رأي

لا تمرض يومي الخميس والجمعة (1)

إذا حدث أن أحلت بك عارضة صحية فاحرص أن يكون ذلك في يوم غير يومي (الخميس والجمعة).. ففي هذه الأيام لن تجد طبيباً متخصصاً واحداً.
وإذا مرضت فاحرص أن يكون هذا المرض من النوع الذي لا يتطلب اختصاصياً، هذا الكلام يبدو غريباً لكنه حقيقة مؤسفة، وإذا أردت دواء فاحرص أن يكون ذلك من النوع الذي يستطيع أي ممرض أن يصرفه.. السبب في ذلك أن كل الأطباء في السودان السعيد يحرصون على نيل حقهم في الإجازة يومي (الخميس والجمعة) وبعضهم يضيف (السبت) فيصبح نصف الأسبوع إجازة مع أنهم أساساً لا يعملون في النصف الأول.
في يوم من الأيام كنت إذا أحسست بمجرد صداع تتجه إلى المستشفى وأنت مطمئن أنك ستجد كل الفحوصات الطبية.
الآن في السودان يعمل الأطباء بمزاجهم فيتغيبون نصف الأسبوع بحجة أنهم في يوم راحتهم مع أن الواحد فيهم إذا عمل في مستشفي ريفي في أي بلد خليجي يكون مستعداً لاستقبال أي نوع من الحالات في أي وقت من الليل أو النهار وليس هنالك شيء اسمه ساعات عمل وساعات راحة فهذه صحة الناس التي لا تعرف راحة.
الآن انتشرت المستشفيات والعيادات الخاصة وأصبح بعضها لا يجري الكشف إلا إذا دفعت له مبلغاً يزيد عن الـ(200) جنيه وبعضهم يلزمك بإجراء التحاليل في معمل محدد وبعد ذلك يطلب منك عمل صور عادية وملونة وبعد كل هذا لا يستطيع أن يفسر لك المرض وأنا شخصياً مررت بتجربة أكدت لي ذلك. لا أعرف ما الذي يفعله مريض بالحساسية إذا جاءه (أكلان) أو طفح جلدي يتطلب تعاملاً سريعاً. أنت تحتاج إلى أيام لكي تصل إلى الطبيب الذي يحدد لك يوماً للكشف بعد (4) أو (5) أيام وهو يرى الحساسية تفترس جسمك ويطلب منك الصبر ولا تجد منه سوى كلمات العزاء.
من الحقائق الغريبة أن بعض الأمراض لا يتوفر لها إلا اختصاصي واحد في كل السودان واحد فقط فإذا غاب عليك السفر إلى القاهرة أو عمان ولا يوجد حل آخر.
مثلاً مرض الحساسية ليس في السودان الآن سوى متخصص واحد في مرض الحساسية وعليك الانتظار بالأسابيع حتى يأتي دورك تكون الحساسية قد افترست جسمك وكل أعضائك. والذين أصابهم هذا المرض يعرفون أنه مرض لا يحتمل الانتظار ولو لساعات ولكن الطبيب المزحوم بالمرضى يطلب منك الحضور بعد أسبوعين وحتى الطبيب الذي وجدت عنده وقتاً ليس لديه وقت إلا في أيام غير (الخميس والجمعة والسبت) لأنها أيام عطلة.
حتى الطبيب المتواضع الذي يفحصك دورياً يحب أن تلتزم له أنك لن تمرض يومي (الخميس والجمعة) وإذا مرضت فهذه مسؤوليتك وحدك ولا تسأل عن تكلفة المواصلات والدواء، صور الأشعة والتحاليل فهذه لها هول آخر.. لا أعرف المساكين كيف يعالجون.
الحمد لله أن الأمر لم يصل حتى الآن إلى المرحلة التي ينال فيها اختصاصي الولادة إجازة أيام (الخميس والجمعة والسبت).
أذكر في الستينيات والسبعينيات أن مستشفى الخرطوم كان يستقبل الحالات من كل أنحاء المدينة وضواحيها ولم نسمع أحدهم يشكو أو يتذمر مع أنها كانت مجاناً ليس كما هو الحال الآن مقابل أجر وكانت الحالة إذا استدعت احتجازاً بالمستشفى لمجرد إجراء فحص فإنهم لا يترددون في احتجاز المريض مهما كان مرضه عادياً لأنهم يتوقعون تطور المرض وفي أي لحظة من ليل أو نهار تجد فني الأشعة جاهزاً واختصاصي الفحص جاهزاً وخلال لحظات يكون الفريق الطبي قد توصل إلى الحالة بالضبط ووضع لها العلاج.
ما لم أفهمه حتى الآن كيف ينال من يعمل في عيادة خاصة إجازة في أحد أيام الأسبوع أو يومين أو ثلاثة مع أنه ينال أجراً على أي حالة بفحصها ودخله في اليوم لا يقل عن (1000) جنيه يفترض أن الذي فتح عيادة خاصة يلتزم بالكشف على أي مريض وعلاجه فوراً لأن المريض دفع أجره مقدماً ولا أعرف كيف يكون هناك مرض وليس في السودان متخصص واحد فيه الذي يعرف أنه الوحيد الأوحد فيتدلل على المرضى والمحظوظ منهم من يأتي دوره بعد أسبوعين وبالمناسبة ليس هناك صيدليات مناوبة فقد يكتب لك الطبيب الدواء فتخرج ولا تجد مكاناً تشري منه الدواء ولا أعرف ماذا يقول ضمير الأطباء الذين لديهم قوائم انتظار طويلة، ماذا يقولون وهم يعلمون أن هذا المريض لا يحتمل الانتظار ولو ليوم واحد ولكنهم يفكرون في الأرباح التي تأتيهم ولا يفكرون في أي شيء آخر ولا يهمهم إن أدى هذا الانتظار إلى تفاقم حالة المريض فليس هناك استثناء.
> سؤال غير خبيث
ما الذي يفعله مريض إذا جاءه عارض صحي مفاجئ تطلب فحصاً وصوراً وأدوية بعد منتصف الليل؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية