حوارات

القيادي الاتحادي "سيد هارون" يخرج الآراء الجريئة في حوار الفضاءات الشائكة

الأستاذ “سيد هارون” القيادي بـ(الاتحادي الأصل) ووزير الثقافة والإعلام السابق بولاية الخرطوم، أطلق عليه “الشريف زين العابدين” لقب (داهية الاتحاديين) كناية عن الشطارة والحذر، بينما وصفه الكثيرون بأنه الصندوق الأسود في حزب الوسط الكبير بفضل إلمامه العميق بالعديد من الأسرار والمعلومات والمواقف في الساحة الاتحادية، فهو من السياسيين الذين يجمعون ما بين الثورية المطلقة والصوفية الملتزمة، فقد لمع نجمه كواحد من تلاميذ الشهيد “الشريف حسين الهندي” في معسكرات “ليبيا”، لإسقاط النظام المايوي، حتى دخل الجمعية التأسيسية في الديمقراطية الثالثة، ثم حارب الإنقاذ عندما كانت غليظة في السنوات الأولى حتى نال الوزارة عبر بوابة التجمع.
طرقنا بابه لمناقشة قضايا المشهد السياسي والاتحادي الأصل، ونظراته للوحة الداخلية للمؤتمر الوطني المفاصلة الشهيرة بين (القصر) و(المنشية)، وقدم رؤية حول عدم خروج مولانا من الحكومة، لكنه لم يكشف الكثير عن تنظيم الخريجين الاتحاديين رافضاً الإفصاح عن آلياته، وبذات القدر هاجم القيادات المحبطة في حزبه، وكشف عن تجربته المريرة مع الاتحادي المسجل.
اللقاء مع الوزير السابق “سيد هارون” كان مفتوحاً وشفافاً وموجعاً على الفضاءات الشائكة.

} كسياسي مراقب كيف ترى إيقاعات التغييرات المذهلة على أروقة المؤتمر الوطني المتمثلة في إعفاء الكبار والوجوه القديمة والدعوة للحوار مع القوى السياسية في المسرح السوداني؟
– اللوحة من الداخل في المؤتمر الوطني قد لا تكون واضحة المعالم للكثيرين، فهم يحاولون إجراء توهمات على إيقاعاتهم الحزبية حتى لا تظهر للملأ، وإذا حاولنا القراءة العميقة، فإن المدلولات تؤكد بأن ما حدث في المؤتمر الوطني خلال هذا الظرف لا يعتبر نقلة كبرى على مستوى الأهداف والمقاصد الإستراتيجية، بل هنالك ترجل مرسوم لهؤلاء من الدرج الأعلى في المواقع الكبيرة بعد أربعة وعشرين عاماً من الحكم والصولجان، انطلاقاً من رؤية دقيقة ومبرمجة. علاوة على ذلك فإن الدعوة الحالية للحوار مع القوى السياسية المختلفة تأتي في إطار المراجعة الحزبية الدقيقة، والضغوط الإصلاحية، ومحاولة التقاط الأنفاس، والتفكير في إدخال زخم جديد على قاطرة السلطة من خلال إعادة الحزب الحاكم لنفسه في المشهد السياسي، والعشم في إمكانية الوصول إلى تسوية مقبولة مع المجتمع الدولي.
} البعض يؤكد بأن هذه التطورات الفجائية والدراماتيكية التي ظهرت في منهج المؤتمر الوطني.. قد جاءت بعد الإحساس بالضعف الداخلي وتكالب الضغوط الدولية عليه؟
– قوة المؤتمر الوطني تكمن في المال والسلطة، غير أنهم اكتشفوا الآن أن هذه المزايا تحتاج إلى أدوات مساعدة ورافعة قوية بعد تفاقم الأوجاع في بنية التنظيم، لذلك قاموا بتحريك الميكانيكا السياسية إلى فضاءات أخرى، لأن السلطة القديمة في الحكم لم تعد مقبولة.
} يلاحظ ظهور الأستاذ “علي عثمان” ود. “نافع” على ساحة المشهد السياسي بعد الإجراءات الأخيرة في الحزب الحاكم..؟
– الشاهد أن هنالك اختلافاً كبيراً في تركيبة الرجلين، فالدكتور “نافع” يزهو بالسلطة، في حين أن “علي عثمان” يفضل الممارسة وراء الكواليس ولا يحبذ الأضواء، وكلاهما في قلب السلطة بأدوار مختلفة وجديدة.
} هل تعتقد أن الدكتور “الترابي” يمكن أن يعود إلى سلطته القديمة في الحكم إذا تم التوافق مع المؤتمر الوطني؟
– (صمت طويلاً) ثم قال: يجب أن نبحث بدقة شديدة حول حقيقة المفاصلة التاريخية بين (القصر) و(المنشية).. هل كانت حقيقية أم سيناريو معد؟ ولماذا ظهرت على تلك اللونية الموجعة والدرامية؟ فالبعض وصف تلك المعارك الطاحنة بين الطرفين بأنها مجرد (فيلم هندي)، وأنا على المستوى الشخصي لم أكن مقتنعاً في دواخلي بأن الخيوط الإخوانية قد انقطعت بين (الوطني) و(الشعبي)، فالبضاعة واحدة والأهداف متطابقة والمصير مشترك، وكنت أرى أن ما يدور بين أنصار “البشير” وأنصار “الترابي” من حرب ضروس، أنها مسرحية رائعة الإخراج، جاءت من منطلقات الخوف من المجهول، وفكرة تثبيت انقلاب الإنقاذ على منضدة التاريخ والتحوط من المشهد المصري والرياح العاتية بأشكالها كافة وربما لعوامل لا أعرفها، كانت المفاصلة حبكة ذكية على أوتار السجون والآهات والدموع والهجوم الكثيف المتبادل حتى تأخذ قابلية التصديق!! لذلك فإنني أرى أن الدكتور “الترابي” عائد في المستقبل إلى السلطة وقيادة الإسلاميين وهو في عتبة الثمانين، فالرجل الأسطوري ينظر ملياً إلى الأفق البعيد.
} هنالك من يقول بأن (المؤتمر الوطني) لم ينتج خطاً سياسياً من كنانته.. لذلك يحاول احتكار منهج الوسط من الاتحاديين بعد أن كاد يضيع من بين أيديهم؟
– (شوف) خط الوسط ماركة منقوشة في وجدان الاتحاديين لا يمكن أن تنفصل عنهم مهما كانت عاديات الزمن وتقلبات السياسة، فالفكرة الاتحادية تجسد المزاج السوداني القائم على البساطة والتوازن والموروثات، وهذه خصائص تجري في عروق الاتحاديين مجرى الدم، بينما (المؤتمر الوطني) خطه قائم على مكتسبات الحكم والدعاية السينمائية، علاوة على ذلك فإن الاتحاديين بحكم تاريخهم وأدبياتهم لم يظلموا أحداً ولم يتطاولوا على أية مجموعة ولم تتضرر منهم أية فئة بعينها.
} (الاتحادي الأصل) صار مصاباً بعلة الاضطراب والوقوف على فوهة بركان؟
– الوضع في (الاتحادي الأصل) غير مريح والأجواء مزعجة والإشكاليات واضحة، وبذات القدر فإن هذه المعطيات لن تؤدي إلى انهيار الحزب وتفكيكه!! وإذا اعتبرنا أن (الاتحادي الأصل) يمثل الجسم الكبير في الكيان الاتحادي الواسع، فإنه بذلك يمتلك سحر البقاء والقدرة على النهوض من كبوته، فضلاً عن مسؤوليته التاريخية مع الأشقاء في توحيد الصف الاتحادي الذي صار يضم أكثر من ستة تيارات زائداً الواقفين على الرصيف، وبذلك تكمن الحاجة في قيام الحوار الاتحادي، الاتحادي دون هيمنة ووصاية، فالفكرة الاتحادية محصنة من الزوال، فهي باقية في الطاقة الوجدانية والضمائر، بل في أشد اللحظات حلكة وظلاماً يخرج من ثناياها ضوء الشمس.
} لقد ارتسمت علامات الإحباط على عدد من قيادات (الاتحادي الأصل) بشكل واضح.. حيث نجد أن “حاتم السر” يكتم غيظه في ضلوعه.. و”حاج ميرغني عبد الرحمن” يمارس الاحتجاج الشديد.. والبروف “البخاري الجعلي” ينتظر الرد على استقالته.. بينما الدكتور “علي السيد” ساخط على أحوال حزبه.. ماذا تقول؟
– بالطبع ممكن أن يرسل هؤلاء القيادات إشارات الإحباط والقنوط في ظل الواقع المرير الموجود داخل الحزب، لكن هل سيكون هذا الموقف الخجول طريقاً للتغيير والمعالجة؟ إنني أدعو هؤلاء القيادات إلى ممارسة الجراءة وتطبيق الإقدام والشجاعة للتعبير عن مواقفهم، وأقول لهم ماذا تنتظرون ولماذا لا تحاولون التقاط المبادرة لصناعة الأفضل حتى لا تكون مواقفكم مؤشراً لخلق موجة أخرى من الصراعات في الحزب.
} في تقديرك لماذا لم يتجاوب مولانا “محمد عثمان الميرغني” مع توصية اللجنة القيادية المختارة التي طالبت بخروج (الاتحادي الأصل) من الحكومة في (اجتماع جنينة السيد علي) الشهير خلال الشهور الفائتة؟
– أجاب بـ(غضب): أنا أصلاً لم أكن واحداً من هذه القيادات المختارة، ولا أجد فيهم من هو أقدم مني في الحركة الاتحادية، ومن يتميز على شخصي بأية مزايا وخصائص! لذلك لا أعرف ملامح توصيتهم وكيف كانت إجابات مولانا على هؤلاء الإخوان!! لماذا لا تذهب بنفسك يا أخ “عادل” إليهم لتعرف مصير توصيتهم وأين استقرت.
} (طيب) يا أستاذ “سيد”.. إلى أي مدى تعتقد بأن مولانا سوف يخرج من الحكومة الحالية؟
– هذا سؤال صعب ومعقد! مولانا “محمد عثمان الميرغني” أفكاره متعددة الأشكال والألوان مثل قوس قزح، فضلاً عن ذلك فهو رجل صبور وحذر وذكي، يستخدم المناورة لإخراج المكنونات ولا يتعامل مع المقص إلا عندما يقيس أكثر من مرة! لذلك فإن خروجه من الحكومة مبني على حسابات دقيقة غير مرئية وخافية على قيادة الحزب.
} هل هذا يعني بأنه لن يخرج من الحكومة؟
– لم أقصد ذلك، مولانا ما دفعه للانخراط في السلطة مسألة مرتبطة بتجربة التجمع واستيعابه لرؤية المجتمع الدولي القائمة على تبديل منهج النظام وليس تغييره مروراً بالقضايا الدولية وإفرازات المشاركة على باحة الحزب والنظر إلى الحلول السياسية المعمولة، فهي إذاً حزمة متشابكة تحدد خطوات مولانا في البقاء أو الخروج من الحكومة بميزان دقيق.
} مولانا “حسن أبو سبيب” وصف مشاركة (الاتحادي الأصل) في الحكومة بأنها ديكورية.. وأن دستوريي الحزب أدوات زينة داخل السلطة.. لا يستشارون ولا يتخذون القرارات؟
– (أجاب بتهكم).. الديكور والزينة أصلاً من آليات التجميل، فلماذا نرفض ذلك يا مولانا “أبو سبيب”؟!
} أستاذ “سيد هارون” أنت ذهبت إلى (الاتحادي المسجل) الذي يقوده الدكتور “الدقير” ثم خرجت على جناح السرعة وعدت إلى حزب مولانا؟
– ذهبت إلى (الاتحادي المسجل) عن طريق تيار الأستاذ “علاء أبو بكر” في سياق التواضع على فكرة توحيد الفصائل الاتحادية، ووجدنا أن الأشقاء في التيارات الاتحادية الأخرى يرفضون إشراك الفصائل المرتبطة بالحكومة في مشروعنا، وبذلك كان علينا الانخراط مع جماعة (الاتحادي المسجل)، وقمنا بدراسة العديد من الشروط والتصورات معهم لإنجاح الفكرة اندماجياً، لكن سرعان ما اكتشفنا بأنهم لم يكونوا صادقين معنا، ومارسوا علينا الإرباك والمناورة، بل دخلوا في حوارات تقسيم (الكيكة) ولم نجد الحماس والالتزام من الدكتور “الدقير”، فأصابني الضجر في باحة (الاتحادي المسجل) وخرجت سريعاً وذهبت إلى منزلي، وقررت أن أكون اتحادياً على الشيوع، غير أن العديد من الأشقاء اتصلوا بي على رأسهم الأستاذ “طه علي البشير” والوزير “عثمان الشايقي” والمحامي “بابكر عبد الرحمن” وبعض الشباب والطلاب، فقابلت مولانا بعد ذلك حيث ذكر مقولته المشهورة (سيد هارون هو أمانة الخليفة ود بدر عندنا)، وأضاف قائلاً بأن هذه الجلسة تجب ما قبلها، وعليك أن تذهب وتعمل مع إخوتك في (الاتحادي الأصل).
} (عفواً) أستاذ “سيد”.. هنالك من يرى بأنك خرجت من (الاتحادي المسجل) لأنك لم تجد موقعاً وزارياً؟
– أجاب بـ(اقتضاب): هذا اتهام ركيك.
} لقد كنت وزيراً لـ (الثقافة والإعلام) في حكومة المشاركة باسم التجمع في ولاية الخرطوم.. ماذا قدمت؟
– قضيت حوالي أربعة أعوام في منصب وزير الثقافة والإعلام بولاية الخرطوم عبر المشاركة بواسطة التجمع بناء على (اتفاقية القاهرة)، واعتقد بأن الانجازات التي تحققت في عهدي تعود إلى الوطن والحزب، وأما إذا كانت هنالك إخفاقات، فإنني أسال الله المغفرة والتجاوز، كنت سعيداً بالخطوات الإبداعية التي قمنا بها من خلال البرنامج المكثف الذي جعلنا نطوف على أكثر من مائة نادي بولاية الخرطوم في إطار ترسيخ القيم المحلية والتراث والفلكلور والعرف السوداني والإبداعات الثقافية، فضلاً عن ذلك فقد كان هنالك إنجاز مهرجان الطفل الأول الذي اشترك فيه أكثر من ألف طفل على خشبة المسرح الذي يعتبر عملاً كبيراً محفوراً في الذاكرة، وكم سعدنا عندما نجحنا في بناء العديد من المسارح على مستوى ولاية الخرطوم، وأيضاً استطعنا توظيف العديد من الكوادر الشبابية في أقسام الوزارة المختلفة وهو عمل إستراتيجي له ما بعده، ولا يفوتني التذكير بالمساعدة والمؤازرة التي وجدتها من والي الخرطوم السابق الدكتور “المتعافي” والوالي الحالي الدكتور “عبد الرحمن الخضر”.
} هنالك تسريبات تتحدث عن قيامكم بتأسيس تنظيم الخريجين الاتحاديين الذي يضم جميع أطياف حزب الوسط الكبير؟
– الفكرة أصلاً قائمة في خاطري منذ فترة طويلة، حيث ترتكز على تحقيق أهداف إستراتيجية لصالح الحركة الاتحادية بتياراتها وألوانها كافة من خلال ترميم العقل الاتحادي إلى رحاب العصرية، وقتل الإحباط والقنوط ورصد خارطة طريق بأسلوب غير مسبوق على طريق بعث الحركة الاتحادية من جديد، فالواقع أن الساحة الاتحادية توجد بها ستة مسميات هي، (الاتحادي الأصل)، (الاتحادي المسجل)، (الوطني الاتحادي)، (الحركة الاتحادية)، (الاتحادي الموحد) و(الاتحاديون الأحرار)، علاوة على الذين ظهروا على شكل منابر تاركين الاسم التاريخي، ومن هذا المنطلق جاءت هذه الفكرة الاستثنائية لاستيعاب هذا الكم الهائل من الطاقات في إطار التركيز على عنصر الشباب والقوة الحية، أما شكل الآليات التي تقوم بتدوير المشروع الحيوي لن أفصح عنها لضمان السرية وعوامل النجاح المأمول.
} لكن البعض يتخوف من أن يكون هذا التنظيم الجديد عنصر (عكننة) وإشكالية مباشرة لبعض القيادات والوجوه القديمة في عدد من الأحزاب الاتحادية؟
– دائماً.. الأفكار التشاؤمية والمخاوف تعرقل المشاريع الكبيرة.. عندما يقوم التنظيم الجديد سيكون مدهشاً وحيوياً ورائعاً.
} هنالك علاقة قديمة بينك وبين “التوم هجو” القيادي في (الجبهة الثورية).. هل لديك رسالة له؟
– من الناحية الواقعية، لا يمكنني إنكار العلاقة الأخوية بيني والدكتور “هجو” الذي تعرفت عليه عن طريق الشهيد “الشريف الحسين الهندي” عام 1978م في “ليبيا”، وقد كان “التوم” يوم ذاك يقود أول خلية للاتحاديين لإسقاط النظام المايوي من خلال (الجبهة الوطنية)، أعلم بتجرد “التوم” وصدقه وأريد إسداء النصح له، لذلك أقول له أتمنى أن تكون أذنك قريبة منا حتى تسمع صوتنا.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية