تقارير

«الترابي» خطط للتحالف مع د. «مشار» فأصبح في السجن!!

منذ عودته من أثيوبيا الأسبوع الماضي بدا الرئيس الجنوبي «سلفاكير ميارديت» محبطاً جداً وناقماً على الدول الغربية، واتسمت خطابات الرئيس «سلفاكير» بالجنوح لدغدغة مشاعر الجنوبيين وحثهم على التمسك بحكومتهم، وقال «سلفاكير» يوم (الأربعاء) الماضي إن قوى دولية أرغمته على تأجيل الانتخابات حتى عام 2017م، حتى يستطيع منافسوه الفوز عليه في الانتخابات في إشارة إلى غريمه ومنافسه الأول د. «رياك مشار».
أصبحت أيام «سلفاكير» محدودة في حكم الجنوب!! وبدأت خيوط إزاحته من مقعده بتدابير خارجية!! فما الذي ينتظره جنوب السودان في مقبل الأيام؟؟ وهل تصمد اتفاقية أديس أبابا أم سيشهد جنوب السودان انفجاراً جديداً للأحداث؟؟ أسئلة عديدة تطرح نفسها في الساحة الجنوبية، ولكن قبل الإجابة عن بعض منها، فإن السؤال هل اتفاقية أديس أبابا وقعت بإرادة الطرفين وقناعتهما؟؟ أم بإرغامهما عليها؟؟ يطرح نفسه.. الرئيس «سلفاكير ميارديت» بعد عودته إلى مدينة جوبا خاطب مواطنيه وقال: (ذهبت إلى أثيوبيا بدعوة من الرئيس الأثيوبي «ديسالين»، وطلب مني التفاوض مع المتمردين.. لم نجلس على طاولة واحدة.. وقعنا فقط على الأوراق.. ثم تبادلنا اتفاقاً بوقف إطلاق النار والمشاركة السياسية في الحكم)!! وإشارات حديث «سلفاكير» الطويل جداً كلها تقدح في عدم قناعته بالاتفاق مع «رياك مشار» ولكنه مرغم على المضي في طريق لم يختره هو، إذعاناً لضغوط المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية. وشكك «رياك مشار» من جهته في التزام حكومة بما تم الاتفاق عليه في أثيوبيا.. وهدد الاتحاد الأوروبي الخميس الماضي باتخاذ عقوبات تطال الجهة التي تخرق وقف إطلاق النار.. في وقت دافع فيه «رياك مشار» عن قائد المليشيات «بيتر قديت» المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
} «سلفاكير» ورياح التغيير
بدا أن الرئيس «سلفاكير» قد استشعر رياح التغيير التي هبت على حكومته وأرغمته على التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار مع غريمه «رياك مشار» مذعناً للضغوط، ولكن كبرياء ضابط المخابرات الذي خاض حرباً طويلة مع الشماليين ووجد نفسه في موقع الرجل الأول في الدولة الوليدة بعد أن كان قانعاً برجل الظل وقائد الجيش تحت إمرة «جون قرنق»، الكبرياء منعه من مصافحة غريمه د.»رياك مشار» وتبادل كلاهما النظر إلى وجه الآخر وفي النفس شيء، ولم تفلح كلمات الرئيس الأثيوبي وهو يناشد الرئيس «سلفاكير» و»مشار» لحظة تبادل وثيقة الاتفاق (السلام السلام) في حملهما على تبادل السلام والمصافحة يداً فوق الأخرى كما تقتضي الأعراف والتقاليد، ولكن الحقيقة التي تواجه الرئيس «سلفاكير» أن الولايات المتحدة والدول الغربية، وبعض دول الجوار قد حققت أهدافها من اتفاق أديس أبابا الذي يمهد لرحيل «سلفاكير» عن السلطة حتى ولو اتفق على تشكيل حكومة برئاسته خلال الفترة الانتقالية.. وتبدو ملامح الشبه والتطابق بين السودان وجنوب السودان في كل شيء، فالدستور الرئاسي في الجنوب يضع كل السلطات والصلاحيات في يد الرئيس وبالتالي أية مشاركة لأحزاب كبيرة أو صغيرة في الحكومة لا أثر لها، لأن النظام الرئاسي يمنح الرئيس سلطات وصلاحيات شبه مطلقة، وحتى نواب الرئيس ومساعديه لا تتعدى سلطاتهم وصلاحياتهم التفويض الذي يمنحه الرئيس للنائب أو المساعد ويستطيع سحب ذلك التفويض وقت شاء.. لذلك يطالب السيد «رياك مشار» بتعديل دستور جنوب السودان ليصبح لنواب الرئيس سلطات وصلاحيات حقيقية، ومن ملامح التشابه أيضاً أن «سلفاكير» يقف حيث يقف «البشير» من الحكومة القومية أو الانتقالية، وقال «سلفاكير» في حديثه لجماهير جنوب السودان الأسبوع الماضي إن مشاركة المتمردين في السلطة مشروطة بالاتفاق على الدستور والفترة الانتقالية والانتخابات، وبرنامج اقتصادي وسياسي للفترة الانتقالية، وهي ذات الشروط التي يرددها الرئيس «البشير» حينما تطالب قوى المعارضة بفترة انتقالية قبل إجراء الانتخابات العامة.. ولن يتنازل «سلفاكير» عن مقعده في رئاسة الجنوب لشخص آخر حتى لو أدى ذلك إلى تجدد النزاع.. مع أن «سلفاكير» اكتشف بحسه السياسي أن ما يسمى بالمجتمع الدولي متربص به ويسعى للإطاحة به.
} د.»رياك مشار» والعودة للحركة الشعبية!!
هل يعود د.«رياك مشار» إلى أحضان الحركة الشعبية مرة أخرى أم في خيار سياسي جديد بتكوين حزب ينافس الحركة الشعبية؟؟ هذا السؤال لا نجد له إجابة واضحة عند مجموعة د.»رياك مشار» التي تنقسم إلى تيارين.. الأول هو تيار (أولاد قرنق) وهؤلاء يعدّون الحركة الشعبية هي حزبهم الأصيل وكيانهم الذي سعى «سلفاكير» لسرقته من تحت أرجلهم ووقف هذا التيار القوي مع د.»رياك مشار» مستفيدين من نفوذه القبلي وقدرته على القتال في أعالي النيل وهزيمة «سلفاكير» في ميدان الحرب، ولكنهم غير مستعدين للإقدام على خطوة التخلي عن أسهم الحركة الشعبية والتنازل عنها لمجموعات يعدّونها انتهازية قفزت على مركب الحركة الشعبية واستغلت «سلفاكير» لتحقيق مآربها.. فالقيادات مثل «فاقان أموم» و»دينق ألور» والفريق «مجاك» و«استيفن ديو» و«كوستا ماينبي» و«ماما ربيكا» و«مبيور قرنق» هؤلاء غير مستعدين للتخلي عن الحركة الشعبية حتى ولو انقسموا عن «رياك مشار» في منتصف الطريق واختاروا طريقاً ثالثاً.. كما يواجه د.«مشار» في ذات الوقت عشيرته، النوير، الذين يرفضون مبدأ العودة إلى أحضان الحركة الشعبية التي بدأت تمثل لهم تاريخاً ينبغي التخلص منه.. فالدكتور «مشار» حينما انشق عن «قرنق» والحركة الشعبية عام 1992م، اختار طي صفحة الماضي وأسس حركة استقلال جنوب السودان التي كان عظمها مقاتلي النوير الذين هزموا «قرنق» في معارك (بور)، و(واط) و(أيود) و(كنقر) وسيطروا على بانتيو وكل مناطق اللا نوير. وبعد أن كان د. «مشار» شخصية خلافية داخل قبيلته النوير، أصبح الآن رمزاً متفقاً عليه وعاد إليه «تعبان دينق» الذي يمثل مركز ثقل مالي واقتصادي وعسكري خارق الذكاء، إضافة إلى مليشيات النوير التي يقودها «بيتر قديت» والجيش الأبيض الذي يتزعمه «الكجور» و«ريانق قديت»..
ويعدّ قرار الرئيس «سلفاكير ميارديت» بعزل رئيس الجيش «جيمس هوت» في مصلحة السيد د.«مشار»، خاصة وقد جاء «سلفاكير» بالقائد «مالونق» حاكم شمال بحر الغزال السابق وأقرب القيادات له ومن عشيرته الدينكا ليصبح أميناً على الجيش، ووضع «جيمس هوت» أمام خيار الانضمام إلى «مشار» ومساندته.. لكن القوى المقاتلة في صفوف د.«مشار» ولاؤها للجيش الشعبي ضعيف جداً وهي في غالبها من المليشيات القبلية، والمرارات الشديدة والموت الذي حصد الآلاف يجعل محاولة «مشار» في العودة للحركة الشعبية ومنافسة «سلفاكير» خياراً لا يجد الدعم ولا السند من هؤلاء، وهنا يبدو موقف «مشار» مثل السيد «مبارك الفاضل المهدي» الذي عاد من أجل منافسة الإمام السيد «الصادق» وإزاحته من رئاسة حزب الأمة، ولكن الإمام أوصد في وجه «مبارك» كل الأبواب وطلب من حزب الأمة كلياً والبحث عن حزب آخر ينافس به في الساحة.. ومصلحة الرئيس «سلفاكير» في تخلي «مشار» عن الحركة الشعبية وتسجيل حزب جديد وترك الحركة الشعبية كعلامة تجارية يستفيد منها «سلفاكير».. وينظر الجنوبيون للحركة الشعبية بشيء من القداسة مثل نظرة السودانيين للحزب الوطني الاتحادي بعد الاستقلال، باعتباره الحزب الذي جاء بالاستقلال من داخل البرلمان وخارجه، وأن «الأزهري» قيادة مقدر جهدها وجهادها.. وفي حال تخلى «مشار» عن الحركة الشعبية فإنه سيخسر كثيراً جداً شعبياً.. لأن الجنوبيين مهما كان إخفاق القادة والرموز يعدّون الحركة الشعبية هي من حقق لهم الاستقلال وتطلعاتهم في قيام دولتهم.. وفي ذات الوقت فإن بعض القيادات التي تقدس هيكل الحركة الشعبية يمكنها التخلي عن «مشار» ولن تتخلى عن اسم الحركة الشعبية!!
} السودان في قلب الجنوب
حكومة السودان وقفت طوال حقبة النزاع الجنوبي مع الشرعية وساندت السيد «سلفاكير ميارديت»، ولكن في الحقبة القادمة سيشهد الجنوب بروز تيارين رئيسيين يتصارعان على كرسي السلطة وقيادة الدولة، وقد تقف حكومة السودان بالتزاماتها مع الحكومة الشرعية، ولكن هل المؤتمر الوطني كحزب له مساحة حركة بعيداً عن حكومته؟؟ وهل يعيد المؤتمر الوطني تحالفه السابق مع د.«مشار» قبل انقسام الجنوب ويدعمه سياسياً من أجل الوصول إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع.. والسودان أكثر دولة مؤثرة على الرأي العام في الجنوب؟؟ وفي سنوات خلت كان د.«حسن الترابي» الأمين العام للحركة الإسلامية السودانية قبل انقسامها من دعاة التحالف مع النوير، وكان حينها السودان موحداً.. وتعدّ اتفاقية الخرطوم للسلام التي وقعت 1997م ثمرة لرؤية د. «حسن الترابي»، ونجحت تلك الاتفاقية في تحقيق قدر من السلام في إقليم أعالي النيل، وبجهود مليشيات النوير تم تأمين مناطق التنقيب عن البترول في الوحدة وأعالي النيل، وثمرات المال الذي غذى شرايين الاقتصاد السوداني في سنوات ما قبل الانفصال كانت نتيجة طبيعية لتلك الاتفاقية، إلا أن من داخل الحركة الإسلامية وحكوماتها كانت هناك تيارات خططت لإجهاض اتفاقية الخرطوم للسلام وطرد «مشار» و«تعبان دينق» من الخرطوم واحتضان منشقين عنهم، و«الترابي» يعدّ النوير أقرب إلى الشمال جغرافياً من بقية مكونات الجنوب، والكنيسة الغربية (المسيسة) تمددت في مناطق بحر الغزال والاستوائية، وفشلت في استمالة النوير الذين لا يزالون يعبدون الحجر والأوثان، وبالتالي ما هم بأعداء (مسيسين) للحركة الإسلامية مثل بقية مكونات الجنوب، ولكن «الترابي» أصبح في آخر المطاف نفسه ضحية لتفكيره العميق ونظرته البعيدة لمآلات السودان، فذهب إلى غياهب السجون وتم إبعاده عن السلطة.. وجاءت اتفاقية السلام الشامل لتكتب السطر الأخير في كتاب الوحدة التي كانت، وذهب الجنوب إلى سبيله دولة مستقلة.. فهل حينما تصبح صناديق الانتخابات هي الحكم بين «سلفاكير» و«مشار» يجد الأخير الدعم والسند من الشماليين رغم أن بعض الذين من حوله يعدّهم بعض الشماليين أعداء حتى قيام الساعة، مثل «فاقان» و»دينق ألور» و«لوكا أبيونق»؟؟ وفي ذات الوقت «سلفاكير» الذي وجد الدعم والسند والمؤازرة من حكومة السودان يحتضن حركات دارفور التي تقاتل الحكومة السودانية، ويدعم تلك الحركات بالسلاح والعتاد ورغم ذلك لا تغضب منه الخرطوم كغضبها على «فاقان أموم» و»دينق ألور» وتلك من مفارقات السياسة السودانية وعجائبها.
} صندوق الجبال
} أخيراً تمخضت مشاورات القيادة السياسية عن ميلاد صندوق دعم السلام بولاية جنوب كردفان من أجل المساهمة في التنمية والإعمار والمصالحات القبلية والنشاط السياسي الداعم للسلام والتفاوض.. وجاء تشكيل مجلس الصندوق في ظاهره بمعظم الفاقد الدستوري ممن سبق لهم تقلد المناصب الوزارية والقيادية في الدولة، ولكن من رؤية أخرى فقد حشدت الكفاءات والقدرات في الصندوق المعني من أجل المساهمة في تنفيذ مهمات الصندوق التي حددها القرار الجمهوري الذي أنشئ بموجبه الصندوق.. وشخصيات مثل بروفيسور «خميس كجو كندة» و«سلمان سليمان الصافي» وهما الأمين العام ونائبه، وكلاهما بدرجة وزير مركزي، في جعبتهما خبرات كبيرة يمكن الاستفادة منها في استقطاب الدعم المالي داخلياً وخارجياً لمشروعات الصندوق.. ويساعدهما د.«حسين كرشوم» الذي تقدم باستقالته من وظيفة مرموقة في الأمم المتحدة حينما رفض ممثل الأمم المتحدة «علي الزعتري» مشاركته باسم الحكومة والمنطقة التي جاء منها في المفاوضات لينتصر لقيمه وأخلاقه على حساب مصالحه، فأسندت إليه مهام وزير دولة مسؤولاً عن الشؤون الاقتصادية ومعه الأستاذة «بثينة جودة» الوزيرة السابقة في سنار وجنوب كردفان، وهي من الكفاءات النسوية التي يمكن أن تسد أية ثغرة في الدولة. هذه القيادة الرباعية للصندوق إذا ما وجدت الدعم والسند السياسي يمكنها المساهمة بفاعلية في تغيير واقع جنوب كردفان الحالي، خاصة وإنهم متناغمون سياسياً مع الوالي «آدم الفكي» الذي ساند تعيينهم في الصندوق.. وتم تكوين مجلس قيادي من خبرات مثل «إبراهيم نايل إيدام» والوزير السابق «نايل أحمد آدم» والأمير «حازم يعقوب» والفريق «دانيال كودي».. وإذا ما نجح الصندوق في تعيين «أسامة عثمان» كمدير تنفيذي فإن جبال النوبة أو جنوب كردفان موعودة بحقبة جديدة قد تشهد تغييراً في واقعها الاقتصادي والتنموي والسياسي.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية