أخبار

‏(Take away)

خطورة تحديد السقف الزمني للسلطة تكمن في أن ضعاف النفوس يزدادون شراهة في فسادهم وتكاسلهم وعدم مبالاتهم، وبدلاً عن التفاني في خدمة أوطانهم وشعوبهم يبحثون عن الوسائل السريعة التي تخدم مصالحهم الذاتية، وتؤمن مستقبلهم في أقصر زمن ممكن!
وعندما تعلم أية حكومة أن جلوسها على عرش السلطة هو مسألة مؤقتة ولفترة انتقالية محددة، يكون في الغالب هناك ضعف في الأداء العام وعدم اكتراث بالمسؤولية العامة تجاه المحكومين من الشعب، ويصبح الانشغال الأساسي بتنفيذ برامج التنمية الذاتية الخاصة وليس تنمية الأوطان، وبترقية أوضاع أصحاب السلطة وليس تحسين أحوال المواطن.
ومن يقرأ التاريخ جيداً يدرك أن الحكومات (المؤقتة) و(الانتقالية) و(المقبلة على انتخابات) ظلت دائماً (عابرة) في كل شيء، ولم تحرز أي شيء، وانقضت سنواتها المعدودة في الحكم دون أن تترك أثراً واضحاً في حياة شعوبها ومستقبل مواطنيها، وربما هذا ما جعل بعض (الحكام) يطيلون من عمر بقاء (حكوماتهم) ولا يزيحون وزيراً ولا مسؤولاً إلا بعد أن يعيقه المرض أو يتوفاه الله، وهي أمثلة نجدها حتى في الدول المتقدمة بما فيها أوروبا نفسها التي ظلت تحتكم إلى النظام الملكي لحقب طويلة من الزمن، وما زال بعضها حتى يومنا هذا تتوارثه سلالات الملكية، وفي أمريكا حين يحكم الحزب الجمهوري أو الديمقراطي فثمة وجوه تظل تحكم مع الرئيس المنتخب إلى أن يفارق البيت الأبيض سواء عبر ولاية واحدة أو ولايتين، لكن نفس المأزق السلطوي يقع فيه الرئيس وسدنته وحزبه عندما ينجحون في انتزاع ولاية ثانية للحكم، فيكون أداؤهم العام ومستوى شفافيتهم أسوأ مما كان عليه الحال في الولاية الأولى، لأن القانون الأمريكي لا يسمح للرئيس الأمريكي ومن حوله بولاية ثالثة، ومن ثم يكثر فسادهم وثراؤهم المالي وتخبطهم السياسي والإداري وهم يمضون السنوات الأخيرة من تربعهم على عرش البيت الأبيض.
والحكومات الشمولية على سوئها وتسلطها حين ترخي حبل السلطة لمنتسبيها من المسؤولين، وتطيل من أعمار بقائهم على كراسي الحكم الوثيرة كانت– في الواقع– تلعب على ورقة الركوب في مركب واحدة، فإما النجاة جميعاً وإما الغرق جميعاً، لذلك تتشبث بكل الذين معها من بطانة حتى الرمق الأخير في السلطة، وتتحول إما إلى عصابة قمعية تحكم بالقبضة الحديدية وتلوح بالعصا الغليظة لشعوبها وتمارس عليهم البطش والقهر والكبت، أو إلى حكومة غير ديمقراطية ولكنها تسكت مواطنيها بملء بطونهم وما تقدمه لهم من تنمية وإعمار وهامش ضئيل للتنفس في هواء الوطن، ولكن بعيداً عن تحقيق حلم المشاركة السياسية أو الدخول في الدائرة الضيقة للسلطة التي تحتكرها فئة معينة ومقربة إلى أن تنطوي صفحة مرحلة حكمها بكاملها، لذلك هم يرتشون ويسرقون ويفسدون ولكن ببطء وعلى مهل، لأن أمامهم سنوات غير منظورة في الحكم تكفيهم لالتهام كعكة السلطة والثروة عبر جرعات متتالية وغير مؤذية لجهازهم الهضمي، وبما قد يسمح بتمرير بعض الفتات إلى بطون شعوبهم الجائعة، بعكس الذين يعرفون أن أعمارهم في الحكم قصيرة ومؤقتة وانتقالية، فهم ينقضون بنهم على الكعكة الكبيرة دفعة واحدة دون أن يتركوا لشعوبهم حتى الفتات إلى أن يصابوا بعسر الهضم والتخمة!!
الحكومات المؤقتة والانتقالية هي– في كثير من الأحايين– دعوة صريحة للانقضاض على مقدرات الشعوب ومكتسباتها وفرصة ذهبية للثراء السريع والفاحش، وأشبه ما تكون بمطاعم (Take away) الـ(تيك أوي) حيث لا وقت لوضع الخطط الإستراتيجية والتنموية، ولا زمن لإرساء قواعد الحرية والديمقراطية ولا مجال للالتفات إلى أحوال الشعب وحلحلة همومه و(الطبطبة) على آلامه!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية