في رحيل «محمد داؤود الـخليفة»
رحل فجر (الخميس) 10 أبريل 2014م، ووُري الثرى بمقابر “أحمد شرفي” بأم درمان الرمز الوطني الكبير – رحمه الله – “محمد داؤود الخليفة” حفيد الخليفة “عبد الله التعايشي” ورجل الإدارة والسياسة والعلاقات الاجتماعية. فهو من جيل مؤتمر الخريجين والاستقلال ومن عاصروا مرحلة السودنة، وعمل في إطارها بعد أن تخرج في كلية الزراعة ثم طاف البلاد عاملاً في مجال الزراعة والإدارة حتى ولج باب السياسة، ومن ثم صار وزيراً للحكومة المحلية ووزير دولة للدفاع، كما تمتع بعضوية المجالس التشريعية ولجانها المتخصصة التي دخلها بادئ الأمر انتخابياً إثر منافسه حامية على إحدى الدوائر منحازاً إلى جانب السيد الإمام “الهادي المهدي” بعد انقسام الحزب والبيت المهدوي في إثر ما قيل إنه رفضٌ للجمع بين (القداسة والسياسة).
الراحل العزيز الذي أسس البنك الزراعي السوداني مع وزير المالية الأول السيد “حماد توفيق” والذي أصبح رئيساً لعدد آخر من المرافق الصناعية والمصرفين والخيرية، وكان له إفطار (الجمعة) المشهور الذي يقيمه في داره للأصدقاء والإخوان والمعارف والأصهار شأن آخرين من أبناء جيله، فهو رب وعميد أسرة الخليفة “عبد الله” والقطب الأنصاري المتسامح والوسطي المعروف بنضاله – رحمه الله وغفر له.
ومن باب التسامح والنضال والوسطية عرفناه نحن الشباب يومئذ في المعتقل السياسي بسجن كوبر بالخرطوم بحري في مستهل سبعينيات القرن الماضي عندما كانت ثورة 25 مايو 1969م في بداية عهدها ويغلب عليها الطابع اليساري الذي استهدف كيان الأنصار وعاصمته الجزيرة أبا، والتيار الإسلامي بالضرورة الذي كنا بعض من يمثلونه.
وفي أبا كان الإمام “الهادي المهدي” قد (تمترس) في معية أنصاره مما جعل السلطة يومئذ تستهدفه وتستهدف أتباعه وصولاً إلى اغتياله عند الحدود الحبشية، ومطاردة كل الأنصار في الداخل رموزاً وأتباعاً.. وبغض النظر عما قلنا عليه من قبل الانقسام في الحزب والكيان جراء ما قيل إنه (الجمع بين القداسة والسياسة) فالسلطة المايوية لم تفرق بين الاثنين.
وما نحن بصدده هنا وقد رحل وفارقنا العزيز والرمز الوطني والأنصاري والخبرة الإدارية “محمد داؤود الخليفة” نعود إلى سيرة الرجل التي جعلتنا نتقرب إليه أكثر ونتعرف عليه في المعتقل بسجن كوبر الذي مكث فيه أكثر من عامين، كما قال لهذه الصحيفة قبل رحيله وكما قاسمناه القسم الأكبر منها (ثمانية عشرة شهراً) تزيد قليلاً.
لقد كان “محمد داؤود” مستودع معلومات وخبرة وشخصية سياسية سودانية وسطية ومنفتحة على الآخر، ونحسب أن هذا ما جعله ينسى الضغائن والأحقاد ويعمل للمصلحة العامة وبها متى ما كان ذلك متاحاً، وهذا أيضاً ما لمسته وعرفته في مجالات أخرى شاركته العمل فيها وهي مجالات السياسة والتشريع والثقافة والصحافة بطبيعة الحال التي عملت فيها لسنوات طويلة وهي نافذة لها ما لها في الوصول إلى المجتمع ورموزه.
وغير هذا كله والموت نقاد يعجل بالأخيار عرفت الراحل “محمد داؤود الخليفة” في (اتحاد خريجي الأحفاد) الذي جمعني به رغم اختلاف السن والمراحل الدراسية ليعمق الصلة بيننا ويجعلني أخف إلى أداء العزاء فيه والترحم عليه في داره، وإن لم أدرك مراسم تشييع جثمانه ومواراته الثرى في مقابر “أحمد شرفي” حيث لابد أن هناك من ذكره بخير وهو أهل له.
ألا رحم الله “محمد داؤود الخليفة عبد الله” وأسكنه فسيح جناته وألهم آله وذويه الصبر وعزى وطنه وعارفي فضله فيه.. آمين.