رأي

"محجوب شريف".. شاعر الجماهير

لا يعرف كثيرون أن الشاعر “محجوب شريف” أحد أقربائي من ناحية (الأم) و(الأب) معاً، وأن الاسم صحته “محجوب محمد شريف” و(حبوبتي) اسمها “آمنة صالح شريف”.
علاقتنا به بدأت بعد أول اعتقال له من قبل نظام “نميري” حيث لم يسمح لنا بزيارته، وأذكر في تلك الفترة أن الشارع العام كان يغلي ضده بسبب نشيده الذي مدح الانقلاب الشيوعي، وكنت أظنه سيبدي ندمه على ذلك، ولكن قابلته بعد ذلك في مناسبة عائلية وقال لي: “أنا لم أندم على شيء قلته في حياتي”.
قاطعه الجميع حتى الأصدقاء ولكنه لم يندم، كان “نميري” ونظامه مهيمناً على الساحة ولا أحد يجرؤ على إصدار كلمة تمس “نميري” ونظامه، وأذكر أن النشيد الذي اعتقل من أجله لحنه وغناه “وردي” كان يقول في كلماته:
حنتقدم.. حنتقدم.. في وش الريح حنتقدم
ونهدم سد.. ونرفع سد.. اشتراكية لآخر حد
لقد نسي الشيوعيون هذه الشعارات القوية، لكنه لم ينسها وظل يردد أشعاره في كل المنتديات، وكان يقيم علاقاته مع المنظمات الثورية في كل أنحاء العالم، كما ظل يمارس (الاشتراكية) في حياته ويقرب إليه (المشردين) و(الشماسة).. ويساعدهم مختلف أنواع المساعدات.. حتى المادية منها، فأحبه كل أطفال الشوارع وأعجب به كل الكبار لأنه لم يغير خطه الفكري رغم كل المشاكل التي جرها عليه هذا الخط.
التقينا في مناسبات عائلية كثيرة ربما أحياناً للبحث في أنصبتنا في أرض زراعية مشتركة بيننا وبين والده ولكنها لم تكن موضع خلاف معه، بل كنا نخجل أن نثير هذه المسألة أساساً ما دمنا قد اخترنا العاصمة موضع إقامة لنا ولن نعود للقرية.
زرته بعد سنوات لأبلغه بزواج شقيقتي ولم يحدث أن دعوته لمناسبة إلا وحضر وكنت أهيئ الجميع لهذه الزيارة، وأقول لهم اليوم سيزورنا “محجوب شريف” فيأتي كل المعجبين به ويكونوا في استقباله.
يحتار البعض في سر تمسك “محجوب شريف” بالاشتراكية وليس (الشيوعية) رغم ما سببته له، ورغم أن نظام “نميري” كان يعيده للسجن بعد ساعات فقط من إخراجه. كنت دائماً أنظر في عينيه عتاباً صامتاً لنا لأننا خفنا من نظام “نميري” ولم نزره لمعرفتنا أن جهاز الأمن لـ”نميري” يسجل كل من يزوره، وكان جهاز أمن “نميري” لا يرحم وبصراحة (خفنا كلنا) واكتفينا بلقائه في المناسبات الاجتماعية.
كنت أستعد للتخرج من الجامعة وخشيت أن ألتف مع المعارضين فأحرم من الوظيفة، لكني إطلاقاً لم أسع لدخول قوائم (الاتحاد الاشتراكي) لأضمن الوظيفة لذلك كنت آخر خريج “اشتغل”.
ربما لا يعرف الكثيرون “محجوب شريف” الذي ينحدر من أسرة لها مكانتها الدينية ويحرص أفرادها على إقامة الليالي على شرف (الختمية)، هو أساساً لم يهتم بهذا الشيء لأنه اختار طريقاً آخر لكنه إطلاقاً لم يضعف انتماؤه لـ(الختمية).
أذكر أن له قصائد في هجاء “نميري” وقد وصلت هذه الأبيات لـ”نميري” فزاره في السجن وهدده، لكنه لم يتزحزح.
هذا هو “محجوب محمد شريف” الشاعر الذي لو كان في بلد غير السودان لأطلق عليه لقب شاعر الجماهير.. رحم الله “محجوب شريف”.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية