مهرجان للضحك..!
(من يضحك كثيراً يبكي كثيراً).. (أسمع كلام الببكيك وما تسمع كلام البضحكك).. هذه الأمثلة وغيرها ظلت تتهكم على الضحك الذي قد يعني ضمن سياقات هذه الأمثلة الإستهتار وعدم الجدية وربما الفوضى.. ولكن هذا لا ينفي في المقابل أنه الكائن الحي الوحيد الذي خصّه الخالق بالقدرة على الضحك، حيث كان لابدّ لهذا الإنسان أن يضحك، لأنه ربما يكون الأكثر تعرضاً للحزن والبكاء..!
ورغم قسوة الحياة ورتابة الزمن ظلّ الإنسان دائماً يسعى بإتجاه اختراع الضحك كي يخفف من تلك القسوة والرتابة، فكان دائماً بين الناس من هُم موهوبون فطرياً بإضحاك الناس من خلال النكات والقفشات التي يطلقونها و(الونسة) التي تتّسم بخفة الدم والظل..!
الفن أيضاً احتفى بالكوميديا واخترع منها أشكالاً مختلفة تبحث عن رسم الابتسامة على شفاه مَنْ يشاهدون العروض الكوميدية، رغم أن (الكوميديا) في الآونة الأخيرة اصطدمت بصعوبة قدرتها على الإضحاك بسبب تجهم وجوه النظارة وعدم مرونتهم في تمرير الأشكال الكوميدية والتفاعل معها، وهذا ما جعل المشتغلين بهذا الفن يبذلون جهداً خارقاً لانتزاع الضحكة من جمهور (محبط) إلى حد كبير بسبب ضغوطات الحياة، فيما يبرر آخرون الأمر برمي الكرة في ملعب (الكوميديا) نفسها لأنها كررت أنماط الضحك، وأصبحت قوالبها مستهلكة ومعروفة سلفاً بالنسبة لمنْ يتفرّجون عليها..!
وكانت تونس قد شهدت ذات عام مهرجاناً فريداً من نوعه اسمه (مهرجان الضحك، ووجد إقبالاً لافتاً من داخل تونس وخارجها، حيث حرص منظموه على تقديم (اسكتشات) ضاحكة وفواصل فكاهية، إضافة إلى معارض لصور الكاريكاتير وغيرها من الأطروحات التي يقف خلفها فنانون اشتهروا بقدرتهم على الإضحاك في زمن يرتفع فيه ثمن الضحك كثيراً.
مهرجان تونس للضحك ليس وحده الذي دشّن فعالياته متحديا الزمن العابس، فهناك مهرجان آخر للضحك أيضاً في إحدى الدول الغربية تمّ إطلاقه ويجد بدوره إقبالاً منقطع النظير.
وتعدد مثل هذه المهرجانات يثبت أن العالم قد أصبح (عابساً) و (بائساً) و (حزيناً)، على نحو يحتاج معه لمثل هذه المهرجانات التي تغسل روحه وتعيد إليها رونق الابتسامة والنضارة بدلاً من الاكتفاء بالوجبات ثقيلة الهضم التي تقدمها فضائيات العالم، وهي تنشر صور الحروب والمجاعات وأخبار الدمار والحصار الذي يضرب أجزاء كثيرة من العالم.
لماذا لا يتم اعتماد فكرة هذا المهرجان في السودان خاصة وأن لدينا الكثير من الفرق الكوميدية المتخصصة في هذه اللونية، كما أنّ لدينا الكثير من الأحزان والإحباطات وفي مختلف المجالات التي تحتاج إلى تكريرها عبر معمل الضحك.. مع ضرورة تحوير الفكرة لجعلها أكثر تلاؤماً مع البيئة السودانية، حتى لا تخرج عن الأعراف والذوق العام وتتحول إلى بوابة يدخل منها الفن السطحي والهابط والمبتذل.
صحيح أنّ هذه النوعية من المهرجانات لا تجد اعترافاً علمياً أو أكاديمياً، لأنه لا يوجد شيء اسمه (الضحك) وإنما هناك ما يعرف بالكوميديا التي هي واحدة من أشكال الدراما المعترف بها، مما قد يجعل الفكرة عرضة للانتقاد. وهنا يمكن طرح بديل آخر وهو عنونة المهرجان باسم (الكوميديا) وليس (الضحك).. فما يعنينا في نهاية الأمر هو إعطاء الضحك حقه من الحضور في حياتنا.. وليكن ضحكاً منضبطاً.. رغم أننا لا نعرف كيف يمكن تحقيق ذلك.. فالضحك هو الضحك..؟!.