مؤشرات ديمقراطية!!
للديمقراطية أكثر من وجه.. ولممارستها أكثر من طريقة.. ويكاد يكون لكل ديمقراطية شيخها في ظل تعدد مفاهيمها وتباين الآراء حولها.. وذلك كله لا يلغي أهميتها وضروريتها ولا يقلل من الأهداف الكبيرة التي تأسست من أجلها وعلى نحو يجعلنا نقول إن من يقف ضد الديمقراطية كمن يقف ضد الحرية والعدالة.. وفي هذا الزمان من لا يتضمن برنامجه السياسي شيئاً من التبشير بالديمقراطية لا محالة لن يجد له موطئ قدم في السلطة أو حتى الذاكرة السياسية.
والديمقراطية في العالم الثالث تمر بمنعطفات صعبة وخطيرة وفشلت للأسف حتى يومنا هذا في تقديم نماذج يمكن الإشارة إليها بشكل واثق وهذا يعود لجملة من الأسباب التاريخية والسياسية والتي في مقدمتها حداثة التجربة نفسها وعدم دخولها إلى معمل التجريب والممارسات الفعلية.
والمؤكد أن الانقلابات التي تحدث في المنطقة تمثل مؤشراً خطيراً لعدم قدرة الأنظمة الديمقراطية بشكلها الراهن على تطبيق النموذج الديمقراطي على أرض الواقع الذي لم يعد بدوره يعبأ كثيراً بمن يحكمه وكيف يحكمه ، وإنما يريد فقط من يحقق له مطالبه في الحياة، والديمقراطيون في المنطقة الذين جاءت بهم صناديق الاقتراع سواء بشكل حقيقي أو مزور يصطدمون دائماً (بالبيروقراطية الديمقراطية) التي تجعلهم عاجزين عن إصدار القرارات الحاسمة التي تحقق مطالب الشعوب لأن هذه الديمقراطية تقتضي تمرير القرارات علي عشرات الجهات واللجان وإخضاعها لعشرات الاقتراعات … إلى أن ينفد صبر الشعوب وقد يثورون أحياناً علي الأنظمة الديمقراطية نفسها … كما حصل في ديمقراطية السودان الثالثة..
والمؤشر الثاني هو أن النماذج الديمقراطية القليلة التي تبوأت مقاليد الحكم وصلت إلي هذا الهدف من خلال حماية ووصاية العسكر مما يعني أن بقاءها واستمرارها في السلطة لاحقاً مرهون بمدى رضا المؤسسة العسكرية عنها وحين تتعارض السلطة الديمقراطية مع السلطة العسكرية فالنتيجة الحتمية كما تقول الوقائع هي الحسم العسكري والوأد العاجل للديمقراطية.
والمؤشر الثالث أن الأنظمة الشمولية التي تشكل معظم نماذج الحكم السائد في المنطقة تنظر إلى الديمقراطيات الوليدة التي استطاعت الوصول إلى السلطة بعين الحذر وبكثير من عدم الرضا لأنها قد تحرض شعوبها وأحزابها لمحاكاة تلك الأنظمة الديمقراطية ولذلك هي ليست ببعيدة عن مسلسل التآمر على النماذج الديمقراطية على قلتها وتسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في التعجيل برحيلها.
المؤشر الرابع أن الدول العظمى والكثير من دول الغرب ورغم رفعهم لشعارات الديمقراطية ودفاعهم (الإعلامي) عنها لكنهم في الواقع غير جادين في تطبيقها ضمن منظومة المنطقة لأن القوى السياسية الديمقراطية معظمها يطرح برامج تتقاطع مع مصالح هذه الدول الكبرى حيث إن الديمقراطيين في المنطقة (مؤدلجين) على نحو يفضح سياسات الهيمنة الخارجية ويرفض واقع التبعية والوصايا للكبار..!
أما المؤشر الخامس والأخير فيتصل بشعوب المنطقة نفسها والتي استيقظت مؤخراً على مفاهيم الديمقراطية في زمنية صعبة وحرجة تعاني فيها من هشاشة في المؤسسية وضعف في التنمية وفقر في الاقتصاد وشح في الموارد إضافة إلى أزماتها الداخلية من حروب أهلية وتوترات حدودية ، وهي تريد أن تحمل (الديمقراطيات) التي يمكن أن تحكمها مسؤولية الانقلاب على كل هذا الإرث السيئ وعلى وجه السرعة.. وهذا لا يمكن أن تفعله الأنظمة الديمقراطية بين عشية وضحاها لأنها باختصار لا تملك عصا سحرية تخلصها من النتائج الرديئة لإرث الأنظمة السابقة لها، مما يدفع هذه الديمقراطيات إلى النهايات السريعة لتصبح في كثير من الأحايين مجرد (استراحة سياسية) قصيرة لعودة الأنظمة الشمولية التي قد تجد الترحيب الداخلي والخارجي التي تدخل إلى القصور الرئاسية حاملة بيانها الأول الذي يقدح في مصداقية الديمقراطية وفشلها في إنقاذ أوطانها وهي تتجه نحو الهاوية؟.