فقر وتسول وتشرد و(تبديد أموال) !!!
أتحسر جداً عندما أجد عدداً كبيراً من الأطفال يجوبون شوارع الخرطوم، منهم من يمد يده إليك لكي تعطيه وآخرون يحملون (فوط) في أيديهم لمسح الغبار عن المركبات جراء دراهم معدودة تعطى إليهم نظير هذا العمل أو لا تعطى وآخرون يفترشون الأرض ليلاً بعد عناء طويل واجتهاد من أجل توفير جنيهات مقابل أن يسد الرمق.
إنها صورة مدهشة حقاً تظل ثابتة يومياً في شوارع الخرطوم لتفرض هذه الصورة المتكررة مليون سؤال.. أين أسر هؤلاء الأطفال ؟؟ ولماذا تركوا الدراسة ليصبحوا متسولين وأولاد شوارع ينومون في الشارع ؟؟ وهل هؤلاء الأطفال من ورائهم جهات كثيرة لتأخذ منهم التحصيل اليومي وتعطيهم الفتات؟؟
الأمر جد محير للغاية !!!!
وقد تلاحظ خلال الفترة الأخيرة ازدياد أعداد المتسولين والمتشردين من الأطفال الذين يجبرونك أن تعطيهم بعد أن يكرروا كلاماً كثيراً مفاده أنه يتيم وأنه ليس بإمكانه الآن أن يتناول وجبة الإفطار وأن لديه إخواناً صغاراً بحاجة إلى من يكفلهم وهكذا، الأمر الذي يجبرك أن تعطي حتى وإن كانت الرواية كاذبة وقد تكون كاذبة في كثير من الأحيان.
والأغرب من ذلك أطفال الليل وقد كتبت في مساحة سابقة أن شارع المطار يعج بالأطفال ليلاً يقفون في (الاستوبات) وقد شاهدت ذلك بأم عيني وأنا في طريقي للمنزل بعد مشاركتنا لإحدى مناسبات العائلة.. الأطفال موزعون في شارع المطار بعد منتصف الليل وأكبرهم سناً لا يتجاوز عمره (10) سنوات.
ما دور وزارة الرعاية في هذا الأمر؟؟ لماذا لا تعالج هذه المشاكل؟؟ نعم مشاكل المتسولين والمتشردين كثيرة ولكن يجب أن تحل بأضعف الإيمان ونحن دولة الإسلام والتكافل والتعاضد.. قد نجد من بين هؤلاء المتسولين والمتشردين أناساً أحبوا هذه المهنة ولا نستطيع بين يوم وليلة أن نغير اتجاهاتهم ولكن بالتدرج وإيوائهم في معسكرات نزرع فيهم الدين الإسلامي وتعاليمه السمحة في دواخلهم .. نعلمهم الصلاة ونقول لهم إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.. نعلمهم بأن رسولنا الكريم صلوات الله عليه وسلامه قال (يأتى السائل يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم).. ونذكرهم كذلك أن نبي الله داؤود كان يأكل من عمل يده وهكذا .. فلماذا إذن نسأل الناس أعطونا أو منعونا ؟؟
الدين وتعاليمه السمحة هي المخرج الوحيد لهؤلاء.. هؤلاء الذين عشقوا المهنة و يجب هنا أن نسميها مهنة.
فهل يا ترى أن الفقر وراء هذه المشاكل ؟؟ وإذا كان الفقر وراء هذه المشاكل فيجب توفير المهن لهم.
أيضاً هنالك أسر كثيرة جداً خرج أطفالها للعمل وتركوا الدراسة.. فهؤلاء بالطبع ليسوا كالمتسولين والمتشردين.. هؤلاء تركوا الدراسة لأن أسرهم لا تستطيع توفير المتطلبات في ظل الظروف الاقتصادية المعروفة.
هذه مشكلة لا تقل كثيراً عن المشاكل الاجتماعية الأخرى التي يعاني منها مجتمعنا فقط الفرق بين هؤلاء أنهم لم يتسولوا ولم يتشردوا ولكنهم انخرطوا في العمل الشاق الذي لا يناسب بنيتهم الضعيفة.
وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي عليها معالجة هذه الظواهر حتى وإن اضطرت لتقديم دعم شهري لهذه الأسر مع مجانية التعليم والصحة فبدلاً من تبديد أموال الفقراء في أشياء لا علاقة لها بالفقراء، فدونكم إفادات المراجع العام التي نشرت في (المجهر) أمس التي كشف فيها عن تجاوزات في أموال مشروع الدعم الاجتماعي للأسر الفقيرة.
فنبدأ أولاً بمعالجة هذه السلبيات في التجاوزات ومن ثم نعرج على معالجة الظواهر السالبة في مجتمعنا والتي غيرت من صورته تماماً.