أخبار

ماذا جرى؟!

ما كنا نود أن نصل إلى هذا الذي نتحدث عنه.. فبلادنا حقاً كانت آمنة.. والناس كانوا يأمنون بعضهم البعض.. والبيوت مفتوحة أبوابها لمن يدخلها.. والأسواق يترك الناس بضائعهم فيها تبيت كل ليلة وحدها ثم يعودون في كل صباح ويجدونها كما هي بالتمام والكمال..!
ماذا جرى؟ لماذا تغيرت طبائعنا.. وتبدلت أحوالنا؟! وهل سيستمر (مسلسل الجريمة) الذي نطالع وقائعه كل صباح على صفحات الصحف؟! والأيام الفائتة كانت حبلى بجرائم القتل التي يشيب لها الرأس.. وهي جرائم غريبة على مجتمعنا وشاذة على عاداتنا وأعرافنا.. وجميعها تحمل قدراً كبيراً من الشرور والفجور..!!
هل هو ابتلاء رباني؟ أم أننا نعيب زماننا والعيب فينا؟ لماذا أصبح الناس يعيشون في جزر معزولة، ولا يثقون في بعضهم البعض؟ ولماذا كلنا تحولنا إلى (متهمين) حتى تثبت براءتنا؟ ومن هو المستفيد الحقيقي من تشويه صورة (السوداني) وهز خارطة الوطن.. فهناك من يقول بثقة مطلقة إن (مؤامرة) تحاك ضد هذا المجتمع الفاضل.. و(خطة محكمة) لتفكيكه من الداخل وخلخلة قيمه ومثله؟!
وهم لا يقصدون (الفضائيات) وأساليب الغزو الثقافي فحسب، وإنما يشيرون بأصبع الاتهام إلى (الوافدين) ممن يدخلون تحت شعار (الاستثمار)، بينما هدفهم هو (الاستثمار السالب في الإنسان نفسه)، ومهما كانت هذه التهمة تحمل من مبالغات في تقدير الأمور لكنها تحتاج إلى معاينة ومراقبة، فالنار من مستصغر الشرر.. والحق يقال إن السودان أصبح مفتوحاً على مصراعيه للأجنبي.. عبر حدوده الممتدة التي تسمح بالدخول غير الشرعي، وعبر وزارات ومؤسسات الاستثمار التي (تتساهل) أكثر مما ينبغي في منح (الفيز والإقامات) والترحيب إلى حد التهليل بكل من يقول (فقط) إنه يريد الاستثمار، وليس بالضرورة أن يتبع بعد ذلك القول بالعمل.. فكل يوم نقرأ عن استثمارات ضخمة، وكل يوم نكتشف أيضاً أنها مجرد (نزهة سياحية) لوفود معظمها يجيد فن إطلاق الوعود ثم التطويل في التنفيذ.. مع إبقاء (الخط مفتوحاً) لمزيد من زيارات الوفود والبقاء المجاني في الفنادق والشقق ذات النجوم الخمسة.
وللاستثمار وجهه القبيح الآخر الذي أنتج مزيداً من (العطالى الوافدين) الذين يمارسون التسكع في شوارع الخرطوم واصطياد الضحايا ممن يبحثون عن لقمة العيش من أبناء هذا الوطن.. وهؤلاء يأتون من دول فقيرة.. ولم يجدوا عملاً في بلادهم.. فجاءوا ليزاحموا في بلد أكثر من نصفه ما زال يبحث عن عمل.. ألا يتيح ذلك مجالاً خصباً للجريمة وخاصة (الوافدة) منها التي لا نظن أن الموروث السوداني قد تعامل مع أشكالها وأدواتها، ولا النفس السودانية تقبلت في يوم من الأيام مجرد قراءتها في صحف الحوادث والجرائم الصفراء التي تأتينا عبر الحدود..!
إن الذي يحدث يستوجب المزيد من الإجراءات الصارمة في التعامل مع من يطلقون على أنفسهم (مستثمرين)، ويستدعي أن توضع ضوابط ملزمة لكل قادم من الخارج في أن يخضع لقوانين وتقاليد وأعراف هذا البلد أو يعود من حيث أتى.. ويقتضي أيضاً مراجعة جدوى هذا الاستثمار من حين إلى آخر وإخراج (البطاقة الحمراء) لكل مشروع فاشل أو مستثمر غير جاد..!
وذات الإجراءات الصارمة ينبغي أن تتبع تجاه الذين يدخلون للسودان بحثاً عن عمل.. ومن قبلهم الذين يفتحون المكاتب ويقيمون الشركات لاستيرادهم وجلبهم من الخارج.. فهؤلاء مطالبون بأن يضعوا مصلحة الوطن فوق مصالحهم الخاصة، وأن يضمنوا من يأتون بهم ويتحملوا القضايا كافة التي تترتب على وجودهم إيقافاً للاستسهال الذي يحدث و(التلاعب) الذي يقع من بعض هؤلاء المتعاملين في جلب العمالة الوافدة..!
إن الذي حدث في منطقة الخليج مثلاً كنتائج سالبة لتضخيم العمالة الوافدة، ما زالت هذه الدول تدفع ثمنه حتى الآن.. وكان علينا أن ننتبه إلى هذا الأمر.. وأن نقرأ جيداً تلك التجارب حتى لا نقع في تكرار أخطائها ونتحمل التبعات الصعبة المتمخضة عنها، ولكننا غضضنا الطرف عن كل تلك المخاطر واستمرأنا فتح الباب على مصراعيه لهذه الموجة الوافدة، التي يمكن أن تغرق هذا البلد إن لم تتحرك السلطات وتضع حداً لهذه القنابل الموقوتة.
وإذا كانت السلطات تبذل جهوداً مقدرة لوقف مسلسل الجرائم وقطع الطريق أمام حدوثها، فثمة إجراءات أخرى يمكن أن تفعّل من هذا الدور، تتمثل في فرض (البطاقة الشخصية) وضرورة حملها من قبل المواطنين، وكذلك (الإقامة) بالنسبة للوافد، والسؤال القانوني من قبل السلطات عنها رغم ما في هذا الإجراء من (مضايقة) قد يشكو منها البعض ولكنه إجراء متبع على أية حال في معظم الدول.. كما أن التفشي المريع للجرائم يقتضي هذه المساءلة التي تعيد إلى نظم المواطنة وإلى الدولة هيبتها، وتشعر الجميع بأن هناك قوانين تحكم وتضبط أي خروج عنها، إضافة إلى الإجراءات الروتينية الأخرى المتمثلة في تكثيف الدوريات ومراقبة الأحياء الجديدة والطرفية، ونشر التوعية بالقوانين، والتنبيه إلى الجرائم التي يمكن أن تقع والاحتياطات التي يجب إتباعها منعاً لحدوثها، وهي أدوار يتشارك في تعزيزها المواطن والدولة– على حد سواء– وتأتي في سياق زمني صعب يستدعي اتخاذ كل هذه التدابير تأميناً للوطن والمواطن.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية