مواصلات لا تتطور!!
} لا أعرف من الذي قال إن وسيلة نقل يمكن أن تكون بدلاً لوسيلة أخرى، هل يمكن أن تكون الطائرات بديلاً للقطارات؟ بمعنى أننا إذا استخدمنا الطائرات فلن نكون بحاجة إلى “القاطرات” و”البصات”. في كل مكان من الدنيا وعلى مر العصور تسير كل أنواع الوسائل دون أن تكون إحداها على حساب الأخرى. وهذا هو الأمر المتعارف عليه في كل أنحاء الدنيا.. لماذا؟ لأن لكل واحدة من هذه الوسائل خصائص لا يستطيع الآخر أداءها، فـ”البصات” تتمتع بخبرة أنها تدخل في الشوارع وتتوقف في كل مكان، والقاطرات سريعة وتحمل أعداداً كبيرة من الركاب بكل أمتعتهم، والقطار أكثر أماناً من الحوادث. من النادر أن نسمع عن تصادم قطارين أو انقلاب قطار، ولهذا يفضل كثيرون القطار لهذه الميزات.
} لم نسمع في أي مكان في العالم أن وسيلة مواصلات حلت محل الأخرى واحتكرت الخط لها وحدها. والحال كذلك لماذا يتخوف البعض من وجود القطار بجانب “البصات”؟
} حاول “نميري” طوال فترة حكمه أن يهمش السكك الحديدية، كل ذلك لأسباب سياسية لأن نقابة السكة الحديد كانت تلجأ لسلاح الإضراب عند أي اختلاف في وجهات النظر، وأذكر أن “نميري” درب مجموعة من رجال الجيش على قيادة القاطرات ليحلوا محل العاملين في السكة الحديد في حالة الإضراب. وبالفعل نجح في عدة مرات أن يفسد الإضراب ويبطل مفعوله بهذه الطريقة، لكن تلك كانت لأسباب سياسية، ولو أن آثارها امتدت لجعلت السكة الحديد مهملة، ولم تجدد قاطراتها أو خطوطها طوال العهد المايوي. وورثت منهم العهود التالية الخوف من السكة الحديد، فواصلوا تهميشها وعدم الاهتمام بها لأنهم لا يريدون إعادة الحياة لها. ومنذ ذلك الحين لم تعد للسكك الحديدية أية قيمة.
} وعاد الناس إلى استخدام “البصات” رغم مخاطرها وحوادثها، لا يمر يوم دون أن يقع حادث واحد بـ”البصات السفرية”، فيموت العشرات ويصاب العشرات بعاهات تبقى معهم طوال حياتهم. لهذا لم أفهم سر الإصرار على إهمال السكة الحديد رغم كل ميزاتها، ورغم أنها كانت يوماً وسيلة المواصلات الوحيدة بين المدن.
} في “أوروبا” تسير جميع وسائل المواصلات جنباً إلى جنب، لم نسمع عن وسيلة حاولت أن تحل مكان أخرى، لكل ميزاته ولكل ركابه، فلماذا يحاول البعض في السودان أن يجعل من وسيلة واحدة هي الأولى والأخيرة التي لا ثانٍ لها. ما الذي يخسره أصحاب “البصات” من ازدهار السكة الحديد؟ إن الذي يريد أن يسافر بوسيلة تتوقف في كل مكان يستخدم “البصات”. والذي يريد أن يمضي إلى وجهة بعيدة بسرعة سيستخدم الطائرات.. وداخل المدن هناك الترام والقاطرات الصغيرة، لم نسمع عن أن إحداها حاولت إلغاء الأخرى، ولا يمكن أن تحل وسيلة مكان أخرى مهما حرصنا على ذلك.
} لماذا لا يرى البعض ذلك؟ لماذا يحاولون تعطيل وسيلة على حساب أخرى، هذا أمر لا يمكن أن يتم.
} يجب أن يعرف الجميع أن السودانيين يعيشون على كوكب الأرض وهم يستخدمون أية وسيلة مواصلات اخترعت منذ مطلع القرن الماضي. مهما كان رأي الحكومات في هذه الوسيلة، فـ”نميري” لم يستطع منع الناس من استخدام القطار رغم “البصات” الفاخرة التي وفرها لأن لها ميزات لا تتوفر في الوسائل الأخرى.
} الآن هل عرفتم لماذا لا تجد نداءاتنا أي صدى حول تجديد السكك الحديدية؟ إنها بقايا المفاهيم المايوية، وإذا أراد أعداء السكك الحديدية أو لم يريدوا، فإن السكك الحديدية ستتطور وستصبح مثل غيرها في باقي الدول، لأن بلادنا بحاجة لها كما أن الأسر بحاجة لها.
> سؤال غير خبيث
هل هناك أسباب أخرى خلف محاربة “نميري” للسكك الحديدية غير السياسية؟