رأي

العمارات زمان

} في أيام المرحلة الثانوية كان لدينا نحن سكان الامتداد هواية نمارسها على الأقل مرة في الأسبوع، تلك الهواية كانت هي التجول في شوارع حي العمارات القريب. الذي يشاهد شوارع هذا الحي الآن ربما يتساءل: ما الذي أعجبه في شوارع هذا الحي؟ ولكن كانت الشوارع آنذاك هي نفسها شوارع الأحياء الراقية في لندن. كنا نعتبر ذهابنا إلى حي العمارات مساء رحلة رائعة يعود منها الواحد وهو في غاية السرور.
} كانت شوارع حي العمارات كلها مسفلتة مرصوفة. وكانت هناك حدائق صغيرة رائعة وأشجار كثيفة خضراء وورود تطل من الأسوار. وكانت رائحة الياسمين تغمر كل الشوارع.
} كان أي منزل مكوناً من طابقين أو ثلاثة وبه حديقة أنيقة.. لكن أهم ما في شوارع حي العمارات أن كل شوارعه مسفلتة مرصوفة حتى لو كان عرضه ستة أمتار، وطوله مائة متر. كنا نحلق مع الخيال فنتخيل أنفسنا في شوارع لندن ولا نفيق من هذا الخيال إلا بعد أن نعود إلى حي الامتداد حيث نقيم.
} كانت شوارع هذا الحي نظيفة دائماً لا تجد فيها ورقة أو حتى قشرة موز. وكانت الأرصفة نظيفة حتى من الأتربة لأنها كانت تكنس يومياً. لهذا كانت جولتنا تمتد لساعات وساعات يساعدنا على ذلك الجو البارد الذي توفره النباتات الخضراء.
} كانت المباني كلها أنيقة لامعة يحرص أصحابها على أن تظل نظيفة لامعة باستمرار. أذكر أن بعض زملائي الطلاب في مدرسة الخرطوم الجديدة كانوا يستخدمون مواصلات العمارات التي تستخدم الشارع الفاصل بين الديوم والعمارات. وكان أحدهم يقول لنا: عندما أهبط في محطتي لا أتحرك بسرعة لأعبر الشارع حتى يظن الركاب أنني من أبناء العمارات.. وبعد أن يبتعد البص أتحرك لعبور الشارع لأذهب إلى منزلنا في الديوم. كان يفصل بيننا والعمارات ميدان طوله حوالي الكيلومتر. وكان حي الامتداد يبدأ بعد حوالي الكيلومتر من نهاية العمارات. ولهذا لم تكن أمامنا فرصة لنفعل كما يفعل أبناء الديوم من الإدعاء أننا من سكان العمارات.
} أكثر ما يدهشنا نحن أبناء الأحياء الشعبية أن شوارع العمارات ليس فيها ذرة تراب. ونتساءل أين ذهبت الأتربة التي تغطي شوارع الأحياء الشعبية. عدت إلى هذا الحي في تسعينيات القرن الماضي عندما كنت أعمل في ألوان.. وجدت الشوارع قد تشققت والأتربة زحفت عليها. والحدائق معظمها جف. أما الشوارع فمعظمها غارق في الظلام. لم أعرف هل كان ذلك أمراً مقصوداً أم ماذا. لقد رحل من العمارات معظم العائلات الكبيرة وحل محلها مجموعات من العزاب موظفي الشركات. وهؤلاء لا يهتمون بالشوارع أو الحدائق. وكل يوم يموت شارع أو تموت إضاءته. الآن هذا الحي يوزع الاكتئاب بعد أن كان يوزع الفرح. رحم الله شوارع العمارات.
> سؤال:
حتى الأحياء التي كانت توزع الفرح لم تعد موجودة هل هو أمر مقصود؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية