الأطباء (الكيري)!
تكاثرت في الآونة الأخيرة ظاهرة ضبط الأطباء المزيفين، سودانيون وأجانب، وبدأ الأمر يصل حد الإزعاج للمواطن الذي لم تبق له إلا مطالبة السلطات بأن يعلق الطبيب إلى جانب وثائق تصاديقه ولافتته المضيئة رقمه الوطني وثلاثة أشخاص يمكن الرجوع إليهم، فقد تدخل عيادة أحدهم وأنت معطوب الرأس فتخرج وقد حزت وشماً في ظهرك! وقد تطلب الشفاء من علة تطلبت تطبيباً، فتجد نفسك في مواجهة (أخ عربي) يناقش معك تنقية الأجواء العربية قبل قمة الكويت فتخرج بالعافية وبعض من توصيات القمة!!
هذه الظاهرة تدين بالكامل مؤسسية الجهات المعنية بمنح التصاديق والإجازات لممارسة العمل الطبي كخدمة تتاح للمواطنين، ممارسة وعلاجاً. أن يجد المواطن بمنطقته عيادة ومستوصفاً فهذا يعني ضمناً أن الشخص أو الجهة التي تقيم داخله استوفت كامل المطلوبات الفنية والإدارية اللازمة سواء من المحليات ودوائرها الإدارية أو من وزارة الصحة كجهة منظمة ومشرفة بل ومسؤولة عن هذا العمل، وبالتالي فإن وقوع أي خطأ واكتشاف أية مصيبة يعني ببساطة أن الحكومة ممثلة في تلك السلطات هي من تتحمل المسؤولية كامل المسؤولية، ولئن كان القانون يحبس ويدين بالسجن والغرامة والإبعاد (للأجنبي) الذي تورط في ممارسة مهنة الطب بطريقة عشوائية و(كيري)، فإن ذات القانون يجب أن يحاسب الجهات المصدقة والمشرفة على هذه الأعمال لأنها ببساطة ما شايفة شغلها!
هب أن بالولاية كذا والمحلية (كيت) مئة مستوصف وعيادة، يفترض أن يكون هؤلاء معلومين لجهة ما بالاسم والسيرة الذاتية والمقر وتفاصيل التفاصيل، ليس في هذا انتقاص من حريتهم أو تضييق عليهم لكنه مدعاة للضبط ولعدم ترك الأمور مطلقة السراح من أية مسؤولية والتزامات تحفظ للمواطن حقوقه وسلامته وتضمن للدولة احترامها كجهة تتحمل تبعات كل أعمال وتصرفات الناس الواقفين تحت ظل سيادتها، وللأسف فإن الواقع يقول إن كثيراً من المحليات ووزارة الصحة الولائية بالخرطوم أو غيرها آخر من يعلم إذ يمكن لأي شخص – أي شخص – أن يذهب إلى خطاط فيرسم لوحة بهية التفاصيل والعبارة يحشوها بما شاء من أنواط السيرة الذاتية الطبية ثم يرتدي (لاب كوت) أبيض ناصع البياض ويشتري (عدة الشغل) ويتحول إلى ما شاء طبيب (نساء) أو (أطفال) والسلام!
تفشي هذه الظاهرة تتحملها السلطات بأنواعها المختلفة وما أكثرها، وطالما أن أكثر من طبيب مزيف قد سجن وحبس، فإن القانون يجب أن يطال المسؤولين عن تلك التصاديق والمشرفين إدارياً وتنظيمياً عن العيادات والمستشفيات، لأن هؤلاء المزيفين أو غير المستوفين للشروط في مرحلة ما وإجراء ما مروا بتلك السلطات، فكيف أجازتهم ومنحتهم الحق الأولي والابتدائي بمزاولة العمل؟!
وأما أن لم تمنح تلك الجهات تصاديق ورغماً عن ذلك فتحت العيادات والدور الصحية، فتلك مصيبة تؤكد أن الحكومة في شقها المحلي والقاعدي تحتاج هي نفسها إلى فحص وتدقيق!!