شهادتي لله

(تحلل)… قال..!!

} أن يسرق أحدهم مالاً عاماً، أو ممتلكات وأراضي الدولة، فتكون عقوبته (التحلل) فقط!! فهذا مما يشجع الآخرين على الاستمرار في التعدي على المال العام.
} بالأمس أعلنت لجنة التحقيق في جرائم مكتب والي ولاية الخرطوم التابعة لوزارة العدل تقريرها للرأي العام وفيه أكدت أن مجموع المال المنهوب (أراضي ونقدية وسيارات) بلغت (17.8) مليون جنيه (مليار بالجنيه القديم)، وأن الأراضي والمال والسيارات تم استردادها جميعاً بعد تحلل المتهمََين وإقرارهما، فتم إخلاء سبيلهما وفق قانون الثراء الحرام!!
} ولكن لماذا تم تعطيل العمل بمواد القانون الجنائي في هذه الحالة؟! إنها فعلاً (بدعة) من بدع (الإنقاذ) كما قال أستاذ القانون الدكتور “البخاري الجعلي” لـ(المجهر) في متن تقرير حول هذه القضية داخل هذا العدد، دون توجيه الاتهام لهما بموجب القانون الجنائي.
} هيئات الاتهام التابعة لوزارة العدل، تحشد مواد الاتهام من قوانين مختلفة، بعضها من القانون الجنائي، وأخرى من قانون مكافحة الإرهاب، وغيرهما، من القوانين، هذا إذا كان المتهم “مالك عقار” أو “ياسر عرمان” ورغم رأيي الواضح والمعلوم لهما – شخصياً – في تمردهما وخروجها على الدولة وتهديدهما لأمن البلاد واستقرارها – فمواد الاتهام ضدهما كانت كثيفة، ربما يكون ذلك لجدية هيئة الاتهام، وربما لفداحة الجرم، وربما.. وربما، ولكن بالمقابل عندما يعتدي موظفان بمكتب والي الخرطوم على نحو (18) مليار جنيه ثم يُخلى سبيلهما بـ(التحلل)، فهذا مما يحفز على المزيد من الفساد.
} لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يد سارق (رداء) “صفوان بن أمية” فكيف يخلى سبيل ناهبي المليارات يا وزارة العدل؟!
} (رداء) كان يرقد عليه “صفوان” في المسجد وهو نائم، فإذا بسارق يستغفله ويأخذ الرداء، فيقبض عليه “صفوان” ويقر السارق بجرمه، فيأمر سيدنا “محمد” سيد الأولين والآخرين بقطع يده!!
} وإذا اعتبرنا أن السرقة في حالة مكتب والي الخرطوم ليست (حدية)، لأنها من مال (عام)، وليس (خاص)، كما أن شروط (الخفية) غير منطبقة هنا، فإن عقوبات التعزير من سجن وغرامات واجبة في هذه الجريمة، وليس (التحلل) المحدد في قانون الثراء الحرام، لأن المتهمَين تنطبق عليهما المواد (177) خيانة الأمانة – الفقرة (2) والمادة (123) (التزوير) والمادة (21) – الاشتراك الجنائي وذلك من القانون الجنائي لسنة 1991.
} نحن لسنا محامين، ولا مستشارين ولا وكلاء نيابات، ولم ندرس القانون، ولكننا عندما نكتب لقارئ محترم لابد أن نذاكر، ونطلع ونسأل أهل القانون قبل أن نكتب، وقد أكد بعض خبراء القانون أن لجنة التحقيق كان يفترض أن تقيد بلاغات جنائية ضد المتهمين تحت المواد أعلاه، فلِمَ لم تفعل؟!
} (التحلل) من المال، مقبول في حالة شبهات غسيل الأموال، وتجارة السلاح، وعند فشل إثبات الاتهام لشخص يملك مثلاً (خمسمائة مليار جنيه) دون أن يثبت من أين حصل عليها، وفي ذات الوقت لم يُقيد ضده أي اتهام في جريمة اعتداء على مال عام أو سرقة مال خاص، كما يمكن تطبيق مادة (التحلل) من قانون الثراء ضد صاحب سلطة ونفوذ مثل حالة موظفي مكتب (الوالي)، ولكن بإضافة مواد (القانون الجنائي) للاتهام، وليس الاكتفاء بالتحلل وحده.
} قد يمتلك مواطن (مئات المليارات) من الجنيهات، ولا هو (مورد) ولا هو (مصدر) ولا صاحب (مصانع)، أو شركات، فثارت حول ماله تساؤلات، فوجب التحري معه تحت طائلة قانون الثراء الحرام (من أين لك هذا؟)، فإذا فشل في إثبات موارد ثروته الرئيسية، وفشلت النيابة في إدانته بجرائم اعتداء على مال (عام) أو (خاص)، فلم يكن موظفاً، ولا صاحب نفوذ، يجوز إعمال مادة (التحلل) من المال وإخلاء السبيل.
} (18) مليار أو مليون جنيه، ليست مبلغاً تافهاً ولا زهيداً، إذا تمت المقارنة بينه و(رداء) “صفوان بن أمية”..!!
} (رداء) يا عباد الله قطعوا فيه يد سارق بأمر سيد ولد آدم. ومحاكم العدالة الناجزة في زمن “المكاشفي” و”المهلاوي” إبان حكم الرئيس “نميري” قطعت يد محاسب مدرسة وادي سيدنا الثانوية في ثمانينيات القرن المنصرم لاعتدائه على بضع مئات من الجنيهات !
} قال.. (تحلل).. قال!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية