المشهد السياسي

اتهام الأمن لـ«المهدي» .. رؤية تحليلية

شُغِل أهل الإعلام والسياسة بقضية اتهام الأمن الوطني للسيد الإمام “الصادق المهدي” بالنيل من كرامة القوات المسلحة والنظامية، باتهامه لقوات (الدعم السريع) بحرق القرى ونهب الممتلكات وإقحام عناصر غير سودانية في الشأن السوداني.. وغير ذلك.
وقوات الدعم السريع حسب قائدها اللواء الركن “عباس عبد العزيز” في مؤتمره الصحفي بـ(الأربعاء) وهو قائد نظامي له خبرته في القوات المسلحة، حسب سيرته الذاتية التي وزعت على الحاضرين، وهي قوات نظامية تابعة إدارياً وفنياً وعملياتياً للقوات المسلحة السودانية، ومشكلة بقانون ويؤمها متطوعون من جهات سودانية مختلفة.
وكما ذكر أيضاً في ذلك اللقاء الصحفي الواسع قامت قوات الدعم السريع بعمل كبير وحاسم في مواجهة مجموعات التمرد، في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ودارفور، إذ حققت الكثير من المكاسب والمطلوبات الأمنية للمواطنين هناك ومن أكبرها الاستقرار وحل مشكلات النزوح.. وبكلمة أخرى أفقدت جهات محلية وخارجية اعتمدت على الحركات المتمردة في تحقيق أهدافها السياسية والدبلوماسية الكثير. فقد ظلت تلك الجهات تعول عليها في (زعزعة) استقرار النظام الحاكم محلياً وعبر الجهات والمنظمات الدبلوماسية الخارجية وغيرها ممن ظلت تطارد الدولة بالاتهامات.
“المهدي” وهو رجل دولة وحفيد من حرر الوطن من الاستعمار الأجنبي ويقود حزباً سياسياً له وزنه وتاريخه ودوره، ما كان له أن يلقي بتصريحاته تلك التي ألقت به بين يدي القانون تحت تهمة الإساءة للقوات النظامية الوطنية، وضد المصلحة العامة التي حققتها وتحققها قوات الدعم السريع. فما قال من ناحية سياسية ووفق كل التقديرات والرؤى – ربما كانت دعماً لجهات خارجية ظلت تعمل عبر أجندتها المختلفة ضد جمهورية السودان ورئيسها المشير “البشير” الذي وجهت له المحكمة الجنائية الدولية عبر مدعيها العام إدعاءات خرق الحقوق والقوانين الإنسانية. وقد كان ذلك منذ سنوات إلا أن الوقفة الشعبية السودانية الوطنية الصميمة ووقفة الدول الصديقة والشقيقة وتلك التي تعارض مصالح الآخرين من الدول العظمى والصديقة لها، قد حالت دون مثول السيد الرئيس أمام الجنائية الدولية مثل غيره من الزعماء والرؤساء الأفارقة الذين لم تصل تلك المحكمة إلى غيرهم، مما جعلها توصف بأنها سياسية أكثر منها عدلية وتصل إلى الضعفاء دون غيرهم.
ومن أسف السيد الإمام “الصادق المهدي” – زعيم حزب الأمة القومي– ظل عبر مواقفه المشهودة داخلياً وخارجياً يدعو إلى أن تعمل الجنائية الدولية عملها ضد الرئيس السوداني.. ومن ثم يعتبر البعض أن موقفه الأخير ورغم مساندة الآخرين له من أقطاب المعارضة والقانون هو سير على ذات الطريق، إلا أن ثمة جديد في الموضوع في ما نرى ونعتقد..!
أولاً: السيد الإمام واجه بعد تنحية الدكتور “إبراهيم الأمين” واتهامه له بأنه جعل من الحزب (ترلة) (للوطني) وحواره الوطني.. تحدياً سياسياً فكان ما كان – والله أعلم..!
ثانياً: ولما ألقى جهاز الأمن الوطني بدعواه القانونية أمام السيد الإمام لم يجد بداً من أن يجعل منها فرصة سياسية يدافع فيها عنه (كل ذي ضمير وطني أو حقاني) – كما قال .. فضلاً عن جماهير حزبه..!
وهذه الأخيرة قد حدثت باصطحاب الكثيرين له حتى المحكمة بالخرطوم جنوب من أهل القانون والسياسة بمن فيهم “أبو عيسى” الذي كان “المهدي” يصف مجموعته الاعتراضية بأنها (ميتة) ولا حراك لها بل انسحب منها..! وفيهم أيضاً الدكتور “إبراهيم الأمين”، الأمين العام السابق للحزب، الذي كان يعتقد أن “المهدي” قد ألقى به بلا رحمة.. وسيجعله (هو) يندم على ذلك عبر تدابير يقوم بها مع آخرين..!
ذلك كله حدث والبقية تأتي بعد ظهر اليوم (الأحد) حيث سيكون للسيد “الصادق المهدي” مؤتمر صحفي يسرد فيه ما عنده، وهو بين يدي إدعاء هو الأول من نوعه تقريباً. إذ أن الإمام وهو شخصية سبق لها أن مارست الدستور واعتلت مؤسساته، ليس من السهل عليها أن تتهم بالإساءة والانتقاص من حقوق المؤسسات الوطنية الأكثر حرصاً على سلامة وأمن البلاد.. بل وغير ذلك مما له شأنه إذ ستتربح الحركات المتمردة والمنظمات والدول صاحبة المصالح والأهداف من هكذا إفادات، لتستغلها في ما تعمل من أجله.. وهذا ما لا يناسب شخصية سياسية ومجتمعية ووطنية مثل السيد “الصادق المهدي” زعيم حزب الأمة، فهو من يعنيه الأمن والاستقرار ولا سيما بعد دخوله مؤخراً في أطروحة الحوار الوطني.
إلا أنه وفي ذات السياق واستباقاً للمؤتمر الصحفي للسيد “المهدي” ظهر اليوم (الأحد)، نورد ما رشح في بعض الرسائل الإخبارية وله مدلوله في ملف الاتهام إذا حسنت النوايا.
الخبر يقول:
(المهدي يتعهد أمام محكمة أمن الدولة بعدم الإساءة للقوات المسلحة وأي قوات نظامية)
وهذا – إذا صدق – فيه ما فيه مما يعين على إطفاء الحريق.. إلا إذا ما نفخ (شيطان السياسة) وعمل في الاتجاه الآخر – أي اتجاه التصعيد. فقد كان البعض يهتف أمام المحكمة والسيد “المهدي” يغادرها بعد تحقيق استمر لأربعين دقيقة..( لا حوار مع الأشرار..!)
ذلك في الوقت الذي كانت فيه أحزاب المعارضة – حسب صحف (الجمعة) – قد أعلنت أسماء ممثليها في آلية الحوار ومنهم “المهدي” و”الترابي” و”غازي” وآخرون من أحزاب أخرى، اندرجت في قائمة من وجدوا في الحوار الوطني القومي آلية وأداة للخروج من الأزمات والمشكلات في البلاد.
فإذا كان ذلك كذلك فإن السيد زعيم حزب الأمة وإمام الأنصار وأول من اعتمدوا أطروحة الحوار الوطني سوف لن يستجيب إلى (نفثات الشيطان) التي تنتاش الحزب في بعض الأحيان..!
والأمر كله على كل حال بين يدي المؤتمر الصحفي اليوم، وما هذا الذي بين يدي القارئ إلا رؤية تحليلية لحدث سياسي وقانوني كبير، عُنينا فيه بأمر السياسة وتركنا غيره لأهله وبالله التوفيق.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية