المراجع العام حينما يكشف عن انحراف حقوق الفقراء إلى غير مستحقيها!!
(لو رأيت فقيراً في بلاد المسلمين فاعلم أن هناك غنياً استولى على ماله).. تلك المقولة تعود إلى الشيخ “الشعراوي” رحمه الله، كما أن سيدنا “عمر بن عبد العزيز” رضي الله عنه كتب إلى “أبي بكر بن حزم”: (أن أدق قلمك وقارب بين أسطرك فإني أكره أن أخرج من أموال المسلمين ما لا ينتفعون به). تلك المقدمة نسوقها بعد إثبات تقرير المراجع العام لوقوع تجاوزات مالية وإدارية خطيرة بوزارة الرعاية والضمان الاجتماعي الاتحادية وعدد من وزارات الشؤون الاجتماعية ببعض الولايات في مشروع الدعم الاجتماعي للأسر الفقيرة والشرائح الضعيفة.
التقرير التفصيلي للمراجع القومي لجمهورية السودان الذي حصلت عليه (المجهر) أزاح النقاب عن مخالفات كبيرة قامت بها تلك الوزارات في أوجه صرف المبالغ المخصصة لدعم الفقراء والمعاقين. وأقر بأن المشروع استهدف تقديم الدعم لعدد (400) ألف أسرة بنهاية العام 2013م إلا أنه تم فعلياً دعم (89,479) أسرة فقط بنسبة (22%) من المستهدف. وطالب التقرير بإجراء تحقيقات فورية لتحديد المسؤولين عن الانحرافات المالية بالمشروع وتقديمهم للمحاسبة.
بداية قصة
تم إنشاء المشروع بحسب توجيهات رئيس الجمهورية لوزارة الرعاية وخصص له مبلغ (125) مليار جنيه (بالقديم) من الميزانية العامة للدولة لرعاية الأسر الفقيرة لمدة ثلاث سنوات في الفترة من (27 يونيو 2011 حتي 25 سبتمبر 2013) للمساهمة في تخفيض نسبة الفقر في البلاد لتصل إلى (10%) بحلول العام 2014م، ووقّعت الوزارة مذكرة تفاهم ثلاثية الأطراف لتنفيذ المشروع تشمل الوزارة وديوان الزكاة ومصرف الادخار تم خلالها تحديد مهام ومسؤولية كل جهة.
فئات مستهدفة
بلغ عدد الأسر الفقيرة (2,291,789) أسرة تم استهداف (97,763) أسرة بنسبة (4%) من جملة الأسر بينما وصل عدد الأسر الأشد فقراً (330,703) أسرة بنسبة (14%) (كأولى الفئات المستهدفة)، وقامت الوزارة باعتماد هذه الكشوفات لإرسالها إلى مصرف الادخار توطئة للصرف.
تخصيص مبالغ
قامت وزارة المالية بتحويل مبلغ (125) مليار جنيه (بالقديم) إلى بنك السودان بينها (80) مليون جنيه بالحساب رقم (6919) باسم الدعم الاجتماعي للأسر الفقيرة خارج الحساب الرئيسي للوزارة، ومبلغ (35) مليون جنيه لشريحة ذوي الإعاقة ومبلغ (10) ملايين جنيه لمشروعات الدعم الاجتماعي وردت بالحساب الرئيسي للوزارة ببنك السودان. قدمت وزارة الرعاية خطاباً للمالية للموافقة على طلب بتحويل مبلغ الـ(80) مليون من حساب بنك السودان إلى حساب رقم (150) بمصرف الادخار إلى جانب طلب مماثل بتحويل مبلغ (45) مليون جنيه المخصص للمعاقين ومشاريع الدعم إلى ذات رقم الحساب (150) وتمت الموافقة بالتحويل. واعتبر المراجع الخطوة مخالفة للقانون في المادة (1/23) من قانون الإجراءات المالية والمحاسبية لسنة 2007م ومخالف للموجهات الصادرة بموازنة الأعوام (2011ــ2012ــ2013).
ضعف رقابة بالوزارة
أقر المراجع باطلاع فرق المراجعة على خطابات ومذكرات بتوقيع وزير الرعاية والضمان الاجتماعي صادرة مباشرة إلى مدير بنك الادخار اتضح خلالها أن جملة المصروفات على المشروع بلغت (125) مليار (بالقديم)، إلا أن المراجع أكد أنه لم يطلع على أي دورة مستندية لحركة صرف تلك المبالغ، كما أنها لم ترصد دفترياً بالوزارة وإنما تم الاطلاع عليها بموجب المستندات الخاصة بالبنك مما يؤكد ضعف الرقابة الداخلية بالوزارة على مصروفات الفقراء والغياب التام للمراجعة الداخلية.
استثمار أموال
كشف التقرير أن كشوفات أسماء المستحقين بالمركز والولايات والتي تم التصديق عليها من قبل وزارة الرعاية تضمنت أخطاء فادحة ضاعت بسببها حقوق (11,969) أسرة فقيرة لم يتمكنوا من صرف استحقاقاتهم طوال الفترة المذكورة حيث وردت في القائمة أسماء لأسر ميسورة الحال وأسماء لموظفين بالدولة أفراداً وشباباً يستطيعون العمل بجانب أسماء لمتوفين وأسماء لأطفال قصر وأخرى غير موجودة أصلا وأسماء مكررة، وبلغ حجم المبالغ المخصصة لهم (9,575,200) جنيه قامت رئاسة الوزارة بتحويلها كمرتجعات إلى وزارات الشؤون الاجتماعية بالولايات دون تحديد أوجه صرف لها (عدا ولاية الخرطوم في الوجبة المدرسية). وأفصح التقرير أن المبالغ المشار إليها ظلت طيلة (8) أشهر كأرصدة متراكمة في بنك الادخار مما أدى إلى استفادة بنك الادخار منها واستثمارها في تمويل فروعه، بجانب وجود أرصدة متراكمة لمدة (23) شهراً بمبلغ (16,8) مليون جنيه.
مخالفات ولائية
أشار التقرير إلى أن وزارة الرعاية أصدرت توجيهات (شفهية) للوزارات المختصة بالولايات لصرف المبالغ المخصصة للمشروع، وثبت من خلال المراجعة أن معظم المبالغ صرفت في غير الأوجه المخصصة لها في دعم الفقراء. وأعلن عن تجاوزات كبيرة بوزارة الشؤون الاجتماعية بولاية جنوب دارفور، مشيراً إلى أن (98%) من المبلغ المحول والبالغ (938,400) جنيه تم صرفه في تسيير الوزارة بدلاً عن صرفه على الأسر الفقيرة. ولفت إلى مخالفة وزارة الشؤون الاجتماعية بولاية شمال كردفان بتحويلها مبلغ (772,800) جنيه للتمويل الأصغر بحساب وزارة المالية من جملة (1,039,200) جنيه لدعم الفقراء، فضلاً عن أن الوزارة قامت بتحويل مبلغ (469,395) جنيهاً لعدد من الوزارات الولائية لمقابلة مصروفات لاعلاقة لها بأهداف المشروع. ونوه التقرير إلى أن الوزارة أكدت تحويل مبلغ (1,604,924) جنيهاً لولايات مختلفة لتنفيذ مشاريع مياه إلا أن المراجعة لم تطلع على أي مستندات تؤيد أو تؤكد تنفيذها.
أموال المعاقين
وذكر المراجع أن المبلغ المخصص للمعاقين (35) مليون جنيه لم يصرفوا منها خلال السنوات الثلاث سوى (3,531,647) مليون جنيه فقط لصالح المعاقين والأطراف الصناعية منها (1,8) مليون جنيه لشراء منزل و(1,7) مليون كتسيير لمكاتب المعاقين.
مصروفات وزارية
كشف تقرير المراجع عن قيام رئاسة وزارة الضمان الاجتماعي بتحويل مبلغ (3,596,167) جنيه للحساب رقم (3141) وهو حساب خارج حسابات الوزارة صرفت منه الوزارة مبلغ (438,698.81) جنيهاً لتسيير عملها (للسلع والخدمات) الأمر الذي اعتبره مخالفاً للقانون بجانب صرف (3) ملايين جنيه لدعم أفراد ومساهمات وجمعيات خيرية ومنظمات مجتمع مدني. وأقر المراجع بأن المبالغ صرفت لغير الأوجه التي حددت لها في دعم الفقراء، موضحاً بأن تلك الجهات تدعم مباشرة من المالية، وافصح التقرير ان الوزارة سددت مبلغ (11,5) مليون جنيه كمساهمة في رؤوس أموال لبعض الجهات منها (10) ملايين جنيه لبنك الادخار و(1) مليون جنيه لمؤسسة الأيادي النسوية و(0,5) مليون جنيه لمؤسسة الكفاية للتمويل الأصغر. وأكد أن الإجراء المذكور مخالف للمادة (15) من قانون الإجراءات المالية لسنة 2007م والتي تنص على (على الرغم من إحكام قانون الشركات لسنة 1925م أو أي قانون يحل محله لا يجوز لأي من أجهزة الدولة إنشاء أي شركة أو هيئة أو صندوق أو المساهمة في أي منها إلا بموافقة وزير المالية)، كما أن المبالغ المحولة من المالية لم يكن من ضمنها المساهمة في رؤوس أموال تلك الجهات. وأشار التقرير إلى أن الوزارة دخلت في سداد قرض حسن وودائع استثمارية مما يعد مخالفة لقانون الإجراءات المالية.
إخفاق وقصور
أقر المراجع بعدم العدالة في توزيع الحصص على المحليات للأسر المستهدفة وأشار إلى أن لجان الزكاة القاعدية أخفقت في الحصر الميداني، بجانب أن توزيع المستفيدين على فروع الادخار لفتح حسابات تم دون مراعاة السكن. وأكد المراجع تعدد أوجه القصور في المشروع وارتكاب الوزارة مخالفات متعددة وإخفاقها في القيام بدورها مالياً وإدارياً وفنياً. وشدد على ضرورة التحقيق واتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيح كشوفات الأسماء وإيصال الدعم لمستحقيه واستخراج بطاقات إلكترونية للمستحقين لتسهيل الصرف وإلزام وزارة الرعاية الاتحادية والوزارات الولائية بتقديم مستندات تؤكد صرفهم للمبالغ المتعلقة بالمشروع واسترداد الأموال المدفوعة للمساهمة في رؤوس الأموال للجهات المذكورة سابقاً.