مشكلة حلايب
من حين إلى آخر نسمع أن هناك مشكلة في حلايب ونسمع أن مصر قد أخذت مساحة من الأرض على حساب السودان ونتوقع اشتعال الحرب في اليوم التالي وتفاجأنا بأن الأمور تمضي عادية وأن الوزراء يلتقون في البلدين لمناقشة تطوير الاتصالات بين البلدين وعبر التجارة البرية كأن شيئاً لم يحدث وكأن الصحف تتحدث عن منطقة أخرى غير حلابيب ولا أعرف كيف يكون هناك حالة حرب وحالة سلم في نفس الوقت، لقد أثيرت هذه القضية من قبل عام 1956م، وكان الرئيس المصري آنذاك “جمال عبد الناصر” الذي صرح أكثر من مرة أنني لن أدخل في حرب مع السودان مهما حدث لأن السودان يمثل عمقنا الخلفي وأننا لن نجد بلداً غيرها يؤوينا إذا هجم علينا الأعداء، وهذا ما فعله السودان عام 67 لذا نقلت الكلية الحربية المصرية بكاملها وكامل معداتها إلى جبل أولياء وصرح “عبد الناصر” وقتها أنني أفضل أن أنسحب للسودان وأنا وثق أن السودان سيأويني ويحميني، لقد ظل الجيشان المصري والسوداني جيشاً واحدا طول الوقت وهنالك سودانيون وصلوا إلى رتب كبيرة في الجيش المصري وكان ربع الطيارين المصريين من السودانيين واستشهد العديد منهم أبنا الشاعر “محمود عبد الحي” اللذين قتلا في معارك وهما يدافعان عن مصر عقب تلك الحرب اعتدنا على المصريين وهم يتجولون في شوارع الخرطوم وهم يرتدون زي الكلية الحربية، ولم نشعر أنهم يحتلون أرضاً وعندما افتعلت تلك المشكلة بواسطة أمريكا وبريطانيا من أن جنود مصريين احتلوا حلايب بادر “عبد الناصر: أنني سأنسحب دون نقاش لأنني لن أحتل جزءً من السودان مهما حل وكان ذلك في 56 وماتت المشكلة في مهدها لأنه أساساً هناك مشكلة وحلايب هذه أرضاً صحراوية صخرية لا تصلح لإقامة أي مشاريع ولا حتى للسكن فيها هذه فقط كانت محطات للباخرة وقد تعمد الاستعمار عدم ربطها بطريق بري حتى لا يتواصل الشعبان وتتطور الحياة المدنية لأنه يعلم أن هذا لم يتم لما كانت هناك مشكلة أساساً حول منطقة صخرية كان ذلك في عهد “جمال عبد الناصر” الذي دعا لتوحيد العرب واحترم السودان والسودانيين لأنه عمل بينهم عندما كان ضابطاً صغيراً في الجيش المصري انتهت تلك المشكلة بكل بساطة عندما رفعت لمجلس الأمن فذهبت بريطانيا وأمريكا إلى مصر وقالت لها أن هذه المنطقة مصرية، ثم جاءت إلى السودان وقالت لهم أن هذه الأرض سودانية وهدفهم إشعال الحرب لأنهم كانوا يريدون محاصرة “عبد الناصر” ويبعدونه عنه الحلفاء وعن العمق الاستراتيجي في حالة قيام حرب مع إسرائيل. المشكلة الآن تنتهي بكل بساطة إذا رفعت إلى مجلس الأمن كما حدث في المرة السابقة ومجلس الأمن يحولها إلى المحكمة الدولية التي عليها الحكم بما تقوله الخرائط والوثائق لا كلام الشعراء فإذا كانت هذه الـ(15) كيلومترات تابعة للسودان لن ينازعنا المصريون لأنهم لم يستفيدوا شيئا من (15) كيلومتر من الرمل والصخور وإذا حكمت المحكمة بأن هذه الأرض مصرية فلن نستطيع المطالبة بها مهما صرخنا لأن المحكمة حكمت بها أنها غير سودانية فلماذا لم يدفع الأمر إلى مجلس الأمن كما حدث عام 56 وبهذا تنتهي المشكلة لأن حكم المحكمة نهائي ومن الذي يخشى حكم المحكمة الدولية.
إن أمريكا ملزمة قانونياً بتنفيذ أحكام المحكمة الدولية نحن في حاجة إلى حكمة “عبد الناصر” الذي أعلن انسحاب قواته من جانب واحد حتى قبل أن يصدر حكم المحكمة لأنه لا يريد التوتر مع السودان لأن مصر هي الخاسر في أي حرب مع السودان وأؤكد على أن مصر هي الخاسر في أي حرب مع السودان لأن تدمير السد العالي يعني أن تغمر كل مصر بارتفاع مترين ولا يبقى هناك زراعة ولا مشاريع زراعية ولا يبقى حلايب مصرية على استعداد لفقد كل ذلك لأجل كيلومترات من الصخور والرمال، فإن كان هناك مراهقون يدقون طبول الحرب يجب على العقلاء إيقافهم لأن هذه الحرب ليس في صالح أياً من البلدين ولا أنها ستوقف المشاريع المشتركة فهناك الآن مقترحات بتوصيل خط السكة حديد بين مصر والسودان مع استمرار خط الباخرة في الربط بين البلدين لتزدهر الحياة والزراعة ولا يجد أهل الفتنة مجالاً ولا أعرف ما الذي يؤخر ربط البلدين هل هناك شيء غير المؤامرة.