الطرور..!!
إن لم يقف الحزب الشيوعي وبقية فروعه الأخرى التي يسميها قوى تحالف المعارضة موقفاً رافضاً ومتعنتاً من مشروع الحوار الوطني، فإنه لن يكون الشيوعي الذي نعرف، فقد ظل هذا الحزب تاريخياً ضد مسار المصالحات الوطنية.. والكل يذكر موقفه المعروف من اتفاقية أديس أبابا 1972م بين “نميري” وحركة الـ(أنانيا) يوم أن قال الحزب إن الاتفاقية فاشلة بسبب أن “نميري” هو الرئيس، بل افترض اليسار يومها أن ما يسميه حكم الفرد وعجزه عن توفير التنمية بالجنوب والشمال سبب وجيه لرفض اتفاق السلام يومها، رغم أن حكومة مايو وبشهادة الجميع كانت النظام الذي أحدث تنمية واستقراراً بالجنوب لم يهدره إلا دوران عجلة الحرب مرة أخرى، وهذه المرة كان الشيوعيون قد غذوها بكوادرهم وغواصاتهم.
في الموقف من اتفاقيات (نيفاشا) و(أبوجا) و(الدوحة)، واتفاق (الشرق)، ظل الحزب يصفها بالتفاهمات الثنائية، وإن تحدث الناس عن الانتخابات دفع بمصفوفة بمسميات استحقاقات التحول الديمقراطي، ووقف الحرب، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وإطلاق حريات الإعلام، والعمل النقابي وإقامة الندوات، والعفو عن جميع المعارضين، بمن فيهم حاملو السلاح ومحاسبة الذين ارتكبوا جرائم قتل وتعذيب ضد المدنيين والمتظاهرين، وهي مطالب يتم الدفع بها هكذا، ولا ينتظر الحزب حتى إمكانية الرد عليها أو يقدم مقترحات موضوعية وعملية بشأنها!!
هذه منهجية واضح أن هدفها عدم الاتفاق، بل تؤكد أن اليسار يلعب دوراً سالباً بغرض لا علاقة له ومصلحة الوطن والمواطنين، لأنه لا يعقل أن تكون دوماً هكذا (ضد) وسائراً عكس اتجاهات الجميع على طول السنوات وتعاقب الفصول السياسية ومناخات الحكم، ولا يعقل أن يكون الحزب العجوز وحده هو الصحيح، وكل هؤلاء المجتمعين من السودانيين على خطأ.. هذا لا يستقيم منطقاً ولا حجة.. والغريب أن هذا التعنت يتواصل رغم إدراك الكل أن الشيوعيين بلا قيمة انتخابية أو وزن جماهيري، ورغم هذا يحفظ احترامهم وتقدم لهم الدعوات ويمنح رأيهم حقه ومستحقه من التدبر، وكله يحدث بسبب تأدب السودانيين حكومة ومعارضة، لأنه وببساطة وبصراحة آمل ألا تكون فجة، فإن الأثر الإيجابي لمشاركة “الصادق المهدي” أو “الترابي” أو “الميرغني” في الحكم أكبر وأشد وضوحاً مائة مرة من مشاركة الشيوعي، ولو دفع بكامل لجنته المركزية في قائمة التشكيل الوزاري أو لجان البرلمان.
“الصادق المهدي” حينما تهكم من أحزاب (الطرور) فقد صدق، والشيوعي (طرورة كبيرة)، وآن له أن يدرك ويعي حقيقة حجمه، وكفى ترهات يدلقها علينا كل حين في المنشط والمكره بمستهلكات الشروط والاشتراطات التي يظن من يسمع مثلاً في شأن وقف الحرب أن المسألة (سويتش) يغلقه “البشير” أنى شاء! حرب يديرها إعلامياً وسياسياً كادر الحزب ومناديبه في الجبهة الثورية وأذرعها وفروعها المسلحة، بدليل أن بعض جولات التفاوض مع قطاع الشمال تبدو وكأنها تفاوض بين المؤتمر الوطني والحزب الشيوعي السوداني.