رأي

هل نأخذ المنهج الإسرائيلي في محاربة الفساد..؟!

العقل البشري هل يقبل النماذج الإيجابية الموجودة في ضفة الخصم دون محاولة التقليل من المزايا والخصائص الموجودة في ثناياها؟ وهل يستطيع المرء الاعتراف بعنصر التفوق والنجاح الذي يتأطر في محيط عدوه بلا تردد وتبخيس؟ فالشاهد أن لوازم الحضارة وعلامات الشجاعة المعنوية تتطلب منح الخصوم الأعداء ما يتصفون به من مرتكزات وأشياء مضيئة في إطار الانفتاح الإنساني الراقي الذي يضرب الأفكار القديمة والتصورات العقيمة!!
ندلف إلى القضية المقصودة حثيثاً.. هنالك منهجان في منازل ذهني حول التعامل مع قضايا الفساد، يختلفان على صعيد المنهج والمعالجة، أحدهما في بلادي والآخر في ضفة العدو الصهيوني.
قبل الدخول في الدهليز أؤكد على المستوى الشخصي أنني منذ نعومة أظافري أقف بلا مواربة مع عدالة القضية الفلسطينية، أبغض المسلك الصهيوني البربري والاعتداء الوحشي الظالم من قبل الحكومة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
الآن في المسرح السوداني حدث ملحمي يصم الآذان، يتمثل في الموجة العارمة المتمثلة في قضايا الفساد والتجاوزات الواضحة على صعيد الأراضي السكنية والزراعية، والمضاربات في الدولار والعقارات، وغسيل الأموال والاختلاسات، وأمامنا محاولة القراءة المتأنية عن أدوات الحسم والردع لمقابلة تلك التطورات المخيفة في الساحة، وكم كانت محبطة ومؤلمة ولا تعبر عن الرغبة الشعبية المطلوبة، وبذات القدر نشاهد عبر القنوات الفضائية والأسافير المنهج الصارم والشفاف الذي تقوم به حكومة العدو الإسرائيلي في مواجهة عمليات الفساد واستغلال النفوذ من خلال خطوات مليئة بالثقة والاتزان والهيبة العدلية!! فالواضح أنه خلال اليومين الماضيين تمت محاكمة “أيهود أولمرت” رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بالسجن لمدة ست سنوات بتهمة قبول رشاوى في قضية عقارية بالقدس.. هذا هو عدونا الذي نكرهه ونبغضه يحارب الفساد ورموزه بلا هوادة وتدليس في إطار إرث عريق ومواقف ثابتة.. ومن هنا تومض لمحة مضيئة تكشف سطوة القانون في إسرائيل، الذي لا يفرق بين حاكم ومحكوم في أجواء الديمقراطية والشفافية. وقد ذكر “موشي نيجبي” الخبير القانوني في الجامعة العبرية قائلاً: (هذا شيء محزن.. لكن من ناحية أخرى يستطيع الإسرائيليون أن يفخروا بأنه حتى رئيس وزراء سابق ليس فوق القانون!).
سجلات إسرائيل تنضح بالمواقف والمشاهد التي تحارب التمييز والفساد والاعتداء على المال العام من قبل الحكام والمسؤولين، فقد أخضع نجل رئيس الوزراء الأسبق “أرييل شارون” لإجراءات تطبيق القانون عندما كان والده في السلطة!! وحتى الرئيس الإسرائيلي السابق “جستاف” مثل أمام اللجان القضائية ورفعت عنه الحصانة الرئاسية بعد اتهامه بشكاوى التحرش الجنسي المتلاحقة التي وردت في حقه!
من باب التأمل الشفيف والحكمة العميقة أن نقارن بين خصومنا من قادة إسرائيل وهم يخضعون للمساءلة ويمثلون أمام لجان التحقيق، وبين بعض المسؤولين في بلادنا وهم يتطاولون على القانون ويستخفون بقيم محاربة الفساد، والأنكى أن بعضهم في الدرجات الأدنى على مستوى الدولاب الحكومي!! ومن هذا المنطلق يلوح هذا السؤال المنطقي: هل نأخذ المنهج الإسرائيلي في محاربة الفساد؟!
الصور الكالحة في الدول العربية المتمثلة في ترك الحبل على الغارب للحكام والمسؤولين بممارسة الفساد بلا حسيب ورقيب، أدت إلى تغذية الشعور بالمهانة والإحباط في القواعد الشعبية العربية بعكس الجانب الإسرائيلي الذي يحس بوجود الأمان والطمأنينة في حراسة أمواله ومؤسساته من أي مساس واعتداء حتى لو جاء من بعض حكامه!
الوعي الوطني السوداني صار يفرق بين إسرائيل المعتدية وبين تقاليد محاكمة الفساد وتطبيق الشفافية في الدولة العبرية!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية