دور مصر الأفريقي
} وزير الخارجية المصري قال إن مصر مصممة على استعادة دورها الأفريقي. يأتي هذا التصريح بعد أن أصبحت كل دول القارة رافضة للانقلاب معلنة احتجاجها على وأد الديمقراطية في مصر. ما كان أحد يتصور أن تصل العلاقة بين منظمة الوحدة الأفريقية ومصر إلى هذا المستوى.
} كانت العلاقة مع مصر في بدايات تأسيس المنظمة علاقة مثالية، لأن مصر كانت تنطلق من قاعدة زعامتها للكتلة العربية الإسلامية. كان المرشح الذي تؤيده مصر يفوز برئاسة لجنة أو منظمة. ولم يكن رأي مصر يتم تجاهله في أية مرحلة. في البداية أعلنت مصر تأييدها لـ “ديالو تيلي” كأمين عام للمنظمة، واستطاعت بما لها من نفوذ حشد الدول الإسلامية والعربية حتى فاز هذا المرشح بما يشبه الإجماع.
} كانت مصر في أوائل الستينيات تقود تياراً رافضاً للاستعمار، داعية لتحرر الدول الأفريقية المستعمرة. وكان رئيسها “عبد الناصر” يقدم نفسه للعالم باعتباره عدو الاستعمار الأول، واستطاع أن يكسب إلى جانبه كل الدول الثورية والمتطلعة للتحرر من الاستعمار، لهذا فاز مرشحها الذي كان مسلماً من “غينيا” بمنصب الأمين العام للمنظمة، وقد تحمست كل الدول مع هذا المرشح، حتى الدول المسيحية والواقعة تحت نفوذ الكنيسة. ولم يحس أحد بعلاقته بالكتلة الإسلامية لأن الدبلوماسية المصرية لعبت بذكاء، فاستطاعت إقناع كل الدول أن هذا المرشح الأنسب، فهو أفريقي لا يشك أحد في أفريقيته. ولم يدعم “عبد الناصر” مرشحين آخرين من أفريقيا العربية لأنه كان يراه مستفزاً للدول الأفريقية، وبهذا حصل على تأييد كل الدول الأفريقية والإسلامية معاً، وكل ذلك ما كان ليحدث لولا الذكاء المصري الذي قدم “مصر” في صورتها الثورية الإسلامية، فوجدت كل القبول من الأفارقة.
} كانت مصر في أوائل الستينيات تعلن وقوفها مع كل الحركات التحررية، وكان هذا الإعلان يأتي بصورة مباشرة ليس فيها تردد. لم تشك أفريقيا لحظة في مساندة مصر لحركات التحرر، لأن مصر كانت تفتح جامعاتها ومدارسها لأبناء الثوار، وكانت هي الوحيدة المفتوحة لأي مناضل في أي بلد طالما أنه يعمل على تحرير بلاده من الاستعمار، ما أكسب “عبد الناصر” شعبية كبيرة. وكلنا يذكر أن أبناء المناضل الرئيس “لوممبا” آوتهم مصر بعد اغتيال والدهم وعلمتهم مجاناً. عندها تراجع دور أفريقيا هذا السجل الناصع ولا تملك سوى الوقوف مع مصر.
} استطاع “عبد الناصر” أن يوظف الأموال العربية لمصلحة النضال من أجل الحرية، واستطاع إقناع كل الدول الأفريقية أن أي نظام في أفريقيا ينبغي تأييده من زاوية واحدة هي موقفه في قضية التحرر من الاستعمار، فأصبح هذا هو المعيار الوحيد للتأييد أو المعارضة.
} منذ عهد “السادات” تغير الموقف في مصر، فلم يعد أحد يعرف لها موقفاً واحداً مناوئاً للاستعمار، كما أن مصر لم تعد تهتم بمساندة الرؤساء المسلمين في أفريقيا وتعتبرهم رصيداً لها، فأطاحت الانقلابات بمعظمهم، ودخلت “أمريكا” على الخط واجتذبت الكثير من الرؤساء أو معارضيهم وأخذت تقدم لهم الدعم اللا محدود. والآن نجد أن كل الحركات المتمردة في أفريقيا تدعمها “أمريكا”، بينما الحركات المناوئة لها لا تجد من يؤيدها لأنه لم يعد هناك من يقف بكل شجاعة معها.
ويلاحظ الآن أن “أمريكا” تساند الحكومة والمعارضة معاً وتقيم الجسور مع النظام ومع خصومه لأنها لا تعرف من سينتصر في النهاية. استطاعت “أمريكا” وعبر هذه السياسة المزدوجة أن تضمن بقاءها قريباً من الأحداث. وكما يلاحظ الآن في “دارفور” هي تدعم الحركات المسلحة، وقد ساندت في العمليات التي أدت إلى هزيمة عدد منها. يتم ذلك في ظل غياب أي قوى أخرى على الجانب الآخر، فـ”الاتحاد السوفيتي” لم يعد له وجود وأصبحت “أمريكا” هي الوحيدة التي تحتكر ذهب المعز وسيفه، وهي الوحيدة المسيطرة على المنظمات الدولية وعلى موظفيها، وليس بمقدور أحد إزاحتها عن هذا الموقف.. الخارجية المصرية المطلوب منها إعادة بناء الثقة مع الأفارقة وإعادة الهيبة للدول الإسلامية وللرؤساء المسلمين، فهؤلاء رصيدنا وهذا لا ينفصل عن السياسة الخارجية للدولة.
> سؤال غير خبيث
هل تعود “مصر” إلى زعامة الدول الأفريقية كما كان الحال أيام “عبد الناصر”؟