رأي

روشتة لأهل الثقافة..!!

الأسبوع الماضي كان (مزحوماً) بأحداث شتى، معظمها في الشأن الثقافي، وقدري أنا الفقير إلى رحمة مولاه، أحد المحسوبين على قبيلة الإبداع في وطننا الجميل الجريح، فكثيراً ما أكون حضوراً مشاركاً في العديد من الفعاليات التي تقام بمنابر الثقافة التي أصبحت متكأً حانياً للعديد من محبي الثقافة.. اليوم، سأكتب عن هذا الأمر.
ظهرت على سطح الحياة العديد من الشركات العاملة في مجال الثقافة، وهذا أمر إيجابي في حراك المجتمع، واعتراف صريح من المجتمع بجدوى الفعل الثقافي، وهذا مؤشر حضاري يصب في وجدان الإنسان السوداني. وتلك الكيانات تزداد يوماً بعد يوم، غير أنها متجذرة، فكل كيان يعمل بمنأى عن الكيان الآخر، وهذا أمر يوقع تلك الكيانات في تكرار البرامج.. وكان من المفترض أن تقيم هذه الكيانات جسوراً بينها للتفاكر والتنسيق لإنتاج تلك البرامج، والاتفاق على خارطة برامج تستوعب كل نشاطات الفنون والإبداع.. والذي أراه أن منشط الغناء الموسيقى يستأثر بالنصيب الأكبر، والثقافة ليست غناءً وموسيقى، لذا اقترح على صديقي وزير الثقافة الاتحادي وصديقي وزير الثقافة والإعلام الولائي أن يعقدا اجتماعاً جامعاً يضم كل تلك الكيانات الثقافية من اتحادات وجمعيات لرسم خارجة طريق ثقافية يراعى فيها تقديم الثقافة بروافدها العديدة، ولتكن خطة سنوية تجاز من قبل الوزارتين وتلك الكيانات لتتنزل على المنابر العديدة بعاصمة البلاد وكل ولايات السودان.. ولأن مثل هذا العمل الكبير يحتاج إلى ميزانيات، حبذا لو تمت دعوة كبريات الشركات الداعمة للثقافة لتقدم دعمها للبرامج المجازة بدلاً عن حصر المساهمات في أنشطة بعينها.. وأكرر بأن المركز احتكر إلى حد كبير النشاط الثقافي، خاصة وأن رموز الثقافة من مبدعين يقطنون بالمركز، والأصوب أن يذهب المركز إلى الولايات لتحقيق شعار أن الثقافة تقود الحياة.. ومن ناحية أخرى هنالك عدد من المبدعين يقطنون تلك الأطراف والولايات، ينتظرون من ينفض عنهم الغبار لتفجير طاقاتهم الإبداعية.. عندها يمكن أن نرسم لوحة الإبداع السوداني التي تظهر ثراء الإبداع السوداني وتنوعه، في إطار وحدوي قومي يرسم صورة واضحة المعالم لثقافة أهل السودان العميقة الضاربة الجذور.. (بعدين كفانا من ثقافة الوسط والمركز التي أقصت ثقافة الأطراف والولايات).. وهذه مناسبة أشكر فيها الشركات التي تتعاقد مع الشعراء ليؤدوا بعض مقاطع من أشعارهم بأصواتهم تستغل عبر الهواتف الجوالة.. وأقول لهم: (والله العظيم وكتابه الكريم القروش البتدوها للشعراء المساكين شوية ومدة استغلال المصنف الشعري طويلة.. ولأنكم تحتكرون سوق هذا النشاط بالتعاون مع شركات الهواتف، فالعقود التي تبرمونها مع أهل قبيلتي عقود باطلة بطلاناً مطلقاً لأنها تمليها إرادة منفردة وتعرف مثل هذه العقود بعقود الإذعان، وبالتالي فالشعراء مجبورون على إبرام مثل تلك العقود).. فانتبهوا يا قبيلة الإبداع.. اتحدوا ووحدوا كلمتكم حتى تثمنوا إبداعكم بالثمن المجزي، لأن الطرف الآخر يأخذ نصيب الأسد، وأنتم تأخذون الفتات.. ودعونا من نعرات فلسفية أيديولوجية لا تخدم ولا تسمن من جوع.
وفي نفس الأسبوع كتب زميل بالزميلة (الرأي العام) أثنى على حلقتين اشتركت فيهما بالحوار في برنامج يقدمه صديقي مولانا “سبدرات” بالتلفزيون، ذلك الزميل وصفني بـ(المغنواتي).. أقول له شكراً جزيلاً لاختيارك تلك العبارة التي اخترتها أيها الكاتب الكبير، فأنا فعلاً (مغنواتي).. وفي نفس السياق أشكر زميلي الصحفي الإنسان بصحيفتنا (المجهر) لثنائه العاطر المحفز لي والذي استحق جزءاً من شكره الذي أورده في عموده.. وعلى ذكر الكيانات الثقافية أزجي أسمى آيات الشكر والعرفان والتقدير لجمعية (العندليب) بالعباسية، وأهنئهم على قيام الجمعية التي شرفوني برئاستها، فهذه لفتة كريمة وبارعة تؤكد وفاء أهل حي العباسية بأم درمان لابن حيهم الفنان الكبير الراحل المقيم “زيدان إبراهيم”.. غير أني حزنت حزناً عميقاً لافتقار الجمعية للمعين المالي الذي يمكنها من الانطلاق لتحقيق العديد من الأهداف الثقافية والاجتماعية التي كان يتوق الراحل “زيدان” لتحقيقها.. ولمحبي (العندليب) أقول إن الجمعية ترغب بالدعم والهبات التي تشد من عضدها وتمكنها من إنفاذ برامجها.. بالمناسبة المقر المؤقت للجمعية هو (نادي العرضة الرياضي) و(الربيع الرياضي) و(مركز شباب الربيع) بالعباسية.. وعلى ذكر المنتديات، تذكرت وصية أوصانا بها الشاعر العظيم الراحل المقيم أستاذنا- له الرحمة- “مصطفى سند”.. أوصانا أن لا نقرأ أشعارنا في منابر الشعر بلا مقابل مادي، ويبدو أنه ما ترك لنا مثل هذه الوصية إلا بعد إجحاف وعنت ذاقه عبر اشتراكه مئات المرات قارئاً لأشعاره الجميلة التي تجعل من يسمعها يدمي أكفه من التصفيق والاستحسان.. وقد حكى لنا أن مؤسسة فخيمة دعته إلى أمسية ثقافية مناصفة مع فنان، فلبس مفتخر ثيابه وأستأجر عربة أقلته من منزله بالثورة إلى أقصى جنوب الخرطوم، وهناك كان في استقباله نفر من منظمي الاحتفالية، فصعد المسرح وظل يقرأ أشعاره لأكثر من نصف ساعة، وجلس مع الحضور وأكمل معهم باقي الحفل، وعند نهايته لم يجد من يقول له شكراً على المشاركة، ورجع إلى منزله ليدخل على أهله ويأخذ منهم أجرة العربة التي أقلته في الرجوع، في حين أن الفنان الذي شارك معه في المحفل أخذ أجره هو وفرقته قبل صعوده المسرح.. (ما عيب بالله!! وما ليهو حق شاعرنا– له الرحمة– أن يوصينا تلك الوصية؟!).. والشيء بالشيء يذكر.. لقد لبيت دعوة أسرة بنك السودان بدارهم الجميلة العامرة، وحفلهم هذا يقام سنوياً في ميعاد معلوم، وجعلوا مناسبة عيد الأم موضوعاً لحفلهم الرائع الذي كرموا فيه نفراً كريماً من العاملات من قيادات البنك، وكرموا فيه المرحومة والدتي بشهادة تقديرية كتبوا فيها كلاماً طيباً في إطار رائع جميل، وخاطبت المحفل وقرأت قصيدة أمي– يرحمها الله– وكانت قد سبقتني أختي الصغرى الشاعرة الكبيرة المشرقة في جميع المحافل الأستاذة “روضة الحاج”، وتم تكريمها من قبل القائمين بأمر الحفل وخرجت قبل انتهائه، وأظنها لم تعط ظرفاً مقابل أدائها الشعري، لأني لم أعط ذلك الظرف الحرج المفرح، لكن الذي لا شك فيه هو أن الصديق الموسيقار الكبير الدكتور “محمد الأمين” وفرقته الموسيقية الضخمة قد تقاضوا أجرهم نظير عطائهم الفني الذي لا أعرف مقداره– وهو وفرقته يستحقون أكثر من الذي تقاضوه- وسؤالي: ألا يستحق الشعراء مقابلاً مادياً، إذ إنهم قدموا فنهم إلى الجمهور الذي استمتع بأشعارهم واستحسنها وقاطعهم بالتصفيق؟! وسؤالي لا أورده من باب التظلم لمنظمي حفل بنك البنوك حتى يجبروا خاطري وزميلتي الفضلى “روضة”، فكلانا ترك كل شيء في تلك الأمسية وتكبد مشاق الطريق ليلاً من وإلى مكان الحفل، وكان حريصاً أن يقدم أفضل ما عنده.. (حسبتوها كيف)؟ (وناس ياخدوا مقابل مادي مجزي وناس ما ياخدوا أي حاجة.. حق البنزين وغسيل البدلة في الدراي كلين أقلو يا ناس البنك)!! والمحزن هنالك من الأقارب من يأتي في اليوم التالي لمثل ذلك الحفل ليقول: (يلا ناولنا البارح ظرفك مصلح)!! وتحلف له بأغلظ الأيمان ولا يصدقك، بل يقول: (دي على منو!! معقولة بس)؟؟
والغريب أن المتلقي، المواطن، يحترم ويقدر المبدع وإبداعه، ويفصح عن هذا الإعجاب بطرق شتى، مثلما فعلت سيدة فاضلة كريمة في ليلة فندق (كورال) نظمتها شركة (البروف)، التي نادتني بأدب شديد تستأذنني في إهدائها لي تمثالاً غاية في الجمال صنع من خشب الأبنوس عبارة عن أم تحمل رضيعاً، وأجزم أنها دفعت فيه مبلغاً مقدراً، ولم تشأ أن تهديني له (فشخرة) أمام الجمهور!! فلك الشكر أجزله وتأكدي أن هديتك ستزين منزلنا المتواضع.. فاتني وفات عليك أن تعرفيني بشخصك.. والطريف أن هذا السلوك زاد من تقديري لك أيتها السيدة الكريمة المحبة للثقافة.
البعض انتقد الاحتفال بعيد الأم مظهراً وجوهراً، والبعض انتقده– فقط– مظهراً.. لكن في كل الأحوال هي سنّة حميدة.. والتهاني والتبريكات لكل أمهات الوطن.. والحديث لم يتم عن الثقافة وكياناتها.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية