رأي

المشروع الإسلامي أمس واليوم

يتساءل الناس الآن هل المشروع الإسلامي في السودان يواجه مشاكل تطيح به. وهل سيتحرك أعداؤه أخيراً بعد أن ظلوا صامتين لأكثر من عشرين عاماً. والسبب في هذه التساؤلات أن الكوادر الإدارية التي تسلمت العمل الإداري من جيل المجاهدين والثوار الأوائل لا تعرف قيمة هذا الجهد ولا العرق الذي بذل من أجله حتى يكون مشروعاً متكاملاً، ولا الفقه التنظيمي والفكري الذي أداره لعشرات السنين حتى وصل لهذه المرحلة.
الآن جاء إلى السلطة مجموعة من الإداريين الذين لا يعرفون قيمة هذا المشروع. وبعضهم لم يكن أساساً على صلة بالواقع في مرحلة ما قبل الإنقاذ. ولم يتابع قوافل المجاهدين وهي تلتحق بمواقع العمليات وتقدم الشهداء دون خوف وهؤلاء الشهداء كانوا من كبار قيادات الدولة لكنهم ضحوا من أجل الدين.
الآن جاءت مجموعة من الإداريين لا هم لها إلا الثراء السريع وكان تحت يدها سلطة شبه مطلقة. وهذه السلطة شبه المطلقة كانت من قبل في أيدٍ أمينة لا هم لها إلا الجهاد وتقديم التضحيات. ولهذا كانت هذه السلطة المطلقة في خدمة الحق والخير والجمال. وكان الناس مطمئنين إلى أن البلد في أيدٍ أمينة من المتدينين الزهاد الذين يتركون المقعد الوزاري ليجاهدوا في غابات الجنوب لا يخشون تهديدات أمريكا. بل ويتحدونها. الآن هذا الجيل من الإداريين لا يهمه من كل هذا المشروع إلا أنه فرصة للثراء السريع ساعده في ذلك تدفق أموال (البترو دولار).
فاستيقظت في نفوسهم كل أحلام الثراء وكان تحت يدهم مليارات من الدولارات وسلطة شبه مطلقة. وكانت النتيجة الطبيعية أن تفسد هذه الأموال أخلاقهم وأن يتغير نمط حياتهم وتفكيرهم فانتهى جيل المجاهدين بكل تضحياته وفُتح الباب أمام جيل جديد. لا يعرف سوى أنواع السيارات وأسعارها وثمن قطع الأراضي السكنية والأراضي التي تصلح كمزارع ولم يعودوا يهتمون بقضايا الجماهير. هل نحلم الآن بنائب والٍ مثل “يوسف عبد الفتاح”، يتحرك طوال النهار لأن منطقة ما في أم درمان لم تجد ماء ولا يجلس ليستريح حتى يوفر لها الماء من منطقة أخرى (بالفنطاس) فيظل متابعاً هذا العمل في النهار الحار لمدة (12) ساعة. ولم يكتفِ بهذا فقط بل كان يداهم (الأفران) عز الفجر ويوقع عقوبة فورية على أي (فرن) يخالف التسعيرة دون العودة إلى محلية وغيرها. ويكفي ما فعله في بداية الثورة عندما أغلق تجار الأحزاب محلاتهم لإحداث أزمة تموينية. وكانت الثورة في أول أيامها فعرف غرضهم من هذا الإضراب فأصدر بيانه الشهير الذي كان سبباً في إطلاق اسم (رامبو) عليه. لقد حذر التجار وقال لهم من أراد أن ييتم عياله وتثكله أمه ويرمل زوجته فليترك محله مغلقاً نهار غدٍ. وكانت النتيجة أن فتحت كل المحلات في اليوم الثاني دون تأخير فأطلق عليه الجمهور لقب (رامبو) ومنذ تلك اللحظة صار رمزاً للخشية والحزم دون خوف من تماسيح السوق.
الآن هناك مشكلة حقيقية في الحاج يوسف شارع (9) تتمثل في انقطاع الماء لمدة شهر كامل عن هذا الشارع ولا أحد (جايب خبر) بالله عليكم لو حدث ذلك في عهد “يوسف عبد الفتاح” هل كان سيتظاهر أنه لم يسمع صرخات العطاشى. هل عرفتم الآن كيف استطاعت الثورة الوليدة عبور المرحلة الحرجة في بداياتها لقد كانت لديها رجال مثل “يوسف عبد الفتاح” وثوار ومجاهدون لا يشغلهم من نعيم الدنيا أي شيء كانوا يريدون فقط تثبيت نظام جديد وإقناع الناس أنه نظام يختلف عن الذي سبقه في كل شيء واقتنع الناس أن هؤلاء الرجال مخلصون ولم يكن الناس بحاجة لأدلة على اختلافهم. فقد شاهدوهم في مسارح العمليات مع المجاهدين يضحون بأرواحهم لأجل الدين. وكان هناك مجاهدون في الأحراش ومجاهدون في المدن أيضاً.
جاء هذا النظام عقب فوضى كبيرة حدثت في الأسواق فكان لابد من السيطرة على السوق أولاً وهذا ما حدث بالضبط ووثق الناس بهؤلاء الرجال، لأنهم لم يشاهدوهم إلا في مسارح العمليات ومواكب الجهاد. لم تلصق بواحد منهم أي اتهامات باستغلال النفوذ أو الاختلاس.
وأساساً لم يهتم الواحد منهم بتمكين نفسه وأسرته أولاً كانوا متواضعين حتى في أزيائهم يلبسون ملابس العمليات طوال الوقت كأنهم في حرب مستمرة.
أين هؤلاء من أولئك الرجال الأوائل الذين لا يعرفون كم هو سعر قطعة الأرض ولا يعرفون كيف يأخذون العمولات من الشركات وليس لهم علاقة بأي شركة أجنبية يسهلون لها أعمالها في السودان مقابل نسبة مئوية من الدخل. وحتى السيارات التي كانوا يقودونها “بكاسي” بدون تكييف. لماذا لا نعود إلى تلك الأيام باستخدام موظفين مجاهدين حقيقيين يتحلون بالقيم الإسلامية ولا يبحثون عن الثراء بأي وسيلة؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية