تقارير

(كيف يحكم السودان ؟) .. كتاب «الساعوري» والتحذير من السلاح مع مدخل الديمقراطية الرابعة

ربما لم يكن مصادفة توقيت الدعوة التي أطلقها الرئيس «عمر البشير» بشأن الحوار والوفاق الوطني، مع إطلاق الكاتب الإسلامي والمحلل السياسي البروفيسور «حسن على الساعوري» لكتابه الذي حمل اسم (حوار النخب والسلطان حول كيف يُحكم السودان)، الذي أثار جدلاً واسعاً بين عدد من المشاركين في الندوة التي أقيمت بجامعة أم درمان الإسلامية وخصصت لمناقشة الكتاب، والتي شارك فيها لأول مرة القيادي في الحزب الشيوعي وعضو اللجنة المركزية «صديق يوسف» الذي وطئت قدماه ربما لأول مرة الجامعة الإسلامية، بجانب مشاركة عدد من عمداء الكليات والباحثين في الجامعات السودانية للبحث عن الإجابة التي طرحها سؤال الكاتب وما تزال تؤرق البلاد.
ابتدر مدير جامعة أم درمان الإسلامية الدكتور «حسن عباس حسن»، الحديث، حيث قال إن هناك تحديات كثيرة تجابه السودان حيث لم ينعم منذ استقلاله إلا لفترات بسيطة، وقال إنه لا يمكن لأمة أن تستقر وتتقدم وهي تحترب، مضيفاً إن في مثل هذه اللقاءات تعرض الموضوعات بشيء من العلمية والموضوعية، وعدّ كتاب «الساعوري» بأنه يمثل طريقاً لكيفية حكم السودان، ويضيف إن السودان ابتلي بكثير من النزاعات، وإن المخرج هو بالاعتصام بحبل الله حتى يتوصل فرقاء السودان إلى وفاق يحقق الرفاهية للشعب السوداني.
ويرى مدير الجامعة أن مبادرة الرئيس «عمر البشير» في أن يتحاور مع القوى السياسية هو المنهج الذي نريد أن يصل إلى نهاياته، ويعدّ مشكلات السودان تكمن في الآفة السياسية ووجود نوع من الحقد والكراهية وهذا واضح في التعبير عن الرأي، لكن الحل يكمن في التسامح.. ويختم حديثه بأن السودان إذا ما انهار يكون كل السودانيين في مركب واحد، والكل مسؤول، وليس هناك شخص مستثنى، وأن بقاء السودان واستمراره من عدمه يعتمد على الجميع ويحتاج إلى إرادة حقيقية للوصول إلى حلول للمشكلات السودانية، وأن ما ينقص السودانيين هو توفر الإرادة، وينصح بعدم تضييع الوقت، وقال: (نخشى أن نكون كما نؤذن في مالطا)، وتمنى أن يشهد السودان هذا العام نهاية مشاكله والتوصل إلى تسوية وصيغة حول كيف يُحكم السودان.
بدوره قال البروفيسور «حسن علي الساعوري» إن التوقيت الذي أطلق فيه كتابه مع دعوة مبادرة الرئيس «عمر البشير» للحوار والوفاق الوطني لم يكن مدبراً، وإنما الصدفة وحدها هي التي جاءت بتزامن الحدثين، واستعرض «الساعوري» في كتابه التجارب التي مر بها حكم السودان منذ فترة الاستقلال، متعرضاً للتجارب العسكرية الثلاث الفاشلة التي مرت على حكم السودان، عادّاً سفره وكتابه محاولة للإجابة عن سؤال: كيف يحكم السودان؟ مستنداً في حيثيات الكتاب إلى تجارب عايشها بنفسه ونتائج توصل إليها، بجانب مراقبته للأحداث التي شهدها السودان، حيث يقول إنه حاول الالتزام بالموضوعية.
ويرى «الساعوري» في كتابه أن النظام الأمثل لحكم السودان هو النظام الديمقراطي، ولطالما أن النظم الديمقراطية على قلتها إبان الفترة الماضية اغتيلت بواسطة رجال الحركة الوطنية، ويذهب في تحليله إلى أن الشخصية السودانية لا قابلية عندها للقهر وهي ترفض القهر أياً كان مصدره سواء من الحكام أو القوى السياسية، ويشير الكاتب إلى حدوث تعثر في تجربة السلوك الديمقراطي داخل المؤسسات الحزبية ومنظمات المجتمع المدني، ويمضي إلى أبعد من ذلك، حيث يقول إن الأحزاب السياسية نشأت على طوائف دينية وعلى الولاء الطائفي، كما سمّاها (ديمقراطية الطائفية).. ولم ينجُ من انتقاده حتى الحزب الشيوعي والحركة الإسلامية التي أطلق عليها أحزاب الصفوة، ويخلص إلى أن حتى حكومة الإنقاذ توصلت إلى قناعات بأن الشعب السوداني لا يمكن أن يحكم بالقهر.
ويرى «الساعوري» أنه حتى حال التوصل إلى اتفاق بشأن الحوار الوطني الحالي مع الأحزاب سيكون اتفاق صفوة وليس اتفاق قواعد، باعتبار أن الكيد السياسي هو النمط السائد الذي يقود إلى عدم الاعتراف بالآخر، ويشير إلى أن غياب منهج التسويات بين الأحزاب السياسية هو الذي يعمق خلافاتها، وتوصل إلى حلول في كتابه يمكن أن تُخرج السودان من أزماته الحالية، واقترح أن يتم اتفاق بين القوى السياسية على ديمقراطية سودانية، وأن القوى السياسية يجب أن ترعوي للتجارب الفاشلة التي لحقت بالسودان خلال الحقب الماضية، بجانب تخفيف حدة الصراع الممتد بين الأحزاب السياسية على مدار (60) عاماً حتى الوصول إلى نقطة قريبة من الصفر في الصراع، كما يحذر «الساعوري» من أن السلاح بات في يد أية مجموعة وأُدخل في العملية السياسية، لذلك لابد من التوصل إلى تسوية، وضرورة التوصل إلى نظام يستوعب ولا يقصي الآخرين، ويستوعب الأحزاب في الحكم جميعها عبر نظام سياسي يشارك فيه الجميع، ويحذر «الساعوري» أيضاً من سقوط الديمقراطية الرابعة حال دخول السلاح في قلب العملية السياسية، كما اقترح أن يكون النظام الانتخابي المقبل على التمثيل النسبي القومي، وإنشاء قائمة جذابة تخاطب الناخب السوداني، فضلاً عن إعادة تشكيل الأحزاب من جديد، كما اقترح نظام (العتبة) للدخول للحكومة.
عميد كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم الدكتور «حسن محمد علي» في تعليقه على كتاب «الساعوري»، يرى أن الحكومات دائماً تكون في حالة ضعف وليست لديها القدرة على تقديم الخدمات، واستند إلى دراسة أجريت على عدد من الدول العربية والأفريقية توصلت إلى أن هذه الدول ليست قوية رغم أن الأنظمة التي تحكمها تكون قائمة على نظام أمني قابض وباطش، ويخلص إلى أن الدول القوية هي التي تقدم الخدمات لرعاياها ومواطنيها، ويرى أن قوى المجتمع دائماً ما تكون أقوى من الحكومات، ويقول إن الحركات التي تحمل السلاح حالياً لديها تظلمات ضد الحكومة المركزية (لذلك لابد من إعادة النظر في الدور الذي تقوم به الحكومة).
القيادي في الحزب الشيوعي وعضو اللجنة المركزية «صديق يوسف»، الذي لبى الدعوة يقول خلال مداخلته وتعليقه على الندوة إن الأزمة السودانية الأساسية تكمن في كيف يحكم السودان وليس من الذي يحكم، ويرى أن هنالك ثلاثة مقترحات وأهداف للخروج من المأزق السوداني الحالي، تتمثل في عقد مؤتمرات متخصصة لدراسة جميع قضايا السودان المختلفة، بجانب عقد مؤتمر جامع لا يعزل فيه أحد، والوصول إلى اتفاق طويل الأمد عبر خطة عشرية أو عشرينية تصير خارطة طريق يلتزم بها الجميع، ويضيف إن مسألة التمثيل النسبي خلال الانتخابات المقبلة تجد من حزبه التأييد الكامل، قبل أن يعلن موافقة الحزب الشيوعي على مبدأ الحوار مع النظام، لكنه يتحفظ على إدارته.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية