة؟ وهل كان سيقدم على ذلك لو أن الأسماء نشرت في كل أجهزة الإعلام؟ لماذا نسكت على أسماء الفاسدين وكأننا نكافئهم على سرقتهم؟ متى نسمع بنشر أسماء الفاسدين بالبنط العريض وننشر أيضاً خبر براءتهم؟ لماذا نطلب منهم تبرئة الذمة وينتهي كل شيء؟ لماذا نخشى الفاسدين؟ لماذا نخشى مِن مَن حولوا حياتنا إلى جحيم ورفعوا أسعار الأراضي والألبان، وقضوا على المزارع التي أعدت لإنتاج الألبان؟ هل هو الخوف من الفضيحة ؟ إن الإسلام يطالب بتنفيذ العقوبة علناً فلماذا لا نعمل بما جاء به الإسلام؟