تقارير

هل يشيع الدارفوريون اتفاق الدوحة في وادي أم جرس ؟؟

أربع طائرات من طراز (بوينج) غادرت منذ أمس (الأربعاء) إلى دولة تشاد.. وطائرة رئاسية على متنها نائب رئيس الجمهورية تحط في الساعات القادمة بمطار مدينة أم جرس التشادية.. وأكثر من (750) من زعماء العشائر وسلاطين ومكوك وملوك ونظار وعُمد وشراتي وأمراء وناشطين سياسيين في أحزاب الحكومة والمعارضين.. جاءوا من زالنجي والجنينة والفاشر والطويشة ونيالا والردوم، ومن الخرطوم عموم اتجهوا صوب مدينة أم جرس التشادية يبحثون عن خاتم السلام المفقود.
كل ولاة دارفور عسكريين ومدنيين وزعماء القبائل ورؤساء مجالس الشورى والمجالس التشريعية (حملتهم) حكومتهم بطوعها واختيارها على متن طائرات (البوينج) إلى مدينة أم جرس بحثاً عن السلام.. والمشكلة السودانية طاف بها أهلها قارات الدنيا ومدن وعواصم العالم، ولا يزالون يبحثون عن المفتاح الضائع.. وإذا سألت أي سوداني عن تدويل مشكلة بلاده لقال لك نحن نرفض التدخل الأجنبي في الشأن السوداني، بينما يسعى قادة البلاد بأقدامهم إلى الدول الخارجية يتسولون الحلول ويناجون الحكمة.. فقد طافت المشكلة السودانية بعواصم أفريقيا الغربية والشرقية من أبوجا في نيجيريا إلى كمبالا ونيروبي وجيبوتي وطرابلس والقاهرة وجوهانسبرج، وأديس أبابا، ثم أسمرا وحتى مدينة أروشا في تنزانيا التي تشبه كادقلي والدمازين، ولما كان لآسيا نصيب في المشكلة السودانية فقد احتضنت الدوحة مفاوضات السلام مع الفرقاء السودانيين والرياض والكويت التي ترعى اتفاق شرق السودان، وانتقلت القضية السودانية إلى أوروبا من جنيف وبيرجن في سويسرا إلى بروكسل في بلجيكا ولاهاي في هولندا والمملكة المتحدة التي تتكون من الأسود الثلاثة.. وعبرت القضية المحيطات إلى واشنطون ونيويورك، ولم يتبقَّ لنا نحن السودانيين إلا عواصم كركاس في فنزويلا وريودي جانيرو في أمريكا الجنوبية، فلا عجب إن توجه أهل السودان اليوم إلى مدينة أم جرس التشادية حيث تربطنا أواصر الدم والتاريخ والجغرافيا واللغة والدين بأهلنا في تشاد.
{ في عرين الجنرال «بكري»..
مواهب الفريق أول «بكري حسن صالح» تتجلى في قدرته المذهلة في قراءة أوراق من يجلس أمامه، وتدهشك تعبيراته عن القضية التي يتحدث بشأنها العشرات من الناس وصدقه في التعامل مع الآخرين.. عطفاً عن نفوذه في الدولة كأقرب القيادات إلى المشير «البشير».. الفريق أول «بكري حسن صالح» أسندت إليه ملفات دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان.. فماذا تبقى في السودان من قضايا غير هذه البؤر المشتعلة بالأحداث والموت والنزاعات.. وإسناد ملف دارفور للرجل الثاني في الدولة والحكومة يمثل تطوراً كبيراً في وضع القضية في مسارها الذي ينبغي أن تكون فيه.. وقد ظلت قضية دارفور تسند لبعض الموظفين والسياسيين ممن لا يصنعون قراراً ولا يملكون تفويضاً لحسم القضايا التي تطرح، فالقضية أسندت من قبل لـ«الشريف بدر» وهو بلا وظيفة في الدولة، ثم إلى الفريق «محمد أحمد الدابي» وإلى د.«مجذوب الخليفة»، ثم أخيراً إلى د.«أمين حسن عمر»، والأخيران أي د.«مجذوب» ود.«أمين» كان حصادهما في القضية اتفاقية أبوجا.. والدوحة، وكلتا الاتفاقيتين لم تحققا مقاصدهما في بسط السلام والاستقرار في ربوع دارفور. وبات الآن الدارفوريون يبحثون عن بديل للدوحة وأبوجا وإن رفضت الحكومة الاعتراف بذلك جهراً.. في منزل الفريق أول «بكري حسن صالح».. شكلت دارفور وجوداً كبيراً جداً.. رجال بعمائم بيضاء.. يهمسون بما في النفوس همساً، وفي المنابر يقولون حديثاً ناعماً في ملمسه وخشناً في جوهره.. تمددت الدعوة التي يمثل السلطان «محمد بشارة دوسة» وزير العدل (عرابها) لتشمل جميع مكونات دارفور ليقودهم «دوسة» إلى (عرين الزغاوة) التشاديين انطلاقاً من عرين الجنرال «بكري حسن صالح».. كان الوجود كبيراً والرموز بعدد الحصى ووزراء تعرفهم بالنعمة التي غشيت الوجوه والبيوت والنساء!!
والوزراء من دارفور يفوق عددهم العشرين وزيراً إذا (حسبنا) وزراء السلطة الانتقالية وهم وزراء بكامل السلطات والصلاحيات والحساب ولد كما يقول أهلنا في الجزيرة.. وليس بنتاً مع الاعتذار للنساء من ذكر هذا المثل.. يضاف لهؤلاء (المحظوظين) من مساعدي «السيسي» حيث يتعذر إحصاء أسماؤهم، فإن لدارفور في مجلس الوزراء كل من د.»التجاني السيسي» و«السميح الصديق».. و»بحر إدريس أبو قردة»، ود.«أحمد بابكر نهار» ود.«فرح مصطفى» ود«فضل عبد الله» ود.«كمال إسماعيل» (وزير دولة بالخارجية) ووزير الدولة برئاسة الجمهورية «الرشيد هارون» أو «الرشيد حلايب»، كما يقول بعض الدبلوماسيين وكبيرهم «حسبو محمد عبد الرحمن» نائب رئيس الجمهورية..
هذا الجيش الكبير من الوزراء يمثل دارفور وهي لا تزال تطالب بالمزيد وإقليم مثل كردفان يمثل بوزير الثقافة «الطيب حسن بدوي» ووزير الداخلية «عبد الواحد يوسف» وزير دولة وحيد د.«عبيد الله محمد عبيد الله»، وكل الإقليم الأوسط يمثل بوزير المالية «بدر الدين محمود» ووزير الكهرباء «معتز موسى» وتشكو دارفور من الظلم.. والتهميش.. ويجلس «موسى هلال» ما بين الظل وحرارة شمس أبريل!!
كان في منزل الفريق أول «بكري» عشية (الاثنين) من زعماء الإدارة الأهلية «المقدوم صلاح الفضل» حفيد سلطان الفور» والناظر «محمد يعقوب العمدة» ناظر الترجم والناظر «التجاني عبد القادر» ناظر المسيرية، والناظر اللواء «موسى جالس» ناظر البرقد والناظر «محمود موسى مادبو» ناظر الرزيقات.. والعمدة «أحمد التجاني أبو سعدية» عمدة البرقو بجنوب دارفور، والناظر «يوسف علي الغالي» وكيل الهبانية، وسلطان الداجو «عبد الرحمن أبو».. ومن القيادات والوزراء أشهر وزير مالية في السودان «علي محمود حسب الرسول» واللواء «التجاني آدم الطاهر».. و«الفريق إبراهيم سليمان».. و«البخيت آدم قمر الدين» و»محمد عيسى عليو» والفريق «صديق محمد إسماعيل» و«الصادق الرزيقي» و»حمودة» واللواء «صافي النور» والفنان «عمر إحساس» ولم يغب عن الساحة إلا «عثمان كبر» و«موسى هلال» و«حميدتي» و«طرادة» وقيادات التربورا والجنجويد صناع الأزمة والمستفيدون من سيل دمائها.
تحدث مولانا «محمد بشارة دوسة» وقال: إن قيادات دارفور تلتقي اليوم في مدينة أم جرس التشادية للحوار والتشاور ضمن فعاليات أم جرس (2) بعد أن كانت أم جرس (1) لقاءً خاصاً بعشيرة الزغاوة، والآن ينعقد لقاء أم جرس (2) لكل أهل دارفور وهم مثل السوريين عقدوا جنيف (1) ثم أعقبتها جنيف (2) ولا تزال الأزمة السورية تراوح مكانها، وأم جرس الأولى والثانية تحظى برئيس دولة تشاد «إدريس دبي».. صهر السودانيين ونسيبهم، ولكن الدعوة لأم جرس (2) لم تشمل أهم شخصية الآن في دارفور «موسى هلال» والشخص المهم في دارفور هو الذي يملك السلاح ويستطيع إحداث أكبر قدر من أذى الإنسان.
وبرر السلطان «محمد بشارة دوسة» الأسباب التي جعلت أم جرس الأولى حصرياً على الزغاوة بتأثير الزغاوة على الحرب ودور الرئيس «إدريس دبي» في معادلة الحرب والسلام في دارفور وقدرته على إسداء النصح لأهله وعشيرته.. واليوم يلتقي كل رؤساء مجالس شورى القبائل والقيادات، والجلسة الافتتاحية اليوم يخاطبها الرئيس التشادي «إدريس دبي» ونائب رئيس الجمهورية «حسبو محمد عبد الرحمن»، أما الجلسة الختامية يوم التاسع والعشرين من الشهر الجاري سيخاطبها الرئيس «عمر البشير».
وأقر الفريق «آدم حامد موسى» رئيس مجلس الولايات السابق بأن حرب العصابات لا تنتهي ولا يستطيع الجيش تحقيق نصراً حاسماً ونهائياً على العصابات المتمردة. وقال إن أهم ما جاء في مقررات أم جرس الأولى نبذ الحرب وفرض السلام ومقاطعة أي من قيادات التمرد من جهة قبيلته وعشيرته إن هو رفض السلام، وأخيراً أن يتوجه الناس للتنمية بدلاً عن الحرب.
وأما «محمد عيسى عليو» القيادي البارز في حزب الأمة ورئيس هيئة شورى عموم الرزيقات في السودان فقد تحدث بصفته عمدة بولاية شرق دارفور ولم يتحدث بصفاته الأخرى.. وقال إن الحرب في دارفور سببها التهميش حيث يتفق حاملو السلاح مع من هم في الداخل في أسباب الحرب، وأن الزغاوة استشعروا المسؤولية وجمعوا أطرافهم من أجل حل المشكلة وذلك توجه حميد يجد الدعم والمؤازرة.. وتحدث أحد قيادات الإدارة الأهلية من جنوب دارفور بلهجة حادة ووجه انتقادات حادة جداً لأداء الدولة وأجهزتها. وقال إن القوات الحكومية ارتكبت تجاوزات بحق المدنيين واجتاحت القرى وروعت الأهالي وهي تبحث عن المتمردين.. وأضاف قائلاً المتمرد الذي يحمل السلاح واجب الحكومة ملاحقته وقتله، ولكن الإنسان المدني الذي لا يحمل السلاح واجب الحكومة حمايته لا الهجوم عليه.
{ اعترافات الفريق «بكري»
قال الفريق أول «بكري حسن صالح» إن التوصيف الحقيقي لقضية دارفور هي أنها قضية السودان في دارفور وليس قضية دارفور في السودان!! وأن نموذج القوات المشتركة بين السودان وتشاد يمثل نجاحاً كبيراً لتجربة يجري الآن استنساخها مع دول حدودية أخرى، ولذلك يمثل ملتقى أم جرس (2) فرصة لتوحيد الرؤى والأفكار واتفاق لأهل دارفور حول ماذا يريدون؟ وحينما يحدد أهل دارفور ماذا يريدون ويتوحد الدارفوريون فإن الحل يصبح قريباً جداً.. لقد جرت حرب في دارفور لمدة (11) عاماً خسرنا فيها الكثير من الموارد ولذلك لابد من المصارحة والمكاشفة وأن نقول الحقائق مجردة.. ولا نخاف من قول الحق.. وأشار لحديث «محمد عيسى عليو» وأحد العمد والذي تحدث بمرارة من مآلات الصراع في دارفور والاعتداء على القرى والمدنيين.. وقال الفريق أول «بكري» نرفض بشدة الاعتداء على المدنيين ولابد من أن تبسط الدولة يدها لحماية السكان المدنيين. وأيد حديث «محمد عيسى عليو» بأن مشكلة السودان الحقيقية في دارفور وإذا تم حلها فإن الاستقرار سيعم البلاد.. وأطلق الفريق أول «بكري» دعوة لتجميع كل المبادرات المطروحة في الساحة حتى يتحقق السلام!!
{ الدوحة وأم جرس علامات استفهام؟؟
استنكرت الحكومة السودانية بشدة هجوم الولايات المتحدة الأمريكية على منبر الدوحة واعتباره قد فشل في تحقيق السلام؟؟ ولكن الآن الحكومة وأهل دارفور يقبلون بطوعهم وإرادتهم على منبر جديد يبحثون فيه عن السلام المفقود!! إنه منبر أم جرس الذي تقوده الحكومة التشادية، والرئيس «إدريس دبي» شخصياً حيث تعتبر أم جرس هي مسقط رأسه وقريباً من (باهاي) حيث يقيم شقيقه «تيمان» سلطاناً على الزغاوة البديات.. والدوحة التي كانت تعتبر آخر اتفاقيات السلام وتضمنت كل القضايا التي يمكن إذا طبقت على أرض الواقع أن يتحقق السلام.. ولكن بعد الدوحة طاف بعض المسؤولين الحكوميين على عواصم أخرى بحثاً عن السلام، وانعقدت لقاءات في إثيوبيا وكمبالا بين الدارفوريين وحاملي السلاح كل ذلك يمثل اعترافاً عملياً بأن الدوحة ما عادت إطاراً يحقق السلام!! ولكن هل تم تجاوز الدوحة من جهة الحكومة دون ثمن؟
وما قيمة مؤتمر أم جرس (2) وقد أنفقت عليه ملايين الجنيهات في زمن التقشف، في غياب حركات التمرد الرئيسية عن الملتقى؟؟ هناك مساعٍ يقودها «صديق ودعة» والرئيس التشادي لضم فصيل «مني أركو مناوي» إلى مؤتمر أم جرس ولا يبدو «مناوي» بعيداً عن ذلك.. ولكن العلاقة بين العدل والمساواة والرئيس «إدريس دبي» لا تزال متوترة.. جداً.
وتتهم العدل والمساواة دولة تشاد بالتواطؤ في مقتل «خليل إبراهيم» وقد عبر عن ذلك قيادات العدل في أديس أبابا عند لقائهم بموفدين من مؤتمر أم جرس (1) في شهر ديسمبر الماضي.. فهل قيادات دارفور التي حملت على متن طائرات (البوينج) الفاخرة في حاجة لوحدهما لاتفاق يرعاه الرئيس التشادي «إدريس دبي» قبل الاتفاق مع الحركات المسلحة؟.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية