استفزاز..!!
كم هو مستفز؟! سؤال قد يعني النجاح بالنسبة لمن تطلق هذه العبارة حوله.. الاستفزاز أصبح مدرسة عند بعض الإعلاميين وخاصة مقدمي البرامج التلفازية ممن يبحثون عن (كارزما) قوية وإطلالة ساحرة.. فهؤلاء يتبنون منهج استفزاز ضيوف البرامج بامتياز ويغربلون أدمغتهم ويقلبون ذاكرتهم ضمن أسئلة ساخنة ومربكة تجعل (الضيف) يتصبب عرقاً، ولا يملك إلا أن يجيب على كل شيء وبمنتهى الجدية وربما بعيداً عن الدبلوماسية أو المراوغة والتلاعب بالمفردات.
غير أن البعض من اختصاصيي الإعلام يقولون إن ضيوف الشاشة ينبغي احترامهم أكثر وعدم إحراجهم ومفاجأتهم أو الإكثار من مقاطعتهم.. وهي مدرسة لا يبدو أن لها أنصاراً كثر هذه الأيام في ظل الماراثون الفضائي المحموم الذي يستلزم قدراً من الإثارة ومقداراً من البهارات الحارقة، ومذيعون ومقدمون للبرامج يجيدون فن الاستفزا..!.
الصحفي “مفيد فوزي” مثلاً يستفز ضيوف برامجه وخاصة (حديث المدينة) وهم ضيوف عادة من الوزن الثقيل.. فلا يتورع عن مواجهتهم بأسئلة حارقة تجعلك تشعر أن الضيف هو متهم وأن المضيف هو القاضي ، بل يذهب “مفيد فوزي” لأبعد من ذلك فيكون أحياناً الجلاد أيضاً.!.
وقد سألوا أحد ضيوف “مفيد” يوماً عن شعوره وهو يجري مقابلة معه فقال وبالحرف الواحد : أنا كنت (مخضوض).. فيما قال آخر : إنه مستفز لأبعد الحدود.. لكنه أضاف استفزاز محمود طبعاً.. يحاول أن يستنطق الضيف وأن يجذب المشاهد.!.
“مفيد فوزي” نجح في كسر الصورة النمطية للمذيع والتي كانت تتطلب )الوسامة( و )الأناقة( وربما بعض )الهدوء(.. فهو يعول على أشياء أخرى.. منها قوة الصوت والمنطق وسخونة السؤال وارتفاع طقس الحوار.. لكن يعيب عليه البعض (المقاطعة) و(التطويل في الكلام).!.
أما “فيصل القاسم” في اتجاهه المعاكس بقناة الجزيرة فهو (مستفز من نوع آخر) يذكرنا بلعبة (المديدة الحارة) وكشح الرملة في وجوه المتخاصمين.. ويستطيع” القاسم “أن ينفخ في بالونة الاستفزاز للدرجة التي تجعلها (تطرشك) وترعب ضيوف الاستديو والمشاهدين على حد سواء.. وإذا كان المراقبون قد انقسموا واختلفوا حول طريقة تقديم (الاتجاه المعاكس) فإن ذلك لا ينفي نسبة المشاهدة الكبيرة التي ظل يحظى بها البرنامج رغم حالة (الاستفزاز) العالية التي يمارسها مقدمه وتصيب ضيوفه بـ(هستريا الصراخ في وجه الآخر).. وهو صراخ لا نفهم معه شيئاً من مضمون الحوار.. لكنه قد (ينفس) عن البعض.!.
مدرسة )الاستفزاز) الإعلامية يعيبها (المصطلح) نفسه.. وإن كان تداوله وإقحامه في الخطاب اليومي جعله مقبولاً.. فهناك من يتحدث الآن وبكل أريحية عن (استفزاز المشاعر) بوصفها مسألة إيجابية ويعلق كثيرون بالقول استفزتني القصيدة.. أو الرواية.. أو المقال.. في حين أن مفردة الاستفزاز كانت تعني (المساس) ولو بقدر ما من الشخص الذي أمامك.. خاصة حينما يكون ضيفاً على )مش حتقدر تغمض عينيك( والفضائيات الأخرى.!.