رأي

مياه النيل

دعا وزير الموارد المائية المصري إلى الاستخدام الرشيد لمياه النيل. مشيراً إلى أن هناك مصادر متعددة للمياه في دول الحوض ويمكن أن تستخدم استخداماً جيداً ورشيداً بحيث لا تكون هناك مشكلة في أي من دول الحوض. وقال الوزير المصري لدى لقائه عدداً من رؤساء التحرير والصحفيين إن مصر ليست ضد التنمية في دول الحوض.
في هذا التصريح يلفت النظر أن مصر تظهر قلقها من انخفاض حصة الفرد من مياه النيل. ومصر كما يقال هي هبة النيل. ولولا هذا النيل لأصبحت مصر جزءاً من الصحراء الكبرى. فهذا النيل هو كل حياتها. كما أن عدد سكانها يتزايد بنسبة كبيرة كل عام. ومتوقع أن يصل عدد سكان مصر في وقت قريب إلى مائة مليون. وبعد ذلك نكون قد اقتربنا من الكارثة ولا ينبغي أن نظن أننا غير معنيين بهذه المشكلة. فالنيل يأتي من السودان ويذهب إلى مصر. فمصر ليست لها موارد مائية أخرى كالأمطار مثل السودان فأمطارها شحيحة.
الوزير المصري لم يشر للاتفاقيات التي وقعت بين السودان ومصر وبموجبها قدرت حصة كل دولة من مياه النيل بموافقة مصر. وحتى الآن لم يستخدم السودان كل حصته من مياه النيل. وبالنسبة لإثيوبيا فهي لا تستطيع منع مئات من الأنهار المتدفقة من إثيوبيا إلى السودان لأن إثيوبيا في الأصل هضبة مرتفعة ومن الطبيعي تدفق الماء إلى السودان وهذه مشكلة قد حلتها الطبيعة منذ آلاف السنين. ولا يبدو أن لإثيوبيا مشكلة مع هذا الوضع. لكننا نحن معنيون بقلق الوزير المصري. لأن مصر ماذا ستفعل؟ لو احتاجت إلى مزيد من المياه. ليس أمامها إلا الاتفاق مع السودان لزيادة حصتها.
وهذا الاتفاق لن يتم إلا بزيادة حصتها من مياه النيل، وزيادة حصتها من مياه النيل لن تتم إلا بزيادة مياه النيل نفسه. هنا تطل المشكلة التي يتهرب الجميع منها وهي كيفية زيادة مياه النيل. يتجاهل الجميع ملايين الأمتار المكعبة من مياه الأمطار التي تهطل سنوياً على السودان. وقد لاحظ الانجليز أثناء حكمهم للسودان أن مياه الأمطار من الغزارة بحيث يمكن تخزينها في (ترع) و(حفائر) والاستفادة منها في وقت الجفاف. ولكن لا أحد يلتفت لهذه الثروة الضخمة من المياه وإلى ثروة أخرى من المياه الجوفية تشكل نهراً إضافياً تحت الأرض يمتد من جنوب السودان حتى حدود الولاية الشمالية. تترك مياهه حتى تجف كل عام بينما التكنولوجيا الحديثة سهلت الاستفادة حتى من مياه البحر المالحة وبدلاً من مد أنبوب مياه من النيل حتى البحر الأحمر لماذا لا تفكر الدولتان في الاستفادة من تكنولوجيا تحلية مياه البحر كما فعلت السعودية ودول الخليج. فلو استغللنا هذه الثروة المائية الكبيرة لما احتجنا إلى كل هذا القلق الذي يبديه هذا الوزير المصري. وبدلاً من الاكتفاء بالصراخ يمكن البدء الآن في دراسات جدوى لمياه الأمطار في السودان ومعرفة حجمها والنسبة التي يمكن أن يستفاد منها.
لماذا لا نستفيد من تجارب الدول الأوروبية هل سمعتم بنزاع بين دولة أوروبية وأخرى حول نهر من الأنهار كما يحدث في أفريقيا. لقد استطاعت تلك الدول أن توقف أي نزاع حول المياه. ولا ينتظر أن يحدث أي إشكال حولها في الوقت القريب. لماذا لا تراجع اتفاقية مياه النيل التي وقعت عام 1958 مرة أخرى ويراجع معها حجم المياه سواء كانت من النهر أو من الأمطار وتتخذ إجراءات لتحلية مياه البحر الأحمر وأن تحصر كل هذه الموارد. وبدلاً من الاكتفاء بالصراخ وإعلان القلق كل عام يمكن البحث عن تدابير للاستفادة من هذه المياه الكثيرة. ويجب أن تشارك الدولتان في هذه الحملة وتدفعان تكاليف الدراسات التي ستقوم بها مؤسسات عالمية كبرى.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية