وجوه ومرايا..!
انشغلتم بالنظر إلى وجوه الآخرين.. لم يعد هناك وقت لأن تنظروا لوجوهكم.. الأحزاب في هذا البلد تدمن التحديق في الآخر.. البحث عن عيوبه ونواقصه ومناطق القبح فيه.. تتحرى بشق الأنفس عن فضيحة تدلقها كماء النار على وجهه.. تنتظر سقوطه كالثور لتكثر السكاكين ويبدأ نشر (الغسيل الوسخ)!
متى ينظرون إلى وجوههم؟! فالمرايا كثيرة وتكفي لأن تتوزع على الأحزاب جميعها.. من أكبر قياداتها إلى أصغر أعضائها… فقط انظروا إلى وجوهكم.. اعترفوا بأخطائكم أولاً قبل أن تتصيدوا أخطاء خصومكم.. ومارسوا ثقافة النقد الذاتي ولا أحد يطالبكم بجلد الذات…!
أحزابنا التي تدعو للحرية والديمقراطية والعدالة.. عليها أن تدرس هذا المنهج في فصولها أولاً.. وعلى قياداتها أن تكون قدوة من خلال فك الاحتكار والتشفير لرئاسة الحزب وعقد الجمعيات العمومية التي تأتي بالقيادات الجديدة بدلاً عن تلك التي انتهى تاريخ صلاحيتها.. حيث لا يجوز أن تكون القيادات هي نفس القيادات والزعامات هي ذات الزعامات.. والوجوه هي الوجوه.. لحقب زمنية طويلة تبدلت فيها خارطة العالم أكثر من مرة وتحولت فيها أيديولوجيات العالم إلى اتجاهات أخرى تجاوزت حاجز البوصلة..!
الانتخابات ستأتي.. هكذا كان الوعد.. لكن ما معنى انتخابات جديدة لأحزاب قديمة.. قديمة في كل شيء حتى برامجها الوطنية التي لم تعد تلبي حاجة المرحلة ولا تواكب شروطها..!
لمن يعطي هذا الشعب صوته؟! سيكون هذا السؤال صعباً ومعقداً ومربكاً.. فكل الأحزاب خضعت للتجربة وكلها أصبحت أوراقاً مكشوفة.. أين البديل إذن؟! ولماذا لا يكون بديلاً حقيقياً وليس مجرد قديم بطلاء جديد لا يغري كثيراً المراهنة عليه!
على الأحزاب أن تنظر لوجوهها.. أن تعيد رسم ملامحها أو على الأقل تخلع الأقنعة الكثيفة عنها.. حيث المؤكد أن (فئران التجارب) ما عادت تنطلي عليها حيل الأحزاب ولا شعاراتها التي لا تصدق.. وحين تفشل التجربة المعملية يكون الفأر أكثر جاهزية لتقبل فشلها مرة أخرى.. لكنه إذا لم يمت في الأولى لن تميته الثانية.. بل ستجعله أكثر كشفاً لأسرار الفشل… وأكثر قدرة على الخروج من المعمل الضيق إلى فسحات الهواء الطلق والبحث عن تجارب واقعية وليست افتراضية.. تجارب خالية من المغامرات والمكايدات التي تدمر كل شيء حتى معامل التجارب السرية أو تلك التي يسلط عليها الضوء بزعم أن ثمة بحوث تجرى لخدمة الإنسان ورفاهيته..!