الحزب الشيوعي وتناقضاته
حفل الأسبوع الماضي والحوار الوطني هو سيد الموقف في الحراك السياسي وما التأم حوله من شبه إجماع على مخرجات لقاء (الأحد)، كان الحزب الشيوعي السوداني أكثر اضطراباً من غيره في مواقفه من الحوار. وهذا هو تقريباً شأن الحزب بعد رحيل زعيميه العاقلين الأكثر مقبولية في حزبهما والمجتمع السياسي بشكل عام، وهما “عبد الخالق محجوب” و”محمد إبراهيم نقد” رحمهما الله.
ونؤسس ما دعوناه تناقضاً أو اضطراباً في المواقف على ما رشح من أكبر الرموز في الحزب من خلال الصحف الصادرة آخر الأسبوع الماضي.
ففي صحيفة (المجهر السياسي) التي بين بيدي القارئ الآن والتي استضافت يوم (الخميس) الماضي السيد “يوسف حسين” الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي، كان من يطالع ذلك اللقاء ينتهي إلى أن الحزب التاريخي والمعروف في الداخل والخارج قد صار بلا هوية أو أسلوب يخاطب به الآخرين والشأن العام والقومي بصفة خاصة.
وأحيل القارئ إلى هنا إلى بعض ما جاء في الحوار الصحفي مع السيد الناطق الرسمي حول الحوار الوطني ومخرجات لقاء (الأحد) المشهور الذي لم يغب عنه سوى الشيوعي وحلفائه والذي صار شغل الساحة السياسية الشاغل ذلك أنه خريطة طريق للخروج بالبلاد من أزماتها.
الناطق الرسمي للحزب قال:
– ما يفعله المؤتمر الوطني (استكراد)
و(ضحك على الدقون..!)
– الوطني عايز يخم الناس!!
فبأسلوبه هذا – وهو غير مقبول أو لائق البتة ويخرج بالموضوع القومي المهم من سياقه وحقيقة التفاف أكثر من ثمانين حزباً وطنياً ومنها أحزاب لها وزنها وتاريخها وسمعتها حوله، يجعل حزبه الشيوعي السوداني غير معني بالشأن القومي. وإنما كل ما يهمه ما يحمله بين جنبيه وفي أجندته ضد النظام الحاكم وحزبه الذي هو أحد تلك الأحزاب الثمانين وغيرها مما ينتظر منه الخروج بالبلاد من أزماتها.
الناطق الرسمي بعد أن حاول أن يخرج من أسلوبه إياه قال وأضاف مرة أخرى:
– ما جاء في الملتقى (مساء الأحد) محاولة للالتفاف حول مطلوبات الحوار.
فالحوار بتقديره والحال كما يراه لا يستحق النظر إليه فضلاً عن التعامل والتفاعل معه..
لكن.. وقد قال الناطق الرسمي للحزب ما قال.. أسلوباً ومقاصد ومعاني نجده من زاوية أخرى يتناقض مع ما أدلى به السيد “محمد مختار الخطيب” سكرتير الحزب وإن ادعى السيد الناطق الرسمي ما ادعى.
السيد “الخطيب” في تصريح له أدلى به لوكالة (smc) (اس ام سي) وطالعته في صحيفة (اليوم التالي) الصادرة أمس الأول (الجمعة) 11/4/2014م- كما لابد أن يكون الكثيرون قد طالعوه- قال عن قرار السيد الرئيس في لقاء (الأحد) المشهور:
– إن قرار الرئيس يعتبر خطوة إلى الأمام لعملية الحوار الوطني داعياً إلى فتح الطريق للأحزاب كافة لممارسة نشاطها بحرية تامة.
وبكل احترام للآخر خلافاً لما جاء على لسان الناطق الرسمي للحزب، طالب السيد سكرتير الحزب “محمد مختار الخطيب” بالآتي:
أولاً : عقد مؤتمر دستوري يشارك فيه الجميع.
ثانياً: إيقاف الحرب لإيصال المساعدات الإنسانية للمتأثرين بالحرب.
وهذه وقد جاء بعضها على لسان الناطق مما يمكن أن يطرح ويقال في الحوار عبر آلياته المحددة لذلك الغرض.. وإن كانت الحرب لا توقف من طرف واحد هو طرف الحكومة.. وإنما عبر الاتفاق بين الطرفين كما حدث في حالة وقف الحرب في جنوب السودان عبر اتفاق نيفاشا المشهور.
ووقف الحرب للحزب الشيوعي وآلياته وأنصاره دورٌ فيه وذلك لصلتهم المعروفة بالجبهة الثورية.. ولكن الحزب الشيوعي السوداني بأجندته المعروفة لم يعرف مثل تلك المبادرات الوطنية.
فقد سبق للشريف “زين العابدين” أن أطلق مبادرته للسلام من سوريا والمعارضة من الخارج يومها تعين الحركة الشعبية لتحرير السودان (splm) في حربها العسكرية والدبلوماسية ضد الوطن إلى أن كانت جولات المفاوضات التي أفضت إلى السلام وأتت بالجميع من الخارج ومنهم الحزب الشيوعي السوداني بطبيعة الحال.
هذا ليس هو الموضوع الذي جعلناه عنواناً لهذا (المشهد السياسي) اليوم وهو (الحزب الشيوعي وتناقضاته) وهو ما حققته الاختلافات البائنة بين تصريحات وإفادات كل من السيد “يوسف حسين” الناطق الرسمي باسم الحزب التي أوردناها والسيد “محمد مختار” السكرتير العام والتي أوردناها أيضاً.
إن الحزب الشيوعي الآن في حالة تناقض في المواقف إزاء عملية الحوار الوطني ففي حين يرى الناطق أن العملية كلها (استكراد وضحك على الدقون) من المؤتمر الوطني ورئيسه، يرى الأخ السكرتير العام للحزب – السيد “الخطيب” (إن خطاب الرئيس خطوة إلى الأمام في عملية الحوار الوطني).
ولابد أن هذا مجتمعاً سيثير القلق وعدم الرضا في أوساط الحزب الذي هو في حالة انتظار للمؤتمر العام للحزب لحسم الكثير من الأمور الخاصة بالحزب وسياساته وتركيبته الهيكلية وأزماته ومشاكله بطبيعة الحال.. فالحزب في الآونة الأخيرة به ما يكفيه ولا يريد من الناطق باسمه أن يغرقه في أزمة خطاب سياسي واجتماعي.. كما طالعنا في اللقاء الذي أجرته معه هذه الصحيفة يوم (الخميس) الماضي.
صحيح أن السكرتير العام للحزب قد سبق له بعد أحداث سبتمبر – أيلول 2013 أن أغرق الحزب في مسؤولية التخطيط والتدبير لما جرى من فوضى وتكسير وتخريب للمنشآت الخاصة والعامة وذلك عبر لقاء صحفي طويل أجري معه، ولكنه اليوم وهو يخاطب مهمة الحوار الوطني التي دعا لها الرئيس “عمر البشير” وحزبه، بكثير من المعقولية والاحترام، يكون قد مشى على الأسلوب الذي خاطب به أحداث سبتمبر أيلول 2013م.
لقد ضربت التناقضات والخلافات الكثير من الأحزاب بطبيعة الحال ولكن (الفحشى) في القول سيظل عملية غير مقبولة جزئياً ولا اجتماعياً.. والله المستعان.