تقارير

بين «صلاح ونسي» و«سبدرات» في قضية الأقطان!!

أعلنت القوات المسلحة الأسبوع الماضي كامل سيطرتها على المنطقة الشرقية من «جبال النوبة» واستعادة نحو (15) منطقة وقعت في قبضة متمردي الجيش الشعبي قطاع الشمال منذ ثلاث سنوات، وتبعاً لانتصارات القوات المسلحة في تلك المنطقة شديدة الحساسية قال قائد الفرقة الرابعة عشرة «كادقلي» إن نحو (400) من المسلحين التابعين لقطاع الشمال استسلموا في «محلية الرشاد».. وأعلن والي «جنوب كردفان» المهندس «آدم الفكي محمد الطيب» عن عودة طوعية لمواطنين مدنيين كانوا محتجزين في المناطق التي تسيطر عليها الحركة، وتمت استعادتها منهم مؤخراً، وإن جملة هؤلاء العائدين (8) آلاف أغلبهم من النساء والأطفال وكبار السن.. وبذلك نجحت عمليات الصيف الساخن التي نفذتها القوات المسلحة في «جبال النوبة» من السيطرة على «جبال أبو الحسن» و«تومي» و»أم درمان» وسلسلة «جبال رشاد الغربية» و«أبوكرشولا».. وتقهقرت الحركة الشعبية جنوباً نحو «هيبان» و«كاودة» وسلسلة «جبال المورو» و«العطورو» و«جبال لمونق»، وهي المناطق التي كانت تسيطر عليها الحركة منذ عام 1986م وحتى توقيع اتفاقية السلام في عام 2005م.. إلا أن تبعات اتفاقية السلام وأخطاء جسيمة للمؤتمر الوطني فيما بعد توقيع اتفاقية السلام، جعلت منطقة مملكة تقلي الإسلامية التي حينما ناهضت الانجليز وساندت الثورة المهدية من أجل الإسلام، كان أغلب السودان الحالي إما موالياً للمستعمر الانجليزي أو مستكيناً لواقع الاستعمار.. لكن منطقة «تقلي» قادت طلائع التحرر الأول.. مثلما قادت من بعد التحرر الثاني حينما وقفت مع الحزب (الاتحادي الديمقراطي) في كل الانتخابات الديمقراطية التي شهدتها البلاد.. وحينما جاءت الإنقاذ بشعاراتها الإسلامية الثورية.. حاربت قبائل تقلي من النوبة وحلفائهم العرب، التمرد بضراوة وبسالة حتى أضحت المنطقة عصية عليه.. وتضيء خلاوى القرآن في «أم مرح»، حيث مسيد الشيخ «أبو فلج» ظلام ليل جبال النوبة الطويل.. فما الذي جعل منطقة تقلي بكل هذا التاريخ المضيء والقيادات التي أفرزتها التجارب الوطنية، تدير ظهرها لتاريخها والمركز تنساق وراء دعاوى وشعارات رفعها بعض أبناء المنطقة؟؟ وهل تحرير المناطق التي كانت تسيطر عليها (الحركة الشعبية) والقضاء على مظهر التمرد العسكري يحل وينهي الأسباب التي أدت ببعض أبناء تقلي لحمل السلاح؟؟
لقد كان حرياً بالإنقاذ النظر لـ»منطقة تقلي» بمعزل عن محاصصاتها السياسية وتوازناتها داخل منطقة «جنوب كردفان»، ولم تجد المنطقة من جهة التمثيل في المركز إلا رئاسة لجنة في المجلس الوطني «الشيخ الجيلي عبد الرحيم رشاش»، وتقاصرت الهمة دون تمثيل المنطقة مركزياً بشخصية تحقق مقاصد الولاء وحسن الأداء.. وشأن «منطقة تقلي» التي تتكون من محليات «رشاد»، «أبو كرشولا»، «العباسية» و»أبو جبيهة» وكثير من مناطق السودان لم ينهض المشروع الاستراتيجي (الطريق الدائري) إلا بعد الفترة الانتقالية ودخول (الحركة الشعبية) في مساومات تاريخية مع المنطقة وترفيع الحركة لأحد أبناء تقلي «د. أحمد عبد الرحمن سعيد» في منصب وزير المالية، وطرق (الحركة الشعبية) بشدة على شعارات التهميش واستغلال أبناء المنطقة.
وفي ذات الوقت نشطت في «منطقة تقلي» صراعات إثنية مريرة بين مكونات المنطقة، حيث (استقوت) بعض مكونات تقلي بالحكومة وخاصة العناصر التي كانت تشكل (قوات الدفاع الشعبي) من القبائل العربية لتبدأ فوضى صراع بين المزارعين والرعاة في إعادة مقيتة لما حدث في «دارفور».. ولما كان غالب الرعاة في المنطقة من القبائل العربية، وغالب المزارعين من القبائل النوبية، فقد تحور الصراع إلى إثني ووقفت الدولة إما (متفرجاً) أو مراقباً ومعلقاً على الأحداث، ودفعت الحكومة في سياق موازناتها بمعتمدين ومحافظين يفتقرون إلى الكفاءة والنزاهة الأخلاقية، وبدلاً من فض النزاعات وبسط هيبة الدولة وإعمال القانون، حملوا معاول الهدم للقضاء على إرث تاريخي من التعايش في المنطقة.
ومن الأخطاء الفادحة التي ارتكبها (المؤتمر الوطني) في المنطقة إصراره الشديد في الانتخابات الأخيرة على ترشيح د. «الفاتح التجاني» القادم إليه من الحزب (الاتحادي الديمقراطي)، ووضع المتاريس والعراقيل في طريق مرشح أجمع عليه أهل «تقلي» ووجد السند والدعم حتى من ناظر عموم تقلي المك «جيلي»، ولكن رغبات الأهالي في ترشيح أحد أبناء الحركة الإسلامية المخلصين «نايل أحمد آدم» وتشويه صورته والادعاء كذباً بأن «د. الفاتح التجاني» هو مرشح المركز الوحيد.. فاقم ذلك من الاحتقان الشديد.. وحينما جرت الانتخابات التكميلية لمنصب الوالي تفاجأ مولانا «أحمد محمد هارون» مرشح (المؤتمر الوطني) بضعف الأصوات التي حصلت عليها حتى في الخلاوى ومناطق «سوق الجبل» و«تومي» و«أبو الحسن».
وبدأ تحريض (الحركة الشعبية) لأبناء «تقلي» بالصوت لاختيار (الحركة الشعبية).. واستغلت الحركة صراعات الرعاة والمزارعين حول الأرض وسلوك بعض القبائل العربية الذي يتنافى مع قيم الدين والتعايش (بأكل) حصاد المزارعين وعرق جبينهم في رابعة النهار الأغر، واعتبر كثير من أهلي «تقلي» الدولة (متواطئة) مع الجناة، وقد كشفت أحداث «أبو كرشولا» الوجه الآخر للأحقاد والضغائن التي غشيت النفوس وأفسدتها.. وقد مارس بعض أبناء «أبو كرشولا» من منسوبي (الحركة الشعبية) كل أنواع التشفي في من كانوا يقاسمونهم لقمة العيش ويشاركونهم نفير الزرع والحصاد.. ولولا وجود متمردي «دارفور» ضمن القوات التي دخلت «دارفور» لكانت التصفيات كبيرة والانتهاكات أكثر فظاعة.. حيث رفض بعض قيادات تلك الحركات السلوك المشين والتصفيات العشوائية للمدنيين ذلك ما جاء على لسان بعض الفارين من جحيم «أبو كرشولا» بعد احتلالها من قبل التمرد.. واليوم بعد تحرير كامل المنطقة من التمرد ثمة خطوات ينبغي القيام بها درءاً للفتنة ورسماً لطريق يفضي إلى مستقبل مشرق، فالقوات المسلحة أدت واجبها وحققت مقاصدها من عمليات الصيف وكسرت شوكة التمرد.. ليبدأ الآن الدور السياسي المنتظر للمركز والولاية لغسل أحزان الأمس وعقد مؤتمرات صلح ومصالحة، وقبل كل ذلك أن يبدأ العمل فوراً في الطريق الدائري (أم روابة الرشاد أبو جبيهة) بعد خروج الشركة الصينية ومغادرتها المنطقة بعد هجوم التمرد عليها في منطقة «المقرح» واختطاف عدد من المهندسين، الأمر يقتضي إرادة سياسية لبدء العمل في الطريق من خلال شركات وطنية.. وإنفاق مال من المركز لتعمير المناطق التي تم تحريرها من التمرد.. وتأمينها بسواعد أبنائها.. لأن ثقة الحكومة في أبناء تقلي تمثل الخطوة المنتظرة.. كما أن إشراك المنطقة في السلطة المركزية ضرورة قصوى، وهناك عشرات القيادات والرموز من الإسلاميين و(المؤتمر الوطني) يمكن الدفع بهم لتولي حقائب مركزية وزراء ووزراء دولة، وقد أشبعت الحكومة بعض المناطق الصغيرة بالوزارات، ولكن تقاصرت همتها عن النظرة الموضوعية لـ»منطقة تقلي»، وخلال الأسبوع الماضي انعقد مؤتمر لأهل تقتلي بمحلية «أبو كرشولا» أشرف عليه المعتمد «غريق كمبال»، وبكل أسف غاب عنه المركز والولاية رغم أهمية المؤتمر كخطوة استباقية متقدمة لإعادة لحمة المنطقة بعد طول تفرق وتمزق، انعقد المؤتمر في الفترة من 17 – 19 أبريل الجاري بحضور قائد المنطقة العسكرية ومدير الشرطة المحلية ومدير جهاز الأمن وقادة الإدارة الأهلية لقبائل «تقلي» من «البحر الأحمر» و«الجزيرة» و«سنار» وشمال كردفان (كادقلي – الدلنج وأبو جبيهة) و«الخرطوم» وقادة الإدارة الأهلية لقبائل (الحوازمة) و(البرنو) و(الهوسا) و(الداجو) و(البرقو) بـ«أبوكرشولا».. وقدمت في المؤتمر ثلاث أوراق عن تقلي الجغرافيا والتاريخ، ومرتكزات التعايش السلمي في تقلي، ورعاية الحقوق والواجبات.. وتقرر في المؤتمر أولاً: قبول الجلوس والصلح والتعايش السلمي مع مكونات المجتمع المحلية كافة وفتح صفحة جديدة، ثانياً: تطبيق سيادة حكم القانون، ثالثاً: تقوية الإدارة الأهلية ودعمها والاعتراف بها كضامن حقيقي لأمن المجتمع، رابعاً: تقنين حمل السلاح والحد من انتشاره ووضعه في أيدي القوات النظامية فقط، خامساً: إعادة هيكلة الدفاع الشعبي وتقنينه وتأهيله ووضعه تحت قيادة رشيدة وفقاً للقانون، سادساً: ترتيب العودة الطوعية للمواطنين المهاجرين في بقاع السودان كافة من قبائل تقلي، سابعاً: نبذ المسميات القبلية وإعلان «أبو كرشولا» مدينة للجميع.. وتضمنت التوصيات على الصعيد المحلي (28) توصية أهمها إعلان العفو عن حاملي السلاح وحث الأطراف التي تتفاوض نيابة عن أهل المنطقة بإيقاف الحرب فوراً.. ولكن من يقود سياسياً وتنفيذياً إنقاذ هذه المنطقة من شفا الهلاك بعد أن قامت القوات المسلحة بدورها في تأمين كل أصقاع وجبال منطقة تقلي، وقد تم يوم (الثلاثاء) الماضي تحرير «الظلطايا» و«تاجلبو» و»سرف فلاتة» و«تندمن».. وبذلك طوت القوات المسلحة صفحة التمرد العسكري الذي له أسبابه السياسية، وتلك هي الثغرة التي ينتظر من المركز والولاية النهوض بدورهما في سدها!!
تناقضات «سبدرات» و«صلاح ونسي»
مثلما خرج «زمراوي» للرأي العام منافحاً عن موقفه الشخصي من قضية التحكيم الفضيحة في فساد (شركة الأقطان) قال «عبد الباسط سبدرات» إن هناك حملة في قضية الأقطان تهدف لتفكيك الإنقاذ، وبدأ طرحه علناً لتبدأ المائدة بـ(شوربة سبدرات) وقد كان في الإنقاذ لعقدين من الزمان يشغل عدة وزارات وربما قريباً من صنع القرار.. «سبدرات» يلوذ بالسياسة في قضية فساد لا تحتاج إلا للنظر للمصلحة العامة.. وإذا كان الذين يدفعون بقضية الأقطان إلى المحاكم هم المتربصون بالإنقاذ والساعون لإسقاطها، فإن هؤلاء يقف في صفهم الأول المشير «عمر البشير» نفسه أول من وجه بإحالة المسؤولين في (شركة الأقطان) للتحقيق والمساءلة الجنائية، ولم يطلب تحكيماً ورفض مبدأ التسويات، ولكن «سبدرات» يقول في إفاداته لصحيفة (اليوم التالي): «هي حملة الدفتردار الانتقامية الجديدة تخلط الحق بالباطل وتمعن في الكيد بإثارة دخان كثيف يحجب الأبصار عن الرؤية الشرعية والحقيقية لقضية ما بحيث يصوب وحيداً على هدف يبعد كل الأنظار عن الهدف الحقيقي الذي يجب أن يصوب إليه السهم».. تلك فقرة من حديث أفاض فيه «سبدرات» المحامي.. وبدا الرجل غاضباً على وزير العدل مولانا «محمد بشارة دوسة» الذي يثبت كل يوم أنه وزير جدير بالاحترام والثقة، وقد خاض معركة تطهير حتى وزارة العدل من الفساد ولم ينحن لعاصفة نقد ولا تخرصات جهوية، وإذا كان «سبدرات» يعتبر الحديث عن قضية الفساد في (شركة الأقطان) قصد منه إسقاط النظام وتفكيكه، فإن أهم أسباب سقوط الأنظمة حماية الفساد والتستر على المفسدين وأكل أموال المواطنين بالباطل.. وعشية لقاء الرئيس بـ(نادي الهلال) في منزله بالقيادة العامة تحدثت إلى الأخ «صلاح ونسي» وزير رئاسة الجمهورية والقيادي النافذ في المؤتمر الوطني.. سألت الأستاذ «صلاح ونسي» في حديث خاص ليس للنشر الصحافي عن قضايا عديدة.. وكانت إجابات «صلاح ونسي» مدهشة بمعلوماته الغزيرة.. استأذنه فقط في نشر جزئية صغيرة من إجابته على سؤال وجهته إليه عن بعض المتهمين في قضايا الفساد وهم يزعمون بدعمهم للمؤتمر الوطني، فقال «صلاح» وقد استشاط غضباً: «شوف يا أخي نحن في الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني نعتبر الفساد جريمة يجب أن يعاقب مرتكبوها علناً في القضاء لا تستر ولا سترة ولا تقدير لتاريخ أو كسب، أنا داخل المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية منذ الثانوي العام أعرف أسراراً كثيرة جداً، هذا الحزب ليس فقيراً ولا محتاجاً لأموال (وسخانة).. (المؤتمر الوطني) يدعمه منسوبوه بالمال النظيف!! الأدعياء الفاسدون يجب محاكمتهم، وقضية الأقطان يفصل فيها القضاء فقط لا تسوية ولا عفو ولا تنازل عن الحق العام!! ومضى «صلاح ونسي» قائلاً: «الحركة الإسلامية نظيفة ولن تسمح لمن يرتدي ملابس ملطخة بالفساد الاتكاءة على حائطها»، شعرت بالرضا وتذكرت الشيخ «ونسي محمد خير» الفقير العابد الزاهد المعلم الذي على يديه تعلمنا الكثير وغاب عنا أكثر من علمه وأدبه وزهده.
وقد خرج من بيت «ونسي محمد خير» «صلاح» و«أحمد» و«أسامة» كوجوه قدمتها الإنقاذ.. وما بين حديث «صلاح ونسي» الذي يبث الطمأنينة في القلوب ويبقى الأمل في النفوس وحديث السيد «عبد الباسط سبدرات»، فوارق بعيدة ومسافات لا يمكن عبورها بالأقدام الحافية.. فالسيد «سبدرات» يعتبر مجرد إثارة قضية الأقطان وتحكيم الأقطان وفساد الأقطان استهداف صريح للإنقاذ ورموزها.. و«صلاح ونسي» يقف غاضباً على الادعاء القائل بأن رموز الإنقاذ والداعمين لـ(المؤتمر الوطني) ينبغي أن تتم حمايتهم وتحصينهم!!
تلك عجائب وغرائب بلادنا التي لا تنقضي!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية