..وماذا بعد؟!
بعد خطاب (الوثبة) الذي ألقاه السيد رئيس الجمهورية ورئيس المؤتمر الوطني، ورغم الاتصالات التي قام بها مع رؤساء الأحزاب ذات الوزن وغير اليسارية، ساد الساحة الإعلامية والسياسية الكثير من عدم الثقة والظنون حيث حسب البعض ذلك لعباً على الوقت وحسن الظن.
بالأمس – أي مؤخراً – جاء خطاب السيد الرئيس من داخل مجلس الوزراء الذي هو منتج حكومة عريضة ولا نقول (انتقالية أو قومية) كما يشتهيها ويتطلع إليها البعض. والخطاب كما سنعود إليه في هذه السانحة هو (خريطة طريق) وإصلاح وإعادة هيكلة ومراجعة للكثير من المجالات والجوانب.
وقد كان ذلك الخطاب بما اشتمل عليه الخطوة الأولى وليس الأخيرة في الحوار الوطني المطروح على الساحة السياسية بمختلف مفرداتها. لأن الحوار له آليات وأدوات يقوم عليها وهي تحديد كل حزب لمن يمثله في ذلك الحوار الذي هو هم قومي.. وما يشار إليه هنا أن حزب المؤتمر الوطني قد شكل الأسبوع الماضي (دسته) المحاور وفيه عدد كبير من الأعضاء والرموز الحزبية التي عرفت بالخبرة والقدرة على محاورة الآخر والتي بها عدد من السابقين الذين تمت تنحيتهم من مواقعهم الدستورية والحزبية في إطار عملية (التغيير) التي قصد منها التحديث والتجديد.
على كل، ومهما يكن من شيء، فإن المؤتمر الوطني قد أكمل ترتيباته الخاصة بالحوار الوطني فكراً وآلية وجماعة للدخول في عملية الحوار الوطني وهي ما يعول عليها الآن. وقد أبدى كبار قادة الأحزاب السياسية (الشعبي والأمة) رغبتهم في ذلك.. وهي رغبة لا تخلو من الصدق والمسؤولية.. فزعيماهما “المهدي” و”الترابي” يسهمان الآن في مؤتمر (أم جرس) في جلسته الختامية وهو نشاط رسمي سوداني وتشادي.
وهذا كله شيء أو جانب، بيد أن خطاب السيد الرئيس “البشير” من داخل مجلس الوزراء (الأحد الماضي) كان شيئاً آخر، له وضعه ودوره في الحوار الوطني المزمع والذي أبدى الكثيرون رغبتهم للمشاركة فيه.
ولهذا الذي نقول ما يؤسس عليه أو يؤكد على جدواه.
فالخطاب تطرق إلى:
– الاقتصاد
– الاجتماع
– العلاقات الخارجية
– الإعلام
– والجانب السياسي والعدلي
وهذه كلها أمور تهم المواطن ويتعين أن تكون حاضرة في أجندة وبرنامج كل حزب سياسي وإن أضاف إليها البعض ما يرون فالكمال لله – كما يقولون. ولم تطرح إلا من باب أن تكون معيناً على الوصف الفكري السياسي في عملية الحوار الوطني.
ففي الجانب الاقتصادي دعا الخطاب إلى تقوية ودعم البناء الهيكلي لأجهزة صنع السياسات.. بما يحقق التوازن بين الخزانة والاقتصاد في وزارة المالية.. فضلاً عن ترتيب وضبط أولويات الإنفاق الحكومي. ومن ثم كان الحديث مؤخراً عن (توطين) المركبات الرسمية – أي من جياد وترك سيارات (اللاندكروزر) الأجنبية.
وتلك التي أشير إليها عملية بسيطة في الجانب الاقتصادي الذي هو هم البلاد الأكبر الآن والذي له جوانب كثيرة..
وقد تطرق الخطاب أيضاً إلى المجال الاجتماعي وأهم ما يذكر فيه الخدمات الصحية والتعليمية والبيئية وغيرها مما يتطلع إليه المواطن في كل مكان ريفاً أو حضراً كالكهرباء والماء، إلا أن الجانب الأمني والعدلي ولهما ما لهما من الاهتمام أشار إليهما الخطاب داعياً:
– بسط الأمن وهيبة الدولة.
– ومع ذلك التأمين على الحريات والحرمات والحقوق الأساسية.
فالأمران (بسط الأمن وهيبة الدولة و(الحريات والحقوق الأساسية) أمور متكاملة ومتداخلة ويتعين المؤاخاة والملاءمة بينهما ما تيسر.
وتطرق الخطاب أيضاً إلى مجال (بناء القدرات) وهو ما يحقق كل ما أشير إليه أو يشار من طموحات.. وفي هذا السياق وجه الخطاب إلى إجراء إصلاح شامل للخدمة المدنية.. وهي آلية تحقيق الخدمات وواجبات الدولة المختلفة.
ثم من بعد تظل (العلاقات الخارجية) والدبلوماسية من الهموم الكبرى التي لابد من إعادة نظر وترتيب بين الحين والآخر.. ذلك أن المتغيرات الإقليمية والدولية وهي كثيرة تدعو لذلك. وهنا كان أن أشار الخطاب إلى (كتاب أبيض) تتطور بموجبه الدبلوماسية السودانية. وللإعلام دوره في الكتاب الأبيض.. وبخاصة ما دعاه الخطاب (الإعلام الجديد) الذي يتعين فيه تنظيم الفضاء الإعلامي الوطني… بمعنى ألا تترك الأمور – هكذا – بلا توظيف أو عمل ضد الأجندة الوطنية والمصلحة القومية بشكل عام.
ونحن نقتطف ونختطف هذه الجزئيات من خطاب السيد الرئيس “البشير” الأخير في مجلس الوزراء نقول إن أجندة الحوار الوطني المنتظر قد بدأت تظهر وتتبلور، ولم يبق إلا أن يضاف إليها.. بيد أن الإلقاء بها أو ببعضها من الطاولة – وهو ليس حراماً تماماً – لا يبدو وارداً.
فما قيل في مجال الاقتصاد والصرف الحكومي وبسط الأمن وهيبة الدولة مع التأكيد والتأمين على الحريات والحرمات والحقوق الأساسية.. يبدو مجتمعاً من صميم هموم وأجندة أحزاب المعارضة من قبل منها بفكرة الحوار الوطني ومن لا يزال ينتظر وينظر من خلال النافذة.
المؤتمر الوطني بما ذكرنا من نقاط وخطوات قام بها لم يترك للمراقب أو المحلل السياسي من فرصة إلا أن يقول إنه (جاد) وعلى الآخرين أن يمضوا على ذات الطريق لأن المسؤولية الوطنية والقومية لا تسمح باللعب على الأحلام والأماني التي مضى زمانها.
والله المستعان.. فماذا بعد..؟!