القيادي الشيوعي د. "الشفيع خضر" في حوار المسكوت عنه مع (المجهر) "3"
منذ تأسيسه عام 1946 ظل الحزب الشيوعي أكثر الأحزاب السودانية إثارة للجدل، ومحورا للاهتمام، كونه كان دائماً ما يختار أصعب الحلول التي تجد معارضة شرسة من منتقديه وخشية مناصريه، ورغم تكهن الكثيرين بأن سنوات ممارسة الحزب في بلاط السياسة السودانية في طريقها إلى التلاشي والذبول، إلا أن الشيوعيين دائما ما يفاجئون خصومهم قبل أصدقائهم بقدرتهم على العودة مجدداً إلى الأنظار رغم تتالي الأزمات والنكبات على جسد حزبهم منذ أقدم قادته بعد انقلاب “هاشم العطا” حتى رحيل عدد من مفكريه أمثال “فاروق كدودة” و”فاروق زكريا” و”التيجاني الطيب” وآخرهم السكرتير العام للحزب “محمد إبراهيم نقد”، وهذا التبدل في قياداته وطرق تفكيره تجاه كثير من القضايا جعل الأنظار تتجه صوب بعض القيادات التي كان لها حراكاً معروفاً ونشاطاً فكرياً وسياسياً منذ أن كانوا طلاباً.
من تلك القيادات المهمة يبرز الدكتور “الشفيع خضر” الذي يعرف عنه اتجاهه نحو التحديث داخل الأطر الفكرية والتنظيمية داخل الحزب الشيوعي، التقته (المجهر) وأدارت معه حواراً شاملاً هو أقرب لمحاكمة تاريخ الحزب بالإضافة إلى كثير من القضايا الحالية، فبماذا رد عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي د.”الشفيع خضر”؟.
} ما هي أبرز التحديات التي تعتقد أنها تواجه الدولة السودانية حالياً؟
-ليس لدينا دستور دائم، فيها حرب أهلية من سنة 56، ما معروف النظام السياسي الذي يلائمها، صراع حول الهوية قد يصل إلى درجة القتل. طريق التنمية الذي نسير فيه غير معروف. وكل هذه قضايا موحدة لكل النخب التي تفكر حول الوطن. وعشان كدة نحن نطرح أن الوطن لا يبنى بالأيديولوجيا، ولا بحزب واحد أو حزبين. وعشان كده نحن من أنصار المشروع الوطني القومي لإنقاذ الوطن الذي يعالج كل هذه القضية والناس ممكن تقولها في سطرين ولكن بداخلها عشرات الأسئلة.
} هل يعوزنا الآن التحلق حول ما يمكن تسميتها بممسكات الوحدة الوطنية؟
-كقضايا الآن مطروحة وسماها السودانيون القضايا المصيرية ونتكلم عنها منذ 56..ويمكن أن نختصرها في أربع قضايا..النظام السياسي الملائم للبلد ومفروض نضع تحته عشرات التفاصيل، وكيف أنو كل مواطن في هذه البلد من أنحاء البلد، يشعر أن النظام السياسي ده عندو فيهو خدمات ودي قضية كبيرة، أما أن نقول إن البلد حزب واحد أو قومية واحدة أو عنصر واحد ده خلل كبير. القضية الثانية هي التنمية لأن الناس يتساءلون لماذا قامت حروب في دارفور وقبلها في جنوب السودان ودارفور، لأن الناس هناك يرون أن باطن الأرض عندهم غنية، ويتم استخراج الذهب والبترول والماشية وتصدر ولكن الأطفال يموتون ولا يتعلمون. والذباب يقتل بهائهم وما في موية شراب، ورغماً عن ذلك من عائد هذه الثورة في منتصف البلد هناك عمارات سامقات وموية معلبة، وده خلل لأنو ما في تنمية متوازنة. القضية الثالثة هي الدين والدولة وافتكر أن هذه القضية ابتذلت، لأنه وبعيداً عن الوجدان والمكون الروحي للمواطن السوداني، عندما أقول الدين للمواطن السوداني أقصد الإسلام والمسيحية وكريم المعتقدات. القضايا هي قضايا الدين واللغة والثقافة والقضية الرابعة هي الهوية ونحن شفنا علماء يتحدثون عن أن هذه البلد لم يعد فيها عنصر آخر سوى العنصر العربي، وأي كلام آخر هو كلام غير حقيقي ودي قضية كبيرة تسيل بسببها دماء. وهذه هي القضايا الأربع التي يمكن أن نسميها قضايا مصيرية وندعو للتوافق حولها، وليس حلها بالأغلبية والأقلية.
} وذات القضايا التي طرحتها الآن طرحها رئيس الجمهورية مؤخراً ودعا للحوار حولها؟
-أنا أتحدث عن قضية ظلت مطروحة منذ الاستقلال.
} ولكن هناك مبادرة الآن حول تلك القضايا ودعوة للحوار؟
-ده موضوع مختلف تماماً.. وسبق أن طرحها التجمع الديمقراطي في عام 95، وطرحت في عام 89 في المؤتمر الدستوري الذي أجهضه انقلاب الإنقاذ. ولو ناقشناها بمنطق سؤال فإننا لن نصل إلى حل لأنه في عام 89 تشكلت لجنة للمؤتمر الدستوري ويوم أربعة سبتمبر كان مفروض يعقد المؤتمر الدستوري. ودي القضايا المطروحة…فلماذا حدث الانقلاب؟ ده سؤال مفروض يجاوب عليه الناس العملوا الانقلاب.
} ولماذا رفض الحزب الشيوعي الحوار حول هذه القضايا إذا كانت تؤرقكم ؟
-الحزب لا يرفض مبدأ الحوار ولكن أي شخص لا يفهم أن هناك مناورة وراء طرح الحوار، عليه أن يراجع حساباته. ونحن نعتقد أن هذه ليست المرة الأولى للحوار بل أننا وقعنا اتفاقية في إطار التجمع الوطني في القاهرة وأيدنا اتفاقية، وبالتالي هذا الموضوع لم يأتنا بلغة هيروغليفية جديدة فهو مفهوم بالنسبة لنا، ودعمنا كل الاتفاقيات في “الدوحة” و”أبوجا” التي توقف الحرب، لكن نحن عندما يطرح لنا بعد كل ذلك هل من المعقول أن أنسى كل ذلك. وثانياً ما هي المتطلبات ولما تكون في رقابة قبلية تصحح ليك كلامك..ياخي نحن زمان لما كنا في المدرسة بنرفض يصححوا لينا وجهة نظرنا، ممكن يصححوا ليك بلاغتك أسلوبك، وإن كنا نضع للمعلم اعتبار التصحيح وتمنع من قيام ليلة سياسية عشان نكون جادين نفتكر إذا كان النظام جاداً في أن يكون هناك حوار، عليه أن يلغي القوانين المقيدة للحريات وإلغاء المحاكمات السياسية ويطلق سراح المعتقلين السياسيين، ومجرد إعلان ذلك سنكون موجودين في الحوار.
} لماذا لا يعمل الحزب الشيوعي منفرداً إلا في إطار تفاهمات أو اتفاقات مع قوى سياسية أخرى؟
-أصلح معلومة وأرد ليك مش عشان أنفي الفكرة دي لأنو أنا شايفها صحيحة، في أننا نعمل في إطار تحالفات، لكن الحزب الشيوعي عنده تاريخ طويل من العمل المشترك ولديه تاريخ طويل من العمل الفردي، ونحن في فترة “عبود” كنا في جبهة موحدة مع القوى السياسية الأخرى، ثم حدثت خلافات وعملنا منفردين. وفي عهد “نميري” ظل الحزب الشيوعي منذ 71 وحتى قبيل الانتفاضة يعمل لوحده.
} ألم ينتج عن ذلك ارتداد عكسي بمعنى في عام 65 حصل على (11) دائرة برلمانية، ثم تراجع في عام 86 وحصل على ثلاث دوائر فقط؟
-من الممكن أن تكون هناك أسباب ثانية ولكن ليس ليها علاقة بأنه يعمل لوحده، في كلا الانتخابات كنا وحدنا. ولكن أعتقد أن ممارسة الحزب في ان يكون هناك عمل جبهوي يتماشى هذا مع قضايا الحزب في أن قضايا الوطن لا يحلها حزب واحد وإنما أوسع تحالف ممكن.
} هل تعتقد أن “الترابي” و”الصادق المهدي” سوف يشاركان مع الحكومة الحالية ويوسعان قاعدتها؟
-إنت شايف أنا بشوف الغيب..؟ أنا سياسي ممكن يعملوا العملية دي.
} أنا أسألك عن قراءاتك السياسية المستقبلية؟
-لا أعتقد أنهم سيشاركون بهذه السهولة وأرى أن السؤال ليس سهلا حتى تكون إجابته ساهلة، وفيه تعقيدات كثيرة وإذا تحدثنا بلغة الكتب حتكون الإجابة أيوه، لأن هذه الأحزاب الثلاثة (الوطني، الشعبي، الأمة) متقاربة مع بعض من حيث المنطلق العربي الإسلامي والتشريع المرتبط بالإسلام ممكن أن يتشاركوا ولكن السياسة السودانية فيها مسرح اللامعقول وفيه ناس بيقولوا إنو الكلام ده كلو تمثيلية وكل الاحتمالات مفتوحة، لكن أعتقد صعب وجود مقياس دقيق لمعرفة ما سيحدث غداً، وإذا قدر لي أن أقول حاجة كلما بحثنا عما ينقذ هذا الوطن بمستحقاته الحقيقية كلما سيخطو خطوات في درب التاريخ المضيء وكلما سيكون محصور في اقتسام كراسي السلطة وغنائما سيكون في الجانب غير المضيء.
} ننتقل إلى محور آخر…أياً من قيادات الحركة الإسلامية كانوا زملاءك في مقاعد الدراسة؟
-كثيرون..كان يجلس بالقرب مني في جامعة الخرطوم “الطيب إبراهيم” وكانت تجمعنا علاقة زمالة دراسية وطيدة.
} كان يطلق عليه الطيب (سيخة)؟
-على أي حال أنا ما قاعد أطلق عليهو كده..وهناك آخرون مثل “غازي صلاح الدين” و”سيف الدين محمد أحمد”.
} هل كان د.غازي زميلك؟
-كان قدامي في الجامعة وأيضاً “مصطفى عثمان إسماعيل” و”إبراهيم غندور” وكتار جداً.
} كل هؤلاء كانوا (أبناء دفعتك)؟
-نعم ولكنهم كانوا في قسم آخر و”محمد الحسن الأمين” الذي درست معه في الثانوي.
} كيف كانت العلاقة بينك وبينهم؟
-يعني..علاقة الإسلاميين العاديين يعني ما كان فيه تناحر والزمن داك كان مختلفاً.
} أنت كنت في ذلك الوقت في الحزب الشيوعي وهم كانوا في الحركة الإسلامية؟
-نعم
} هل كانت هناك مساجلات داخل أركان النقاش؟
-نعم..و”الطيب إبراهيم” ده بحكم الترتيب الأكاديمي في الجامعة كنا قاعدين جنب بعض.
} هل ظهر لقب الطيب (سيخة) في ذلك الوقت؟
-إلا يكون بعد الجامعة..ولكن أنا في الجامعة لم أسمع بأحد أطلق عليه (سيخة).
} هل صحيح أنه من أدخل (السيخ) إلى الجامعة؟
-لا..لا أعتقد
} هل حدث صدام بينكم أيام الجامعة مع “غندور” أو “مصطفى عثمان إسماعيل” أو غيرهم؟
-“غندور” ومصطفى عثمان” من المجموعات غير العنيفة.. لكن حدث صدام في الجامعة في محطات كثيرة..لكن صدام شخصي بيني وبينهم لم يحدث
} هل كنتم تقدرون أفكار واتجاهات بعضكم البعض؟
-لم يكن مناخ السودان الذي تآكل الآن يسمح وقتها بأن يكون فيه نوع من عدم احتمال الآخر.
} عكس ما يحدث الآن؟
– الآن المناخ تآكل تماماً.. رجعنا للتعصب القبلي والسياسي والشوفوني بشكل متخلف أنا بقول مباشرة سببها الإنقاذ.
} عندما طرحت لأسرتك انتماءك للحزب الشيوعي هل كان هناك من عارضك؟
-لا..لأن البيت متأثر بهذا الجو وصحيح أن والدي توفي ولكنه كان رئيس الجبهة المعادية للاستعمار.
} هل كانت تسميتك الشفيع تيمنا بالشفيع أحمد الشيخ؟
– نعم وكان الصديق الشخصي لوالدي الراحل.
} هل قوبلت بأسئلة من نوعية (انت بتصلي)؟
-نحن كنا في فترة قبل أن يأتي المشروع الحضاري فعله السالب كان تفتيش الضمير ده غير مسموح به.. وكان الناس بيتعاملوا مع الإنسان الذي أمامهم يحاكم في يوم واحد بالتساوي في الآخر وعشان كده لم أواجه بهكذا أسئلة..وعشان كده بفتكر أن طرح الموضوع الآن بهذه الطريقة أدخل الزيف والنفاق في التعامل مع الإسلام وحول كثير من الشعائر إلى مجرد (قشرة) ونحن نشهد الآن في ممارسات منهي عنها بمئات الأحاديث سواء أن كان المخدرات أو عدم الاحترام للكبير أو عدم تقدير لإشارات المرور وغيرها.
} إذا عاد بك الزمن إلى الوراء قليلاً هل ستمضي في ذات الدرب الذي مضيت فيه؟
-السؤال ده دائماً والناس بيكونوا متحمسين ويقولوا ليك نعم.. لكن أنا بفتكر لو عدت إلى الوراء بنفس المكون والبيئة والواقع بقول ليك نعم .. لكن لو نقلت الواقع الراهن ده إلى الوراء..أو نقلتني أنا وخليتني أكون الآن بالتأكيد سأختار خيارات مختلفة تماماً.
} كنت ح تختار شنو؟
-ماعارف..إلا أكون متنبئ وأنا ما متنبئ.
} يعني إذا عدت إلى عمر (17) عاما الآن هل ستختار ما اخترته سابقا؟
-ده سؤال إجابته صعبة..وأنا بتذكر عندما كنت طالباً في سادسة طب كتبت طلب تفرغ للحزب الشيوعي.. ولكن لو الآن جاءني طالب طب شيوعي وقال لي عايز أعمل زي ما عملت أنت زمان ح أقول ليهو لا..ويمكن أقول ليهو الموضوع اختلف الآن وعايز مناقشة بطريقة أخرى.
} ما هو رأيك في “الترابي”؟
-مفكر إسلامي لديه رؤيته الخاصة ويمارس السياسة بمنهج خاص به وكثير من أطروحاته فيها تحدي للفكر.. وكثير من أطروحاته يتهم بها الإسلاميين .
} رأيك في الصادق المهدي؟
شخص سياسي ومفكر ولديه رؤيته ومجتهد بطريقته الخاصة لكن بفتكر أن كل القيادات السياسية بما فيهم أنا حقو نفسح المجال لبقية الأجيال.
} رأيك في سيد الخطيب؟
-لم احتك به كثيراً التقيت به أيام تفاوض القاهرة ولديه الكثير الذي يجعلك تحترم التعامل به.. وكل هذه الأسئلة حول هذه الشخصيات أرد عليها بمعاييري الشخصية ويمكن أن يكون للشعب السوداني رأي آخر..وفي النهاية أحترم رأي الشعب السوداني.