حوار المسؤولية التاريخية المشتركة السوداني: مخاض دولة مستمر أم استمرار النزعة؟ (1)
كمراقب للحراك السياسي السوداني في العشرين سنة الأخيرة، أعتقد أن جغرافيا السودان السياسي لن تقف عند انفصال جنوبه حتى إذا حدث توافق بين الأطراف المتصارعة على اختلاف مكوناتها التي وضح إدراك معظم ساستها مرغمين مؤخراً حجم التحديات التي تواجه البلاد فآثروا دائرة مستديرة لانطلاقة حوار لعل وعسى أن يتداركوا عبره الوضع الراهن في وفاق لا شك متباين الأجندة. وتكمن أهمية الحوار في طبيعة المقاربة لمواجهة هذه التحديات في حراك استثنائي على الرغم من احتوائه على إحدى أبرز سلبيات الممارسة السياسية السودانية وهي المحاصصة الفضفاضة، حيث شاركت أحزاب ليس لها ثقل على أرض الواقع وتفتقر إلى قواعد ثابتة ومؤثرة و نفوذ داخلي يخترق حملة السلاح أو دولي يعزز الحوار. وإذا نجحت دولة قطر أو جنوب أفريقيا أو أوغندا أو كينيا أو الإتحاد الأفريقى أو دول الإيقاد أو غيرهم من الأصدقاء في إقناع “ياسر عرمان” و”مالك عقار” و”عبد الواحد محمد نور” وقادة جبال النوبة المشاركة بضمانات إقليمية ودولية، وحصر المشاركين في المداولات على الأحزاب الأربعة الكبيرة، الأمة القومي، الاتحادي الديمقراطي (الأصل) والشيوعي والإسلامي (الشعبي والإصلاح الآن والمؤتمر الوطني) مع الجمهوريين والمايويين والبجا ممن اعترضوا منهم على اتفاق بعضهم مع الحكومة قطعا، سيكون ذلك خطوة في الاتجاه الصحيح لمنح المعارضين والإصلاحيين من أصحاب الفكر وأصحاب القضايا المؤثرة ومن ساهموا بشكل أو بآخر لما آلت إليه الأمور في وضع خارطة طريق توافقية في أسرع وقت ممكن.
خياران أحدهما الأرجح!
عموماً، أمام هذا الحراك مساران، أحدهما، القيام بعملية أشبه بعملية (Detoxification) إزالة السموم من جسده الاجتماعي الذي يحتوي على الثقافة السياسية السائدة لأكثر من نصف قرن ومُسَلَماتْ الإرث القبلي وإفرازات المظالم لعشرات الآلاف من أبنائه في ظل سياسات ضلت درب مقاصد الحكم الراشد بما يتضمنه من تنمية اقتصادية وشوري في الحكم وحرية وعدالة اجتماعية في الخمسين سنة الأخيرة من عمر البلاد والتي تفاقمت مؤخراً مع مغامرات المشروع الحضاري الذي اختزلته حركة النهضة التونسية على نحوٍ آخر نقيض في شعارها “لا لأدلجة الدين والظلامية والاستبداد ونعم للفكر التنويري للتكّيف مع الواقع وهي أقرب في مضامينها إلى أفكار إبن رشد وإبن خلدون على سبيل المثال”. وهي بالتالي تتسق مع الفكرين السائدين في تركيا وماليزيا إلى حدٍ ما مع تباين معطيات التجارب بينهما وتونس.
أما المسار الثاني فهو استمرار النزعة الانفصالية مع التباين في كيفية حدوثها. فبينما يرى البعض أنها لا تعدو أن تكون مخططاً استعمارياً قديماً ساري المفعول، وأن انفصال الجنوب ما هو إلا دليل على ذلك، تُشير وقائع الأحداث الراهنة والتجارب الدولية إلى أن السودان ربما يسير في ذلك الاتجاه لافتقاره إلى القدرات المالية والقيادية لإدارة الدولة بكفاءة حتى تستطيع تسديد فواتير التخلص من السموم المُشار إليها في المسار الأول والارتقاء ببيئة الممارسة السياسية وسلبيات التقاليد والأعراف السائدة بتوازنٍ موجب لخلق السلم والاستقرار ومن ثَمّ التنمية الاقتصادية والرفاهية المنشودة التي لسوء الحظ، لا يمكن أن ُتجِهضْ وحدها هذه النزعة فى ظل إفتقار البلاد الواضح أيضاً إلى روح العزيمة الوطنية الخالصة في عرف مكوناته القبلية إحدى أهم ثوابت القاسم المشترك للدولة المتحدة ومع تفشي ظاهرة الفساد المعيقة للتنمية والاستثمار وعدم مبالاة أغلب الشباب بروح الانتماء المتعلقة بقضاياه، يصبح التحدي طريقا آخر يصعب اكتماله! )والأخيرة أشار إليها دكتور “الترابي” في مخاطبته لحوار طرح أجندة مبادرة الدائرة المستديرة في 6 ابريل 2014 وهو الأكثر خبرة ودراية بالعمل التنظيمي للعمل الشبابي في الخمسين سنة الأخيرة من عمر البلاد.)
الانفصال والوحدة: درس نجاح وفشل الإمبراطورية الأهم!
من مفارقات السياسة الدولية، أن الإمبراطورية البريطانية أو المملكة المتحدة صاحبة المبادرات الدولية فى صياغة الفكر السياسي الناضج لا فقط المتعلق بفلسفة الحوكمة وإدارة الدولة بل بكيفية ترسيم جغرافيا العالم وفقاً لسياسة ( التلاعب بالصراع بين الأعراق والأديان والهويات العرقية ) أو مبدأ، فرق تسد أو ما إلى ذلك من فلسفة أو استقراء للمستقبل، تعرضت في الماضي القريب إلى خمول فلفستها وغروب شمس إمبراطوريتها وإلى انقسامات في فنائها الخلفي هزت العرش اللندني ومرت مآلاتها السياسية دون اهتمام كافٍ على المستوى الدولي وخاصة أنها تواجه الآن انفصالاً آخر هائلاً يلوح في الأفق يهدد إرثها التاريخي العتيد الذي كان مضرباً للمثل لآلاف السنين والذى يبدو واضحاً أنه سيصبح في الألفية الثانية إرثاً متناقضا في كلياته ومع ذلك لا يمكن أن يغفل المراقب تجربتها المذهلة حين تتغير خارطتها السياسية قريباً مع ارتفاع نبرة النزعة الأسكتلندية للانفصال بصوت رئيس وزرائها الأول (ديفيد سالموند)، إذ تم الإعلان عن منح الأسكتلنديين الفرصة للتصويت بلا أو نعم فى شهر سبتمر من هذا العام على السؤال “هل يجب أن تكون أسكتلندا دولة مستقلة” وكانت جمهورية ايرلندا كما هو معروف قد استقلت بعد حرب وعقب تنفيذ اتفاقية (اتفاقية الأنجلو- ايرش) في عام 1922 ونهائياً من دول الكمونويلث في عام 1949 وهي التي تحتل أربعة أسداس مساحة جزيرة إيرلندا التي تضم إيرلندا الشمالية التي نعلم أنها لا تزال تتبع للملكة المتحدة وهنالك عشرات التجارب الأخرى، منها تفكك وحدة السويد والنرويج في عام 1905 وبلجيكا من وحدة النيزرلاند (مع هولندا) في عام 1830 وأرض الصومال وبونتلاند الإقليم المستقل في 1991 من الصومال والعديد من الانفصالات المتوقعة كأكراد العراق، انفصال إقليم شرق الكنغو الديمقراطية وإقليم أزواد في جنوب مالي والبلوشيستان وباشتونيستان في أفغانستان وغيرها (نيويورك تايمز 24 سبتمبر 2013) إلى التجربة اليوغسلافية التي شكلها تيتو باختزال التباين للست جمهوريات (كرواتيا وبوسنيا ومونتينيغرو مسدونيا وسلوفينيا وصربيا بالإضافة إلى المقاطعتين فويفودينا وكوسوفو) فى ما عرف لاحقا بأيدولوجية تيتو (Titoist) التى ارتكزت على الإدارة الذاتية للعمال وسياسة عدم الانحياز للسياسة الخارجية، ولكنها انهارت لاحقاً، لأن تدابير تيتو المعادية للديمقراطية والحداثة في السبعينات عطلت الحياة الاجتماعية والسياسية للتقدم بما يكفي. وبينما لعبت أسكتلندا دور المشارك التابع في ظل النظام الملكي الإنجليزي الحاكم لعقود، فشلت يوغسلافيا ومعظم الدول التي شكلها المستعمر أو الأقوى جغرافيا وسياسياً واقتصادياً لتوازنات الهيمنة والمصالح أو لإفرازات الحروب أو لخدمة أغراض ومصالح محددة أو أيديولوجيات محددة، مثل غيرها في تأمين وحدتها وستفشل فى الغالب معظم الدول المماثل وضعها ولا ُيستثنى من ذلك السودان الأضعف بكل المقاييس في تحقيق التوازن المطلوب للبقاء متماسكا ومستقراً طالما استمر ساسته من الحكومات أو القيادات التي يحمل أهلها السلاح الاستمرار في تبني فكر وحدوي يراهن على أبدية الحدود الموروثة من المستعمر، والارتهان إلى إرضاء الجزوع على حساب معاناة ولامبالاة الجذور بنظام المحاصصات الفضفاضة والحزبية والجهوية والتدابير السياسية الأخرى المجافية للمنطق التى تستخف بمآلات التحديات وتعتقد أن استقراء أيدولوجية ظنية في قراءتها للأحداث كافٍ. ومع التفاقم المستمر لمدار فوبيا الإنتماءات الثقافية والإثنية فى ظل الكر والفر السياسى المعايش لعقود والنفوذ الدولى المتزايد بالمنطلقة لن تكون الإفرازات وخيمة فقط بل قد تؤدى إلى تأكيد مبدأ، أن ما بُنّى على الباطل، فهو باطل.
هنالك بالطبع بعض التجارب الناجحة التى حققت التماسك الوحدوى المطلوب منها على سبيل المثال لا الحصر، الولايات المتحدة الأمريكية التى عانت عام 1860 منه بإعلان ولايات الجنوب جنوب كاليفورنيا وتكساس ولويزيانا وجورجيا والميسيسيبي وفلوريدا وألباما ثم نجحت في تخطى كل التحديات لاحقاً على الرغم من اختلاف وضعيتها وكندا ودولة الأمارات ولكن حَظيت هذه الدول، بالبيئة المجاورة المستقرة سياسياً كما نجحت في تأسيس بنى تحتية اقتصادية جاذبة للوحدة واستطاعت تمكين قدراتها على مقارعة التحديات الثقافية الموروثة إلى حدٍ كبير منها على سبيل المثال، تبني كندا وأميركا لسياسة تعدد الثقافات (Multiculturalism) كإحدى الوسائل السياسية لرقع الخلل الثقافي المجتمعي الموروث عبر سياسة توطين بمواصفات ومعايير محددة لبناء قاعدة إنسانية جامعة ُتقلٍصْ أو تقضى على سموم ممارسات التميز الإثني والثقافي الموروث وتؤسس لوطنية مرنة تستوعب المقاصد النقيضة. وقد بادرت الإمارات في هذا الصياغ بتبني سياسة توطين محددة شملت (البدون) وغيرهم بمعايير إنسانية وبإستراتيجية محددة وبتفاهمات مع أطراف صديقة معينة عززت من وحدتها وإستقرارها بالإضافة إلى تبنيها سياسة اقتصادية اتحادية متوازنة. ولا يمكن أن نتجاوز في هذا الصياغ حقيقة الفشل البيّن للولايات المتحدة فى خلق الإندماج المجتمعى المفضي إلى التوازن السياسى والإجتماعى المطلوبين لأكثر من (12%) من مواطنيها من ذوي الأصول الأفريقية على الرغم من أنها تملك أقوى اقتصاد في تاريخ البشرية، وهو ما يؤكد مرة أخرى عِظمْ التحديات المشار إليها، مع التنبيه إلى أن فوز براك اوباما بالرئاسة الأمريكية لا يعنى بتاتا نجاح أميركا في معالجة الصدع المجتمعي في ما يتعلق بالأقليات، خاصة، ذوى الأصول الأفريقية، فهذا الأمر يتعلق تحديداً بقدرة التكتلات الرأسمالية والأيدولوجية (Lobbies) والأخرى في تحقيق أهدافها المعقدة التي من بينها التهيئة لأهداف أخرى خفية مؤجلة.
الإصلاح الآن مرآة معالم فجر المبادرة الآن!
من جانب آخر، قد يفضي حراك ومقاربة الدائرة المستديرة إلى تبني سياسة إصلاحية على نحو ما طرح رئيس وزراء السودان السابق” الصادق المهدي” في مبادراته العديدة التي بدأت عام 1993 بدعوة دكتور “الترابي” له الاندماج والمشاركة في أول محاولة لإشراكه في حكم الإنقاذ وقتها ورفضها لإشترطه كفالة الحريات كمبدا أساسى، إلى آخر مبادراته “معالم الفجر الصادق”. أو بتبني نداء الإصلاح الذي قدمه الدكتور “غازي صلاح الدين” في يوليو 2013 لتحقيق التوافق المناسب والذي آثر الجميع اللحاق به أو بادروا به في وقت ما بما فيهم دكتور “الترابي” وحزب “الميرغني” ليجتمعوا في مائدة واحدة مع النظام الحاكم لاستطلاع الفرص الحقيقة لتحقيق ذلك والتي افتقرت بوضوح إلى حزب له تاريخ فاعل في الحياة السياسية السودانية وهو الحزب الشيوعي بجانب قادة الحركات المسلحة والجمهوريين والمعارضين من حركة البجا ولكن يبقى أن نقول إن انطلاقة هذا المخاض أكدت مما لا يدع مجالاً للشك أن النظام الحاكم قد توصل أو بالأحرى توصل مفكروه من أمثال علي عثمان محمد طه ودكتور أمين حسن عمر إلى أن مقاصد حكمهم (المُعدَّلة) قد تتحقق في المستقبل عبر تهيئة الأجواء المناسبة لها استناداً إلى حقيقة ثابتة وهي أن تجارب الممارسة الحزبية في السودان ظلت تؤكد على أن أي حزب يملك المال والقدرات التنظيمية للفوز بنسبة تصل إلى ما بين (30%) إلى (40%) في الانتخابات النيابية يستطيع أن يشكل حضوراً فى الحياة السياسية السودانية في أي زمان، وهذه الخلاصة أكدها وعَجّل بها الآتي:-
تقديم الحزب الحاكم لمبادرة يعلم الكل بأنها تعني رغبة الحزب في أن يظل في الحياة السياسية مع عدم ممانعته في التنازل عن الحكم سلمياً في الوقت الراهن خاصة إذا كانت المبادرة تعنى تبرئته من إتهام تواصله مع الحركات الإسلامية التي أصبح أغلبها منبوذ إقليمياً ودولياً وربما الحصول على ضمانات أو مشروع مبادرات مقبولة لأغلبية القوى السياسية تؤكد على سودنة القضايا ذات الصلة بالمجتمع الدولي.
فك ارتباطه مع السياسات الداخلية والدولية المثيرة للجدل، مثل سياسة التجنيب المالية وعبر معالجة القصور في القواعد والقوانين المتعلقة بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
اقتناع قادة فكره بأن تجربتهم الراهنة أفرزت النقيض من المقاصد المنشودة في ربع قرن وما عادت سارية المفعول سياسيا ليس على المستوى المحلى فحسب ولكن إقليمياً ودولياً.
اكتمال بناء القاعدة الاقتصادية الصلبة للحزب في ربع قرن مما يعني أنه سيظل رقماً يصعب تجاوزه في أي انتخابات برلمانية في المستقبل.
اختلال موازين القوة الإقليمية المُسانِدة بعد السقوط السريع لحكم جماعة الأخوان بمصر وليبيا وتدجينها فى تونس والأولى (مصر) كانت أول داعم لحكومة الإنقاذ بل ساهمت في حصوله على اعتراف سريع من القوى الإقليمية والعربية والكبرى عام 1989.
ضم حركات الإخوان المسلمين إلى لائحة الحركات والمنظمات الإرهابية المحظورة بكل من المملكة العربية السعودية ومصر والأمارات بجانب طرح لندن الأمر للدراسة.
رغبة الدول الغربية والمجتمع الدولي ودعمهم للتحول الديمقراطي السلمي في كل الأحوال وتفضيله على أي خيار آخر في ظل الإفرازات السالبة لتجارب إقليمية ودولية تمت لذات الغرض عبر إستخدام القوة كوسيلة.
المسؤولية المشتركة والشجاعة وجهان لعملة واحدة.
المسؤولية المشتركة تعنى العمل لاتخاذ القرارات الفاعلة من أجل الأشياء ذات القيمة. ولأن لها إفرازات مهمة، لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار مبادرة الحزب الحاكم ضعفاً حتى إن كانت هنالك نسبة من واقعية ذلك، كما ليس من المفيد بشيء محاولة الاستخفاف بأهميتها في ظل التحديات الجسيمة التي تهدد سلامة البلاد.
ولأن المسؤولية المشتركة لكل الأطراف في الحياة السياسية لا تأتي من خواء، إلا إذا تم وضعها في سياقها الصحيح. فقد نبعت كما فى حالة مبادرة الحوار الوطنى، من جراءة فكرة تمت مناقشتها بصوت خافت حتى تاريخ الإعلان عنها رسمياً. نعم أتت نتيجة لمستجدات داخلية وإقليمية ودولية في غاية الأهمية ولكنها لا تخلو من عنصر ما يسميه الكنديون والأمريكان (Gut Feeling) الشعور الغريزى وهى فى نهاية الأمر شجاعة سياسية تستحق الإشارة إليها والتى لخص وصفها الدكتور “سليمان عبد المنعم” من مؤسسة الأهرام المصرية “الاعتراف بالخطأ وعدم الممانعة في إصلاحه تمثل سلوكاً استثنائياً إذا ما قورنت بحالات أخرى عديدة كانت الغلبة فيها للعناد السياسي”. وقد طرح دكتور “سليمان” سؤالين في غاية الأهمية وهما “هل يعني الاعتراف بالخطأ الانتقاص من كفاءة السياسي فرداً كان أم حكومة أم حزبا؟ وهل نفتقد في حياتنا السياسية شجاعة الاعتراف بالخطأ خوفا من تأويلها السلبي لدى الناس؟ سواء كان الرد بالإيجاب أم بالنفي فإن السبب الحقيقي في الحالتين هو ثقافتنا. نعم ثقافة تعتبر الاعتراف بالخطأ ضعفا بدلا من أن ترى فيه قوة أخلاقية.” لذلك أرى أنه من الأنسب تجاوز هذا الجدال والتركيز على تحمل المسؤولية المشتركة بشجاعة كلٌ قدر ما يستطيع من إسهامات في تقديم الرأى والنصيحة والنقد البناء وهنا أعتقد أن أهم الخطوات التى يجب أن يتبعها هذا الحوار هي:
تحديد وتوجيه المسارات الإستراتيجية للحوار نفسه.
صياغة وتطوير رسالة هذا الحوار وأهدافه حتى لا يخرج قطار المداولات عن خطه.
تحديد وتوجيه مسار العمل داخل أروقته.
طالما الغاية الأبرز هي بناء نظام ديمقراطي، الاتفاق على آلية ديمقراطية واضحة وشفافة للتصويت على التوصيات أو التفاهمات أو ما إلى ذلك لكل ملف أو قضية على حدة.
حصر شكل مشاركة الـ(100) حزب على أن تكون (عدا الأحزاب الكبيرة والمجموعات المحددة التي أشرنا إليها في مكان آخر في هذا التناول)، إما بصفة مراقبين أو بحثهم على المشاركة بممثل واحد أو اثنين يتم تفويضه/ تفويضهما استناداً إلى المبادئ الوطنية المشتركة بينهم على أن يتم منحهم فترة محددة للوصول إلى صيغة المشاركة (مثلا، أن يمثلهم الأكبر سناً) أو المشاركة بصيغة أخرى مناسبة حتى لا ُتهدرْ الجهود وتجنباً لحدوث خلافات حول الحيز الزمني لمداولات الحوار الوطني الذى هو في أمس الحاجة إلى حسم الأمور في أسرع وقت ممكن.
تسجيل المداولات كاملة مع ترجمة فورية لتحفظ أرشيفيا للباحثين والأكاديميين من أبناء الوطن ومن الأصدقاء والمنظمات الدولية المهتمة بالتجربة.
ففى تحديد وصياغة الغايات والأهداف الإستراتيجية للحوار تعزيز في العمل المُنظِمْ له ويُساهم في التأكد من تحقيق الترابط بين الرسالة والأهداف ومايتم وضعه من ضوابط وقواعد وأنظمة للإجراءات التي ستستخدم في المداولات حتى تحقيق المراد من توصيات أو تفاهمات أو اتفاقات عاجلة قابلة للتنفيذ استباقية في مضمونها، ُتؤكد على استمرار مشاركة كل الأطراف السياسية المهمة والمؤثرة حتى صافرة نهاية حوار المسؤولية التاريخية المشتركة. ويمكن في حالة عدم نجاح المساعي المبذولة أو التي ستبذل لمشاركة قادة المناطق الملتهبة فى دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وغيرها، إستخدام وسائل التقنية الحديثة المتاحة للمشاركة فى الحوار عبر (الفيدوكونفيرنس) او ما يعرق بـ (MCU) مروراً بما يعرف بال (اس أن جى) إلى (Xmeeting) بترتيبات دقيقة تراعي أهمية الأطراف المشاركة من على البعد ودورهم الحيوي والإستراتيجي في إنجاح هذه المبادرة الشجاعة، ولكن، يبقى السؤال الذي يفرض نفسه، هل يمكن للتوافق الوطنى فى ظل هذا الواقع الحزبي والسياسي الداخلي والخارجي المعاش ومع التحديات الماثلة، التخلص من السموم المتراكمة فى جسد الحياة السودانية والنجاح في خلق التوازن السياسي والاجتماعي والاستقرار والسلم والتنمية الاقتصادية والرفاهة المنشودة المناسبة لكافة أقاليمه ومنع تكرار التجربة اليوغسلافية أو غيرها بشكل أو بآخر؟